وقفات مع العيد
كم هو جميل أن نقف قُبيل العيد وقفةً مع أنفسنا، نتأمَّل فيها مكاسبنا ومخرجاتنا من شهرنا، ما الذي عزمنا على استمرار فعله بعد رمضان من الصالحات التي كان رمضان انطلاقتها
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومَنْ والاه، وبعد:
فنحمد الله تبارك وتعالى، ونثني عليه الخير كله؛ على أنْ بلَّغَنا هذا الشهر المبارك، وأعاننا على الصيام والقيام، ونسأله تبارك وتعالى القبول وحُسْن التمام والختام، ما أحوجنا في نهاية شهرنا أن نُكثِر من الحمد والشكر والمزيد من العطاء والتعبُّد! فإن الختام عليه مدار العمل، ونظرًا لقُرب عيد الفطر المبارك، فإننا سنقف بعض الوقفات، لعلَّ الله أن ينفع بها كاتبَها وقارئَها، وسأطرح عليك أخي الكريم خمس عشرة وقفة، فأرعني سَمْعَكَ، جعلك الله مُوفَّقًا مباركًا أينما كنت.
الوقفة الأولى: كم هو جميل أن نقف قُبيل العيد وقفةً مع أنفسنا، نتأمَّل فيها مكاسبنا ومخرجاتنا من شهرنا، ما الذي عزمنا على استمرار فعله بعد رمضان من الصالحات التي كان رمضان انطلاقتها؛ كالصيام للنفل، والقيام لليل، والصَّدَقات والدعوات، ونحوها، فجميلٌ أن يكون لنا بعد رمضان برامج إيمانية هي مستفادة من الشهر المبارك، فلا يكن عهدنا بالصيام هو آخر يوم، وعهدنا بالقيام هو آخر ليلة، فارسم لك برنامجًا تستمرُّ عليه، ولو كان يسيرًا، فإنك على خير عظيم.
الوقفة الثانية: يوم العيد يومُ فَرَحٍ واستبشار وابتهاج، فإظهاره هو من شعائر الإسلام، ومن الأعمال الصالحة، ولك بذلك أجر عظيم من خلال لفظاتك الطيبة، وابتساماتك الجميلة، وإدخال السرور على غيرك، فإظهار ذلك عبادةٌ تتقرَّب بها إلى ربِّك، فاحتسب بذلك، ولا تجعله عادة؛ بل هو من أعظم العبادات.
الوقفة الثالثة: إن زكاة الفطر هي إحدى شعائر الإسلام الظاهرة، وفيها من التكافُل بين طبقات المجتمع ما تَقَرُّ به العين، وتسلو به النفس، فهي طُهرة للصائم من اللَّغْو والرَّفَث، وطُعْمة للمساكين، فأخرجها لأهلها، وشكرًا لبعض الأولياء الذين جاؤوا بهذه الصَّدَقة إلى بيوتهم، ثم اجتمعت الأسرة فسمِعَتْ درسًا عمليًّا عن زكاة الفطر حُكْمًا وحِكْمة، ثم بدأ أفراد الأسرة، كل يكيل زكاته بنفسه، ثم بعد ذلك تُدفع إلى الفقراء، فإن هذه الأسرة بذلك العمل عرفت صدقة الفطر عمليًّا، بخلاف بعض أحبابنا من الأولياء الذين اشتروها، ثم دفعوها مباشرةً إلى الفقراء، فبقي أفراد الأسرة لا يعلمون عن الصَّدَقة شيئًا إلا ما شاء الله، ففرقٌ كبيرٌ وبَون شاسعٌ بين الفريقين، فإخراجها فرصةٌ جوهريةٌ لتعليم أولادنا أحكامَ شرعنا.
الوقفة الرابعة: علينا الاهتمام بحضور صلاة العيد واستماع الخطبة، فإن الفضائل في ذلك عظيمة جدًّا، من دعواتٍ مرفوعة، وعباداتٍ مشروعة، واجتماعٍ عظيم وكبير لهؤلاء الصائمين القائمين، ويدعو بعضهم لبعض، فهو اجتماعٌ على الطاعة وبعد طاعة، فاحرص على الحضور والاستماع؛ حيث إن الخطيب يستهدفك فيما يقول، ولربما سمعت كلمةً في الخطبة تعيش عليها دهْرَكَ، فلا تنصرف حتى تنتهي الخطبة.
