سلبيات في الرفاهية الأسرية
من الناس زعمت أن التكامل يكون بالرفاهية المفرطة والإسراف المذموم ولو كان على حسب ديون تكهل عواتقهم، حديثي في تلك الحلقة لهذه الأسر التي زعمت هذا الزعم وسلكت هذا المسلك..
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
إن مما ينشده الجميع التكامل في شؤون الحياة ولو كان نسبيًّا، لكن هذا التكامل يختلف من شخص لآخر مما يجعل الناس فيه أصنافا عدة حسب عرفهم وفهمهم وميزانياتهم، ولا جناح أن يسعى الإنسان إلى التكامل المعقول والممكن حسب حالته المادية لا إفراط ولا تفريط، لكن فئة من الناس قد تكثر وقد تقل زعمت أن التكامل يكون بالرفاهية المفرطة والإسراف المذموم ولو كان على حسب ديون تكهل عواتقهم، حديثي في تلك الحلقة لهذه الأسر التي زعمت هذا الزعم وسلكت هذا المسلك، وأيضا ادعت أنه ممدوح ولكنها نسيت أو تناست ما وراء الأكمة من المضار والسلبيات في الدنيا والآخرة وعلى الأولاد وأحفادهم إن هم اعتادوا ذلك الطبع، وسيكون الحديث في النقاط التالية:
النقطة الأولى:
لو ألقينا نظرة سريعة على حال السابقين من الآباء والأجداد، وكيف كانت معيشتهم وحالهم لرأينا من قلة المآكل والمطاعم والألبسة والأثاث ما يكون عبرة لأجيالنا المباركة وأسرنا الكريمة، فليس غريبًا أن يطوي أحدهم ليلته ويومه لم يطعم، وليس غريبًا أن تكون الثياب مرقعة والبيوت ضيقة إلى غير ذلك مما يطول وصفه، ولو أن أحدنا جلس مع أحد كبار السن لسمع العجب وهذا يعطينا دروسًا عظيمة أن الأيام والليالي حبلى فكما كانت ضيقةً عليهم، واتسعت علينا فقد تضيق علينا وتتسع لغيرنا، وذلك كله بتقدير الله تبارك وتعالى، فلنأخذ الدروس والعبر ممن هم حولنا ومن كانوا قبلنا فلا نبطر ونسرف وننس العواقب الجماعية والفردية، فالجزاء من جنس العمل.
النقطة الثانية:
إن الرفاهية الزائدة على المعقول ليس لها حد تقف عنده بل قد لا يكون لها سقف قريب، فهي تتجدد بصاحبها في شتى شؤونه وفي عموم أحواله ثم يتساءل بعد ذلك أين ذهب المال؟ وكيف ضاقت الأوقات؟ ولم يعلم هذا وأمثاله أنه هو من ضيع الجهد والمال والوقت بشيء قد لا يكون من النوافل، ناهيك أن يكون من الحاجيات الملحة، وليعلم هؤلاء الكرام أن الإسراف مذموم وأن عاقبته في الدين والدنيا مشينة وهو عمل يبغضه الله قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141].
النقطة الثالثة:
إذا اعتاد الأولاد تلك الرفاهية الزائدة ونشأوا عليها فلها عليهم آثار سلبية من قلة العطاء والعمل وقلة بذل المجهود في تحصيل المصالح وعدم الصبر، حيث كانوا في رفاهية من أمرهم فلم يتحملوا أن تنزل أحوالهم إلى ما دونها في عموم أحوالهم وشؤونهم، وأيضا كل مجهود هو متعب لهم، وقد تجد الخدم عن أيمانهم وشمائلهم، فإذا حصلت موجة ضيق عليهم ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، حيث لم يعتادوا تلك الحال، ويقال لهؤلاء ونحوهم اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم.
النقطة الرابعة:
عند تأثيث منزلك العامر ابدأ بالأصول والحاجيات المهمة، واترك النوافل إلى وقتها المناسب ولا تستغرق، فيها فنفسك أولى من بيتك وذمتك أدرأ عليك من رفاهيتك، ثم ماذا إذا أثثت بالدقيق والجليل والكبير والصغير على حساب كاهلك بالديون والقروض فتركك للنوافل المعقولة إلى وقتها أولى عقلا وشرعًا من هموم الليل وذل النهار بالدين والقرض.
النقطة الخامسة:
إن التسابق المذموم في الترف الزائد في المركوب والمسكن والملبس والمأكل والمشرب والإسراف في ذلك لا شك أن هذا منشؤه الجهل وعدم بعد النظر وقلة الإدراك، وأهمس في آذان هؤلاء وأمثالهم بأن المال له مخارج أخروية وهي الباقية أما ما يصرف زائدًا على الحاجة زيادة ملفتة فهو فان، وسيحصل عليه السؤال يوم القيامة من أين اكتسبه وفيم أنفقه.
