اشتياق
من أعظم مواسم نفحات الرب جلَّ وعلا شهر رمضان، أسأل الله الحي القيوم الواحد الأحد أن يبلغني وإياكم رمضان.
في القلوب جوعة، وفي النفوس ظمأ، ومع كر الجديدين يزداد ذلك الظمأ وتلك الجوعة، فمتى تشبع القلوب وترتع؟ ومتى تعبُّ النفوس وترتوي؟
وكأنما أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم جوعة تلك النفوس فهتف بها مطمئنًا ومبشرًا: «إنَّ في أياِم الدهر نفحات فتعرضوا لها فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدًا»؛ رواه الطبراني وصححه الألباني.
وكأنما يحثنا صلى الله عليه وسلم على "دوام السؤال، والإقبال على طلب عطايا الكبير المتعال، وإن أخفى ساعات هباته كما أخفى رضاه في طاعاته.
أقيما على باب الكريم أقيما *** ولا تنيـا عـن بابه فتهيما
وللنفـحات الطيبـات تعرضا *** لعلكما تستنشقان نسيمـا"[1]
ما أجمل الهتاف: «إنَّ في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدًا»، تساءلت النفوس في رغبة ولهفة، ولكن متى تهبُّ هذه النفحات؟ وكيف يمكن التعرض لها؟
إن التعرض لنفحات الله فرصة العمر لنرتقي بعقولنا وقلوبنا وجوارحنا، لنسعد بالوصال و تَعُبُ النفس من معين الإيمان ولذة القرب ونعيم المناجاة، فتقر العين ويهنأ القلب بالقرب من ربه الذي من تقرب إليه نال السعد والهناء، بل أفاض الله عليه من النعيم والمسرات والخير والبركات ما لا يخطر له على بال، ألم يقل سبحانه: «وإن تقرب مني شبرًا تقربتُ إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا تقربتُ منه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة»؛ رواه مسلم.
"أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود"[2].
وإن من أعظم مواسم نفحات الرب جلَّ وعلا شهر رمضان، أسأل الله الحي القيوم الواحد الأحد أن يبلغني وإياكم رمضان.
أجزم أن في النفس اشتياق إلى بلوغ رمضان ولسان حال المسلم:
إليـك النــفس تـشـتـاق *** وفِـي لقيـاك تــريــاق
فهل نحظى بصحبتكم *** نــحلق فـيـك أفــــاق
فتصفو النفس من درن *** ويلقى الروحَ إشراقُ
فيـا شهر الصيام أجـب *** إليـك القلـب ينسـاق
إلـهـي جئـت مبـتـهـــلًا *** يسوق النفس إشفاق
فـيـا مـن جـوده نـهـــرٌ *** ونـهـر الـجـود رقراق
تفـيـض العفــو مـدرارًا *** ونـبــع الـعـفــو دفاق
أفض بالصفح عن ذنبي *** فحر الذنب إحــراق
وبـلـغـني لشهـر الصـوم *** إن القــلــب تــــواق
أكـون بـرفقة الصــــوام *** هناك أذوق ما ذاقوا
إخوتي الكرام كيف نستعد للقاء رمضان الذي اشتاقت إليه نفوسنا؟
ينبغي أن يستولي التفكر في بلوغ الشهر على عقولنا وقلوبنا ويزداد شوقنا ونلهج بالدعاء لله عز وجل أن يبلغنا شهر رمضان وأن نحسن الاستعداد للقياه بأمور منها:
1 - تعلم أحكام الصيام والتعرف على أحوال الصائمين بقراءة كتب أحكام الصيام وسماع بعض الدروس والمحاضرات، فمن المحزن جدًّا في هذا الزمن الذي تعددت فيه سبل التعلم أن يجهل الناس أحكام دينهم فيعبدون الله على جهل فيفوت عليهم الخير الكثير.
2 - الاطلاع على أحول النبي صلى الله عليه سلم وصحابته الكرام والسلف الصالح في رمضان ومن أنفع الكتب في ذلك كتاب بعنوان: "هكذا صام النبي صلى الله عليه وسلم"، للبعداني.
3 - العناية بالوقت في شهر رمضان فالفوز والغنم إنما يكون باستغلال الوقت والحذر من أضاعته والتفريط فيه، ينبغي إعداد خطة زمنية بذلك والحرص على الالتزام بها.
4 - تهيئة الأسرة وتشويقها لاستقبال شهر رمضان وتحفيزها على اغتنام هذا الشهر المبارك، وإذكاء روح المنافسة بين الأسرة في المسابقة للخيرات، حفز أفرادها على أن يعد له خطة زمنية لاستغلال شهر رمضان.
طارت بي الأشواق نحو رحابكم *** والقلـب يـهـتـف هـل أحـــل بداركم
يـا غائـبًا والـكون يـهتف بـالهنــا *** كــل الـدنــا تــزدان عـنـــد لـقـائــكم
في كل عام بـالهبـات تـحـفـنــــا *** فيض من النفحات بعـض عطائــكم
يــا رب بـلـغـنــا الـمنــى بـلقـائه *** وأفـض عليـنـا مـن سحائب جودكم
[1] التنوير شرح الجامع الصغير (4 / 77).
[2] شرح النووي على مسلم (17/ 3).
_________________________________________________________
المؤلف: أ. شائع محمد الغبيشي
- التصنيف:
- المصدر: