تعليق القلوب بالمساجد يخفف الضغط والتوتر
وأحد محبي البقاء في المساجد وصف بأنه: عامود من أعمدة المسجد, فإذا فقده أهله فلا يبحثون عنه إلا في المسجد فيجدونه هانئ النفس, قرير العين.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فعصرنا الذي نعيش فيه, سماه بعض الفضلاء: عصر موحش على كثرة مؤنسيه, مقلق على كثرة مهرجيه, مليء بأسباب التوتر, وهذا القلق والتوتر أصاب الجميع: الشيب والشباب, الرجال والنساء, الأغنياء والفقراء, والدراسات الميدانية تؤكد كثرة المصابين بالقلق والتوتر, وازدياد أعدادهم عاماً بعد عام, لا يسلم من ذلك فئة عمرية دون أخرى, بل إن الأطفال والمراهقين لهم نصيب من ذلك.
ويتزاحم الناس على أبواب المستشفيات بحثاً عن علاج لخفض التوتر, وارتفاع الضغط, وزيادة القلق, فتُصرف لهم أدوية كيميائية ينتفع بها البعض, ولا ينتفع منها الأكثر, ويبقي التوتر والقلق, بل وقد يزيد إذا لجأ من يشعر به إلى أمور يظنها دواء وهي الداء الخفي, من سماع مطرب محرم, أو رؤية منظر محرم, أو شرب مسكر محرم, ونحو ذلك.
ويسأل البعض أين الطريق وما هو السبيل للصدر المنشرح, والنفس الرضية, والقلب المطمئن, والبال الرخي ؟
والجواب: أن لذلك طرقاً عديدة من أهمها: تعلق القلوب ببيوت الله, أحبّ البقاع إلى الله عزز وجل, فعن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أحبّ البلاد إلى الله: مساجدها } [أخرجه مسلم] فالمساجد أحب البقاع إلى الله لأنها مكان لطاعته وعبادته وذكره.
والمقصود بتعليق القلب بالمساجد أن يكون همّ المصلى إذا خرج من المسجد متى يعود إليه, قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الذي قلبه مُعلق في المساجد تجده إذا خرج من صلاة ينتظر بقلبه الصلاة الأخرى, ويقول: متى تأتي ؟ مثله من لا يحضر المساجد, لكن قلبه مُعلق بالصلاة.
وتعليق القلب بالمساجد لا يختص بالرجال فقط, بل يشمل المرأة المعلق قلبها بالصلاة, فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( سبعة يُظلهم الله تعالى في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظله: إمام عادل, وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه مُعلق بالمساجد, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تُنفق يمينه, ورجل ذكر الله حالياً ففاضت عيناه.) [متفق عليه] قال العلامة ابن باز رحمه الله: الحديث عام للرجال والنساء...لكن المرأة في بيتها أفضل, فإذا علق قلبها بالصلاة, فهي مثل الشاب المعلق قلبه بالمساجد, كلما جاء الوقت قامت على الصلاة, وكلما ذهب الوقت تراقبه, فهي من جنس الشاب الذي قلبه معلق بالمساجد إذا تعلق قلبها بالصلاة.
ومن تعلق بالمساجد فهو في راحه يقول الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله: ( قلبه معلق بالمساجد ) وذلك لما يجده من أنس وإيناس بذكر الله وطمأنينة قلب, وارتياح وحيوية.( معلق ) من التعليق, كتعليق القنديل في المسجد, وكأن قلبه كجزء من أجزاء المسجد متعلق فيه, فهو حين يخرج من المسجد كأنه يخرج من المسجد كأنه يخرج ببدنه, أما قلبه فيبقى في المسجد معلقاً به, حتى يعود إليه كتعليق السرج أو المصاحف أو نحو ذلك,....فارتياحه وطمأنينته فحيث المكان الذي فيه قلبه معلق.
* ومن تعلق قلبه بالمساجد أكثر من البقاء فيها, ذكر مؤلف كتاب " شذا الياسمين من أخبار المعاصرين في قراءة القرآن الكريم وقيام الليل " أخبار عن معاصرين تعلقت قلوبهم بالمساجد, فلا يخرجون بعد صلاة الفجر من المسجد, إلا بعد أن تشرق الشمس, وترتفع قيد رمح ( حوالي ربع ساعة بعد شروق الشمس) ويصلوا ركعتين, ومنهم من يبقي بعد صلاة الظهر وصلاة العصر أكثر من ساعة, ومنهم من لا يخرج من المسجد بعد صلاة المغرب حتى يصلي صلاة العشاء, وقد ذكر أمثلة لذلك, فالشيخ فهد بن حمين الفهد ( ت 1428هـ) رحمه الله, كان يذهب إلى المسجد كل يوم ويجلس في المسجد من بعد صلاة العصر حتى يصلي العشاء, ومكث على هذا الحال لأكثر من عشرين سنة, والشيخ محمد بن جار الله البهلال ( ت 1432هـ) رحمه الله, اشتد لزومه ومكثه في المسجد في آخر سنين عمره بصورة ملفتة للنظر, حيث كان يذهب للمسجد قبل صلاة الظهر ولا يهود لبيته إلا بعد أداء صلاة العشاء.
قلتُ: ومن كانت راحته في بيوت الله, فلا يستغرب منه ذلك.
* ومن تعلق قلبه بالمساجد, صار ممن يدامون على صلاتهم فحُفظ من الهلع الذي يُصيب بعض الناس ويكون بوابة للقلق والتوتر قال الله عز وجل: {إن الإنسان خلق هلوعاً * إذا مسه الشر جزوعاً * وإذا مسه الخير منوعاً * إلا المصلين * الذين هم على صلاتهم دائمون }[المعارج:19-23]
* ومن تعلق قلبه بالمساجد أحسَّ بالسكينة, يقول الطبيب النفسي الدكتور محمد عبدالفتاح المهدي: المسجد...يضع المريض في جو من السكينة والاطمئنان لا يتوافر في أي مكان آخر. قلت: ومن سكنت نفسه خفَّ قلقه وتوتره.
فأحد محبي البقاء في المساجد رحمه الله كان كثير من زواره يأتون إليه في المسجد, ثم يخرج معهم إلى البيت, وقد سأله واحد منهم يوما: يا أبا إبراهيم ما تملّ من طول الجلوس في المسجد ؟ فقال رحمه الله: قمة راحتي وأنسي إذا دخلت المسجد.
وأحد محبي البقاء في المساجد وصف بأنه: عامود من أعمدة المسجد, فإذا فقده أهله فلا يبحثون عنه إلا في المسجد فيجدونه هانئ النفس, قرير العين.
ومن تعلق قلبه بالمساجد صارت الصلاة راحة له, كما قال الرسول صلى الله عليه الصلاة والسلام: (يا بلال, أقم الصلاة أرحنا بها) [أخرجه أبو داود] فالصلاة الكاملة راحة للقلب من تعب الدنيا ونكدها, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الصلاة,...مطردة للأدواء, مقوية للقلب,...شارحة للصدر, مغذية للروح, منورة للقلب,...لها تأثير عجيب في حفظ صحة البدن والقلب, وقواهما.
ومن تعلق قلبه بالمساجد أنِس بذكر الله وقراءة القرآن فوجد طمأنينة القلب قال الله عز وجل : {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد:28]ومن وجد ذلك فلا غرو أن يذهب توتره وقلقه أو يخف على أقل تقدير
ومن تعلق قلبه بالمساجد أطال البقاء والمكث فيها, فابتعد عن أسباب القلق والتوتر, قولاً, وفعلاً, وفكراً, ومن ابتعد عن أسباب الشيء حُفظ من آثاره.
اللهم تكرم علينا, واجعلنا ممن تعلق قلبه بالمساجد, فوجد الراحة والطمأنينة فيها, فذهب القلق عنه, وزال التوتر عنه.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
تنبيه: ونحن نعيش في عام ( 1442 هــــ), وبعد مضي أكثر من عام على انتشار وباء كورونا الذي أثر على الناس في كثير من المجالات, فقد أشارت بعض التقارير إلى زيادة التوتر والقلق عند أعداد ليست بقليلة من الناس, ولذا صار المتخصصون يقدمون للناس عبر وسائل الإعلام والاتصال نصائح وإرشادات, لتخفيف التوتر الذي يعانيه البعض من وباء كورونا, وأفضل دواء يقدم لهؤلاء علاجاً ووقايةً: تعليق قلوبهم بالمساجد.
- التصنيف: