الذكر وفضله
وحيد عبد السلام بالي
الذكر يُضعف الشيطان، ويقوِّي الإيمان، ويرضي الرحمن، وهو الركن الركين، والحصن الحصين الذي يتحصن به المسلم من الشيطان الرجيم
- التصنيفات: الذكر والدعاء -
الذكر يُضعف الشيطان، ويقوِّي الإيمان، ويرضي الرحمن، وهو الركن الركين، والحصن الحصين الذي يتحصن به المسلم من الشيطان الرجيم؛ عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بني إسرائيل أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا، فَقَالَ عِيسَى: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَلَ بِهَا وَتَأْمُرَ بني إسرائيل أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ، وَإِمَّا أَنَا آمُرُهُمْ، فَقَالَ يَحْيَى: أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَامْتَلأَ الْمَسْجِدُ وَقَعَدُوا عَلَى الشُّرَفِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ، وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ: أَوَّلُهُنَّ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَإِنَّ مَثَلَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ، فَقَالَ: هَذِهِ دَارِي وَهَذَا عَمَلِي فَاعْمَلْ وَأَدِّ إِلَيَّ، فَكَانَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ، فَأَيُّكُمْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ؟ وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاَةِ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلاَ تَلْتَفِتُوا فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلاَتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ فِي عِصَابَةٍ مَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا مِسْكٌ، فَكُلُّهُمْ يَعْجَبُ أَوْ يُعْجِبُهُ رِيحُهَا، وَإِنَّ رِيحَ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ العَدُوُّ، فَأَوْثَقُوا يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَقَالَ: أَنَا أَفْدِيهِ مِنْكُمْ بِالقَلِيلِ وَالكَثِيرِ، فَفَدَى نَفْسَهُ مِنْهُمْ، وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ العَبْدُ لاَ يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ اللهِ»[1]؛ رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
فالذي يداوم على ذكر الله يَحرز نفسه من الشيطان، والذي يتغافل عن ذكر الله يدع نفسه للشياطين تلعب به، وتغويه، وتوسوس له؛ قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]، وكما أن الذكر يضعف شياطين الجن، فهو كذلك يضعف شياطين الإنس، ولذلك أمرنا الله تبارك وتعالى بالذكر عند الحرب، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [الأنفال: 45].
فضل الذكر:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ»؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى»[2]؛ رواه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ»، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ» [3].
وعن عبدالله بن بسر رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن شرائع الإيمان قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» [4]؛ رواه الترمذي، وحسنه، والحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ» [5]؛ (رواه البخاري، ومسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه[6] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ» [7] وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ» رواه أبو داود، وصححه الألباني[8].
وفي «الصحيحين» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ»[9].
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ» [10] (متفق عليه).
وعنه أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» [11]؛ (رواه مسلم).
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ»[12]؛ (رواه مسلم).
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ، كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ» ؟»، فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ» [13]؛ (رواه مسلم).
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ» فقلت: بلى، يا رسول الله، قال: «لا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»[14]؛ متفق عليه.
[1] صحيح: رواه الترمذي رقم (2863) في «الأمثال» باب ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة، وقال: حسن صحيح، والطبراني في «الكبير» (3/ 285/ 3227)، وابن حبان في «صحيحه» (1222) «موارد الظمآن».
[2] صحيح: الترمذي رقم (3377) في «الدعوات» باب رقم (7)، وابن ماجه رقم (3790) في «الأدب»، وأحمد في «المستدرك» (1/ 496) وصححه، ووافقه الذهبي، وهو في «صحيح الجامع» رقم (2629).
[3] صحيح: رواه مسلم رقم (2676) في «الذكر والدعاء» باب الحث على ذكر الله تعالى.
[4] صحيح: رواه الترمذي رقم (3375) في «الدعوات» باب ما جاء في فضل الذكر، وابن ماجه رقم (2739) في «الأدب»، ورواه أحمد في «المسند» (4/ 188- 190)، والحاكم في «المستدرك» (1/ 495) وصححه ووافقه الذهبي وهو في «صحيح الجامع» رقم (7700).
[5] متفق عليه: رواه البخاري رقم (6407) في «الدعوات»، باب فضل ذكر الله تعالى، ومسلم (779) في «صلاة المسافرين»، باب استحباب صلاة النافلة في بيته.
[6] صحيح: رواه أبو داود رقم (4856) في «الأدب» باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله تعالى وهو في «صحيح الجامع» رقم (6477).
[7] ترة: نقص وحسرة.
[8] تخريج الكلم الطيب تعليق (3).
[9] متفق عليه: رواه البخاري رقم (6405) في «الدعوات» باب فضل التسبيح، ومسلم رقم (2691) في «الذكر والدعاء»، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء.
[10] متفق عليه: رواه البخاري رقم (7563) في «التوحيد» آخر حديث في صحيح البخاري، ومسلم رقم (2694) في «الذكر والدعاء»، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء.
[11] صحيح: رواه مسلم رقم (2695) في «الذكر والدعاء»، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء.
[12] صحيح: رواه مسلم رقم (2137) في «الأدب»، باب كراهية التسمية بالأسماء القبيحة.
[13] صحيح: رواه مسلم رقم (2698) في «الذكر والدعاء»، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، والترمذي رقم (4363) في «الدعوات».
[14] متفق عليه: رواه البخاري رقم (4205) في «المغازي»، باب غزوة خيبر، ومسلم رقم (2704) في «الذكر والدعاء»، باب استحباب خفض الصوت بالذكر.