الوقفة الخامسة: عليك بالإكثار من الدعاء أن يتقبَّل الله منك عملك، فإنك قدَّمْتَ بين يدي الله تعالى أعمالًا كثيرة ترجو برَّها وذُخْرَها، فالهج في سجداتك وساعات الإجابة لديك أن يكون عملك متقبلًا، وادع لغيرك من المسلمين، فإن الملك يقول آمين ولك بمثل.
الوقفة السادسة: علينا بالإكثار من التكبير والتحميد وسائر الذكر من حين رؤية الهلال إلى صلاة العيد، مكبرين ومهللين وحامدين، "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد"، كرَّرها في بيتك ومسجدك وسوقك وسيارتك وحال قيامك وجلوسك، واجعلها شعارك في ذلك الوقت، علِّمها صغارك لينشؤوا عليها، فإن الله تعالى يقول: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]، فالعوارض والموانع والقواطع عن إتمام الصيام والقيام كثيرةٌ؛ لكن الله سلَّمَك منها، فأكملت العدة، فأكثر من ذكر الله تبارك وتعالى شكرًا له على ذلك، فلا تغفل يا رعاك الله.
الوقفة السابعة: يُشرع في يوم العيد أن يلبس أحسن ثيابه، وأن يظهر المسلم بمظهر الجمال، وإن هذا المظهر هو من الأعمال الصالحة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، يلبس أحسن ما عنده؛ إذ إن العيد من الشعائر الظاهرة لأهل الإسلام، فلنظهر أيها الإخوة الكرام في هذه الشعيرة بمظهرها اللائق بها من الاغتسال والتطيب وحُسْن المظهر والمخبر.
الوقفة الثامنة: يُشرع للمسلم عند خروجه لصلاة العيد، أن يأكل تمرات أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول أنس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات"، وفي رواية: "يأكلهن وترًا"، فأكل تلك التمرات سُنَّة، وكونها وِتْرًا سُنَّة أخرى، فاحرص على تطبيق تلك السُّنَن وأمثالها، التي قد يغفل عنها البعض من الناس.
الوقفة التاسعة: لنحرص على التهنئة بالعيد ودعاء بعضنا لبعض بالقبول؛ كقولك: "تقبَّل الله منا ومنك" ونحوها، فهي دعواتٌ مباركة يُرجى قبولها.
الوقفة العاشرة: لا تَنْسَ الفقراء والمساكين في هذا اليوم المبارك، فلهم شأنهم أن يفرحوا كما يفرح غيرهم، فلنتصدَّق بشيء من أموالنا عليهم، فبعضهم قد لا يجد كسوة العيد ونحو ذلك، فإعانتهم هو عمل صالح، فابحث عنهم تجدهم، أو اتَّصل ببعض الجمعيات، فعندهم الخبر اليقين.
الوقفة الحادية عشرة: لنبتعد في يوم عيدنا عن الخلافات وأيضًا لنتغافل عن الزلَّات، فهو يوم فرح ووفاق وانشراح، وإن ذلك الخلاف وعدم التغافُل إنما يُعكِّر ذلك الانشراح.
الوقفة الثانية عشرة: لنجعل يوم عيدنا يوم صلح لكل خلاف بيننا، فهو فرصة عظيمة بعد شهر صُفِّدت فيه الشياطين، وسكنت فيه الجوارح، وحسُنت به الأنفس واطمأنَّتْ وسكنت، فالفرصة فيه أعظم من غيره لا سيَّما أنه يوم وفاق واستبشار، فلماذا لا يلتفت إليه المصلحون، فهذا مجالهم ولا نستبعد شيئًا، وإنْ تعاظمَ فإن كل شيء بيد الله تبارك وتعالى، ولربما أن كلًّا من المتخاصمين يرغب في الصُّلْح والإصلاح؛ لكن قد يتأخَّر ذلك المصلح، فرسالتي للمصلحين أن يلتفتوا إلى ذلك بجدٍّ وعزيمة، وربما صلُحت عوائل بسببك، فإن الصلح بيد الله تعالى وما عليك إلا السبب، فلا تحرم نفسك أخي المصلح الكريم، ورسالتي إلى المتخاصمين، إلى متى هذا التقاطُع؟ هل تريدون أن يكون التحاكم بين يدي الله تعالى يوم القيامة؟ لقد سكنت نفوسُكم بعد شهركم، واطمأنَّتْ، وكنتم اليوم في يوم عيد، فكن مبادرًا في عيدك السعيد، فاجعله سعيدًا باتصالك أو ذهابك إلى خصمك ومصالحتكما جميعًا، فالمبادرةَ المبادرةَ قبل فوات الأوان.
الوقفة الثالثة عشرة: يُشرع بعد العيد صيام ستٍّ من شوال، فهي مع صيام رمضان كصيام السنة كلها؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان، ثم أتبعه سِتًّا من شوال، كان كصيام الدهر)» (رواه مسلم).
فاحرص أخي المبارك على ذلك وحثَّ أهل بيتك صغارًا وكبارًا عليه؛ فهو خيرٌ عظيمٌ.
الوقفة الرابعة عشرة: من المستحسن أن يذهب إلى العيد مبكرًا، وليذهب من طريق، وليرجع من طريق آخر، لتشهد له البقاع كلها في خطواته ومشيه.
الوقفة الخامسة عشرة: ملاحظات ومخالفات يقع فيها البعض يوم العيد، ولعلَّها أن تختفي؛ إذ أن الخير كله بموافقة الشرع والفطرة، وإن الشر كله بمخالفتهما، ومن الملاحظات ما يلي:
الملاحظة الأولى: التكبير الجماعي بصوت واحد فيُكبر، ثم يُكبِّرون خلفه، فإن المشروع الذكر والتكبير والتهليل والتحميد؛ لكنه ليس بالصورة الجماعية؛ إذ إنه لم يرد عن السلف ذلك، والخير كله باتِّباعهم.
الملاحظة الثانية: تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر، فيقول قائلهم: نعايد موتانا، وهذا لا أصل له؛ بل الدعاء لهم في كل وقت، ولم يرد حديث في زيارة المقابر يوم العيد.
الملاحظة الثالثة: خروج بعض النساء والفتيات في يوم العيد إلى صلاة العيد بزينة ملفتة أو عطر، وهذا لا يجوز.
الملاحظة الرابعة: اجتماع بعض الناس يوم العيد على لهو مُحرَّم وعبث وإيذاء للمسلمين وليس هذا من الشعائر.
الملاحظة الخامسة: اعتقاد بعض الحريصين على إحياء ليلة العيد بالعبادة، ويتناقلون أحاديث مكذوبة في هذا المجال.
الملاحظة السادسة: تساهل بعض النساء في الحشمة والستر.
الملاحظة السابعة: الإسراف في موائد العيد، وخروجها عند البعض عن المعقول.
الملاحظة الثامنة: عدم الاستفادة من باقي موائد العيد، بحيث تُهان عند البعض بوضعها في مكان غير مناسب، والواجب على الجميع إعدادها وتوصيلها إلى الفقراء والمساكين، فهم ينتظرونها.
الملاحظة التاسعة: بعض الناس يتهاون في صلاة العيد ويحرم نفسه الأجر والثواب ودعاء المسلمين.
الملاحظة العاشرة: العبث من الأطفال والمراهقين بالألعاب النارية التي تؤذي الناس، وكم جرَّتْ هذه الألعاب من مصائب وحوادث! وذلك بحجَّة الترويح، فكم تضرَّر بها من أناس، وذهب خلالها من الأموال، فهي تجاوزت حدود المعقول عند البعض! فعلى الأولياء الرعاية لهؤلاء وعدم إغداق الأموال عليهم في هذا المجال، والإشراف على لهوهم ومرحهم؛ حتى لا يحصل ما لا تحمد عُقباه.
أصلح الله لنا نيَّاتنا وذريَّاتنا، وتقبَّل منا صالح أعمالنا، وزادنا من فضله وعطائه، وجعلنا من الصائمين القائمين المقبولين، وأعاد علينا رمضان أعوامًا عديدة ونحن في حياة سعيدة، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
__________________________________________
اللجنة العلمية في مكتب الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في جنوب بريدة
- التصنيف:
- المصدر: