الدعاء أخر حلقة في سلسلة الأسباب
محمد سلامة الغنيمي
ومن الجدير بالذكر أن أسباب النهوض المطلوبة هي التي في حدود الممكن والمتاح، فإن الله لا يكلف عباده شططا ولا يرهقهم عسرا.
- التصنيفات: قضايا إسلامية -
أجلت النظر في مشهد القدس وأنا أسمع أصوات القائمين وأنين الداعين في القنوت من نافذتي، وما تزال جراح الأمة تتوالى ومصائبها تتابع ولا زال الأقصى أسير، والمسلمون جاثمون، واليهود يرتعون في مرابعنا، ولا زلنا نتضرع إلى الله بالدعاء للخروج من المحنة والنهوض من الكبوة، متحرين في ذلك الوقت والمكان والحال، ومجتهدين في المقال، ذاكرين المآل، رجاء الإجابة ولا أثر لها؛ لأننا قد تجاهلنا أن لله في عباده سنن كونية لا تحابي أحد مهما كانت درجته، ولا تخاصم أحد مهما كانت ذلته، تتجلى في: "وأعدوا.."، "فامشوا.."، "لتحصنكم.."، "زاده بسطة في العلم والجسم"، "هو أفصح مني لسانا...ردءا يصدقني.."، ...إلخ. امتثل لها خير الناس وأحبهم إلى الله، فلبس الدروع ونصب الخطط، وخبر العدو، واستشار الخبراء.
وفي غزوة أحد احتال للنصر وتأهب للحرب ثم اجتهد في الدعاء فظفر بأعدائه، وما أن مال الرماة عن مواقعهم حتي انقلبت الموازين وتغيرت النتائج؛ لأن أسباب النصر تغيرت عنهم إلى عدوهم، ويوم حنين حدث العكس من ذلك.
وإن كان الدعاء من الأسباب المعنوية التي توصل للأسباب المادية، إلا أننا نطلب بالدعاء تحقيق المعجزات ولسنا بأنبياء، وهذا من سوء الفهم لحقيقة الدعاء، إذ الدعاء هو الحلقة الأخيرة في سلسلة حلقات أسباب النهوض، المتصلة الأجزاء، والمحكمة الترتيب.
وأول هذه الأسباب: هو المراجعة الفكرية التي توجه العمل، مع تصحيح المعرفة التي تصوب الفعل، فإن العلم المنقوص ينتهي إلى عمل فاسد.
ولا شك في امتلاك أمتنا خمائر جاهزة للنهوض من الاستعدادات النفسية والأفكار المرعية مرورا بالإمكانات المادية، ولا ينقصها إلا استعداء هذا العوامل من الذكرة إلى الواقع، ثم تنظيمها وتقويمها والربط بين أجزائها لتصبح في حيز الفعل بدلا من حيز القول.
ومن الجدير بالذكر أن أسباب النهوض المطلوبة هي التي في حدود الممكن والمتاح، فإن الله لا يكلف عباده شططا ولا يرهقهم عسرا.
لا شك أن التربية هي داء الأمة ودوائها منها المبتدى وإليها المنتهى، يجب أن تتكاتف الجهود حيالها ولا تستصغر الجهود فإنها في النهاية تؤدي الحشد للجهود الذي تثمر في النهاية ما تطمح إليها أمتنا، إذ الجهود مع تعددها وتنوعها وتكاملها تصير مشروعا نهضويا، يصبح به الحلم حقيقة وتزاحم أمتنا الأمم في العمران البشري.