من أسباب نجاح القائد الإداري والتربوي 1
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
فلا يوجد قائد مهما كانت قدراته يعمل وحده, بل لا بد له من بطانة تعينه, ويستشيرها, فإن اختارها من الناصحين الصادقين أعانوه إذا ذكر, وذكروه إن نسي, و دلوه على كل خير, وحذروه من كل شر.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد:
فأهم صفتين لأي قائد: القوة, والأمانة, قال الله عز وجل: { قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} [القصص:26] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: هذان الوصفان هما ركنان في كل عمل, فكل عمل لا بُدّ له من هذين الأمرين, لا يكون إلا بهما, وهما القوة والأمانة....والقوة في العمل بحسبه, فالقوة على الأعمال البدنية معناها قوة البدن, والقوة في الأمور الفكرية قوة الفكر في هذا الشيء, والقوة في الأمور الحربية الحرب نفسها, فكلُّ شيءٍ قوتُهُ بحسبه, وباختلال أحد الوصفين يختل العمل.
والناس مع القيادة أربعة أقسام:
الأول: الضعيف في قيادته وأمانته.
الثاني: القوي في أمانته لكنه ضعيف في قيادته.
الثالث: القوي في قيادته لكنه ضعيف في أمانته.
فهؤلاء الواجب عليهم تجنب القيادة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يا أبا ذر, إنك ضعيف, وإنها أمانة, وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها, وأدى الذي عليه فيها» [أخرجه مسلم] قال الإمام النووي رحمه الله: هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات, لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية, وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلا ً لها, أو كان أهلاً ولم يعدل فيها, فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط.
الرابع: أن يكون أهلاً للقيادة: قوةً وأمانة, فهذا له ثلاثة أحوال:
الأولى: أن يسأل القيادة ويتعرض لطلبها, فهذا على خطر عظيم, فعن عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه, قال: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا عبدالرحمن بن سمرة, لا تسأل الإمارة, فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها )» [متفق عليه] ومتى وكل الإنسان إلى نفسه لم يسدد في أموره, قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما حرص رجل كل الحرص على الإمارة فعدل فيها.[أخرجه ابن أبي شيبة]
الحال الثانية: أن لا يسأل القيادة, بل يُكلف بها فهذا يُعان من الله عز وجل عليها, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه في الحديث السابق: «فإنك إن أوتيتها...من غير مسألةٍ, أُعنت عليها»
الحال الثالثة: أن يرى غيره ممن هو فاقد للقوة والأمانة, أو ممن مما دونه في الأمانة والقوة فسوف يكلف بها, فهنا يطلبها لنفع العباد البلاد, لا لنفع نفسه ومصلحته, قال الله عز وجل: { قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} [يوسف:55] قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: قال يوسف طلباً للمصلحة العامة: ( اجعلني على خزائن الأرض)...وليس ذلك حرصاً من يوسف على الولاية, وإنما هو رغبة في النفع العام, وقد عرف من نفسه الكفاية, والأمانة.
ومن وتولى القيادة في أي مجال: إداري تربوي فليحرص على عددٍ من الأمور, منها:
الاستشارة:
من صفات المستجيبين لربهم أن أمرهم شورى بينهم, قال الله عز وجل: {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم} [الشورى:38]
ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم قائد, أمره الله عز وجل بمشاورة أصحابه, قال سبحانه وتعالى: {وشاورهم في الأمر} [آل عمران:159]
وقد شاور رسول الله علية الصلاة والسلام أصحابه في عددٍ من الوقائع, فعن المسور بن مخرمة, ومروان ابن الحكم رضي الله عنهما, قالا: خرج النبي صلى الله عليه وسلم, فلما أتى ذا الحليفة,...بعث عيناً له....حتى كان بغدير الأشطاط, أتاه عينه, فقال: إن قريشاً جمعوا لك جموعاً,...وهم مقاتلوك, وصادوك عن البيت, ومانعوك, فقال: « أشيروا أيها الناسُ» [أخرجه البخاري]
وقد استشار صحابه رسول الله عليه الصلاة والسلام, فعن حارثة بن مضرب « أنه حجَّ مع عمر بن الخطاب فأتاه أشراف أهل الشام فقالوا : يا أمير المؤمنين إنا أصبنا رقيقاً ودواب فخُذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها وتكون لنا زكاة فقال : هذا شيء لم يفعله اللذان كانا من قبلي ولكن انتظروا حتى أسال المسلمين» [أخرجه أحمد]
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ,قال: « لما كان يوم بدر...وأسروا الأُسارى قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر (ما ترون في هؤلاء الأُسارى ؟)» [أخرجه مسلم]
وملكة بلقيس المرأة العاقلة, طلبت الشورى من عقلاء قومها, قال الله: { قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون} [النمل:32]
أن تكون بطانته من العقلاء الناصحين الصادقين:
عن عائشة رضي الله عنها, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بالأمير خيراً, جعل له وزير صدق, إن نسي ذكره ,وإن ذكر أعانه, وإذا أراد به غير ذلك, جعل له وزير سُوءٍ, إن نسي لم يذكره, وإن ذكر لم يُعنهُ» [أخرجه أبو داود]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه, أن سول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ما بعث الله من نبي, ولا استخلف من خليفة, إلا كانت له بطانتان, بطانة تأمُرُه بالمعروف وتحُضه عليه, وبطانة تأمُرُه بالشر وتحضه عليه, والمعصوم من عصم الله » [أخرجه البخاري]
فلا يوجد قائد مهما كانت قدراته يعمل وحده, بل لا بد له من بطانة تعينه, ويستشيرها, فإن اختارها من الناصحين الصادقين أعانوه إذا ذكر, وذكروه إن نسي, و دلوه على كل خير, وحذروه من كل شر.