صافي بن صياد (4)
والذي نقطع به، ونعتقده أن الدجال محبوس الآن حي موجود في مكانه، وأنه سيخرج لا محالة، فلنستعد له الآن بالإيمان والعلم
{بسم الله الرحمن الرحيم }
2/ الفريق الآخر قطع بأن ابن صياد ليس هو الدجال، وأن ابن صياد دجال من الدجاجلة، ولكنه ليس هو الدجال الأكبر، ومن هؤلاء: البيهقي رحمه الله وابن كثير في (النهاية)، والبرزنجي في (الإشاعة)، والسفاريني في (لوامع الأنوار)، وابن تيمية في (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)، ومال ابن حجر إلى ذلك في فتح الباري وعمدة هؤلاء هو خبر تميم الداري، والذي فيه أن تميماً شاهد الدجال موثوقاً في جزيرة في البحر.
قال البيهقي: "ليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم على حلف عمر، فيحتمل أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- كان متوقفاً في أمره، ثم جاءه الثبت من الله تعالى بأنه غيره على ما تقتضيه قصة تميم الداري، وبه تمسك من جزم بأن الدجال غير ابن صياد، وطريقه أصح، ثم قال بعد خبر تميم: فيه أن الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير ابن صياد".
وقال البرزنجي: "الأصح أن الدجال غير ابن صياد، وإن شاركه ابن صياد في كونه أعور، ومن اليهود، وأنه ساكن في يهودية أصبهان إلى غير ذلك، وذلك لأن أحاديث ابن صياد كلها محتملة، وحديث الجساسة نص فيقدم، ومما يرجح أنه غيره أن قصة تميم الداري متأخرة عن قصة ابن صياد، فهو كالناسخ له؛ ولأنه حين أخبره -صلى الله عليه وسلم- بأنه في بحر الشام، أو بحر اليمن، لا، بل من قبل المشرق كان ابن الصياد بالمدينة، فلو كان هو لقال: بل هو بالمدينة".
وقال ابن كثير رحمه الله: "والمقصود أن ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعاً، وذلك لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية، فإنه فيصل في هذا المقام".
ولقد حاول ابن حجر رحمه الله الجمع بين خبر تميم الداري، وبين كون ابن صياد هو الدجال فقال: "إن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقاً، وأن ابن صياد شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى أصبهان، فاستتر مع قرينه إلى أن تجيء المدة التي قدر الله خروجه فيها"
ولكن يشكل على قول ابن حجر هذا من كون ابن صياد الذي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعهد صحابته شيطاناً، ما فعله من الزواج، وإنجاب ولد من سادات التابعين، والمتأمل في الأخبار يجد شك رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابن صياد، وتردده في أمره، ثم فرحه بعد ذلك لما جاء تميم وحدثه بالقصة من لقائه الدجال، وما دار من أحداث، وتصديقه لقول تميم، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت حدثتكم عنه، وعن المدينة ومكة. وصعوده -صلى الله عليه وسلم- المنبر على غير عادته؛ ليحدث بحديث تميم هذا، إذ لم يكن يصعد المنبر إلا للجمعة، وتحديثه بخبر تميم مرتين: مرة بعد العشاء، ومن الغد بعد الظهر.
كل هذه دلائل صريحة تشير وتؤكد أن الدجال الأكبر هو الذي رآه تميم مربوطاً موثوقاً، فيقدم التصريح على التردد، والشك الحاصل منه صلى الله عليه وسلم في ابن صياد.
وأخيراً وإن كنا نقول بخبر تميم في الدجال، إلا أننا نكل علم خبر ابن صياد إلى الله تعالى، خاصة ما ذكر من أنه فقد يوم الحرة، ومن أن أناساً شاهدوه بأصبهان، فنكل علم ذلك إلى الله تعالى، خاصة أنه من العلم الذي لا يضر الجهل به فهو لا ينبني عليه عمل، إذ قد تردد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمر ابن صياد، ولم يوح إليه في أمره بشيء - كما تقدم- ولو كان يعلم بذلك مما كلفنا به لبينه الصادق الأمين لنا؛ إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وسواء كان الدجال هو ابن صياد أو غيره فعلينا ألا نشغل العامة بهذه المسألة فقد مضى أمرها، والذي نقطع به، ونعتقده أن الدجال محبوس الآن حي موجود في مكانه، وأنه سيخرج لا محالة، فلنستعد له الآن بالإيمان والعلم، والمداومة على الاستعاذة بالله من شره، وحفظ عشر آيات من سورة الكهف، ونشر أوصافه وأخباره بين الناس، فهذا ما نحتاجه، والله أعلم.
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: