الخلود
أحمد قوشتي عبد الرحيم
ومعنى الخلود هذا معنى مذهل ، تطيش العقول في محاولة الإدراك التام له ، ويكفي أن تتخيل نفسك - نسأل الله ذلك لنا جميعا - في نعيم الجنة أبد الآباد ، ليس ألف سنة أو مليون أو مليار بل إلى ما لا نهاية له ولا انقضاء
- التصنيفات: الدار الآخرة -
في أكثر من سبعين موضعا من كتاب الله تعالى يقترن ذكر الجنة أو النار بالخلود ، مضموما إليه التأبيد أو خاليا منه ( خالدين فيها - خالدين فيها أبدا )
ومعنى الخلود هذا معنى مذهل ، تطيش العقول في محاولة الإدراك التام له ، ويكفي أن تتخيل نفسك - نسأل الله ذلك لنا جميعا - في نعيم الجنة أبد الآباد ، ليس ألف سنة أو مليون أو مليار بل إلى ما لا نهاية له ولا انقضاء ، خاليا من كل المتاعب والهموم والغموم والأحزان والقلق والنصب والتعب ، وهم الأولاد أو المستقبل أو الحزن على مصائب المسلمين ومآسيهم ، ثم أنت في ذلك كله تتنعم بما لا يخطر لك ببال ، وما لا ينقطع أو يمل منه ، بل في كل لحظة نوع من الإمتاع واللذة والسعادة .
وفي المقابل ، تخيل - أعاذنا الله وإياك - أولئك المخلدين في نار جهنم ، حيث العذاب الأليم ، والخزي العظيم الذي لا يتوقف ولا ينتهي ، حتى تصير أعظم أمانيهم أن يخفف عنهم يوما من العذاب ، أو أن يقضي الله عليهم بالموت ، لكن هيهات فلا موت ولا راحة ، بل عذاب مقيم .
وما أعجب أمر ابن آدم حين يبيع دينه وآخرته من أجل دنيا زائلة ، ويؤثر الفانية على الباقية !!
فما مقدار تلك الدنيا التي يضحي من أجلها ، وكم مدة لبثه وبقائه فيها ؟ وكم تساوي تلك الستون أو السبعون من السنين التي يعيشها هنا في الدنيا على ما فيها من تعب ونصب ، وهموم وغموم ، وقلق وأمراض ، وتوجس مما يأتي ، ومكدرات لا يخلو منها أحد ؟
ثم ما نسبتها إلى نسبة وجوده من قبل طيلة آلاف السنين في عالم الذر حينما لم يكن شيئا مذكورا (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ) وما نسبتها إلى وجوده في عالم البرزخ والقبر ربما لآلاف السنين حتى تقوم الساعة { وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}
وأخيرا ما نسبتها لخلود الآبد في الآخرة ، حيث لا موت ، ولا فناء ، ولا انقضاء ، بل بقاء دائم ، واستمرار لا انقطاع له ، إما في نعيم مقيم ، وإما في عذاب مهين .
فما أخسر من باع كل هذا الخلود بأقل القليل ، وما أشبهه بمن فضل قطرة ماء على بحر خضم ، وحبة رمل على صحراء شاسعة ، وخلود الأبد على ساعة أو يوم سريع الانقضاء .
وفي صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم « «مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبُعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ» » وقال صلى الله عليه وسلم "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرا منها شربة ماء".