النقطة السادسة:
المناسبات العائلية مملوءة أحيانا بالزيادات الملفتة في المأكولات الأساسية وغيرها ثم يتم التخلص مما بقي منها عند البعض هداهم الله بطريقة غير لائقة شرعا ولا عقلا من حيث احترام النعمة وتقديرها، فقد وجدنا من وضعها في النفايات العامة، وكيف يهنأ هؤلاء بأكلهم وشربهم وهذا عملهم مع نعمة الله تبارك وتعالى، وقد وجد في الواقع من الأثرياء ما افتقر ومن الناس من ابتلي بسبب تلك الأفعال المشينة، بل علينا أولا الترشيد في الإعداد ثم ما بقي منه يتم التخلص منه عن طريق الأسر الفقيرة أو الجمعيات الخيرية أو العمالة أو غيرهم مما يماثلهم، حتى إن البعض يتخلص مما يصلح للاستهلاك الآدمي فيجعله للبهائم، وهذه طريقة خاطئة فوضع الشيء في موضعه من الحكمة والعقل الرشيد.
النقطة السابعة:
في مجتمعنا أسر لم تجد أصولا في سكنها ومآكلها وملبسها فياليت أصحاب الرفاهية الزائدة والإسراف المذموم يتأملون في حال هؤلاء ويتقربون إلى الله تعالى برعايتهم ولو نسبيا، بدلا من تلك الرفاهية السلبية مما يعود عليهم بتوفيق من الله تعالى لهم في صلاح أمورهم وحياتهم وذرياتهم، فالله تعالى قسم الأرزاق بين الخلائق، أفلا يخشى هؤلاء أن يكونوا يوما ما كأولئك؟ فكما يقال الدنيا دوارة فقد تتغير الأحوال في يوم وليلة.
النقطة الثامنة:
الوقاية خير من العلاج، فالاقتصاد في الحاجيات مطلب كبير يجب أن يتربى عليه الأولاد فيتعلمون عمليا كيف يكون الترشيد الصحيح حتى ترشد أحوالهم ولهذا يجب أن يتعلموا قاعدة (أكلما اشتهيت اشتريت) فالإمساك والترشيد في عموم الحاجيات هو من مخرجات العقل الراشد والتفكير السليم.
النقطة التاسعة:
إن كل واحد منا مسؤول عن ماله سؤالين: من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟ فبماذا يجيب المسرفون والمترفون على الوجه المذموم عن إنفاقهم المال في غير وجهه، فليراجعوا حساباتهم ما دام الأمر ممكنًا قبل أن يحول بينهم وبين ذلك الإمكان ما يمنعهم منه، فليس وجود المال في اليد إذن بصرفه فيما لا يحل بل وهو ابتلاء وامتحان لتظهر الحقيقة والنتيجة يوم القيامة، ولنا درس وعبرة فيمن كان ثريًا يشار إليه بالبنان ثم بدأ بعد وقت ليس بالطويل يتلقف زكاة الناس وأوساخ أموالهم حيث كان سبيلهم الإسراف والترفه المذموم، نسأل الله تعالى لنا ولهم العافية.
النقطة العاشرة:
إياك ثم إياك والديون مقابل بعض الحاجيات غير اللازمة فبقاؤك بريء الذمة إلى أجل مسمى خير وأبقى من تقلبك على رفاهية لست بمضطر إليها، فاجعل أعمالك الصادرة حسب ميزانيتك الواردة ما أمكنك ذلك فهو خير لك، أما ما اضطررت إليه فلا جناح غير أن تقدير الضرورة والحاجة يحتاج إلى عقل بصير ورشيد، أما ما يشاهد في بعض وقائع الواقع المعاصر فهو قروض وديون على حاجيات هي أحيانًا من أدنى النوافل ناهيك عن أن تكون من الحاجيات أو الضروريات وكل هذا على اعتبار أنه سيسدد هذا القرض وتلك الديون ولكن هل يضمن سلوك الحال كما هي الآن، وماذا لو طافت عليه آفة بقدر الله فاجتمعت عليه الهموم والديون فتمنى حالته الأولى، فاحرص أخي الكريم على معرفة مواقع قدميك في تصرفاتك وأدرك حجمك المالي والنفسي في مشترياتك ومقتنياتك واعلم أن السلامة لا يعادلها شيء.
معاشر الآباء والامهات الكرام إنكم أنتم أمام أولادكم مدارس يتعلمون من خلالكم التصرف السليم والواقع المفترض فلا تخالف أقوالكم أفعالكم وكونوا رديفًا لأبنائكم في بداية نشأتهم حتى يتعلموا منكم أن الرفاهية لها حد محدود، فإذا زادت انقلبت وشاركوهم في الآراء في تصرفاتهم وكونوا مبادرين ولو لم يسألوا فقد يغيب عنهم السؤال، واعلموا أن ما يضايقهم يضايقكم، وأظهروا لهم ذلك لتكتمل الآراء ويستنير بعضنا بالآخر ولنعلم جميعًا أن الرفاهية لا تدوم، لأنها تضاد الطباع السليمة والفطرة الصحيحة فيأتي عليها ما يعكر المزاج فيها فتضاف في حياض الخسائر والضياع.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من أهله وخاصته وعباده المتقين ووالدينا والمسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
____________________________________________________
المصدر: اللجنة العلمية في مكتب الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في جنوب بريدة