عيد الفطر وصايا ومحاذير

منذ 2021-05-14

أيها الإخوة المؤمنون لقد منَّ الله سبحانه وتعالى علينا بنعم كثيرة لا تعدُّ، ولا تحصى، ومن هذه النعم أن وفَّقَنا لصيام رمضان، وقيامه.

حَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عنْ موضوعٍ بعنوانِ: «عيد الفطر وصايا ومحاذير».

 

هنيئا لكم يا من صمتم رمضان إيمانا، واحتسابا.

 

روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«قَالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ [1]، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»[2].

 

وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عز وجل: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي»[3].

 

هنيئا لكم يا من قمتم رمضان إيمانا واحتسابا.

 

روى الإمام أحمد بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ رضي الله عنه، قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ» »[4].

 

هنيئا لكم يا من أكثرتم من قراءة القرآن، والصدقات، وأعمال البر في رمضان.

 

روى الترمذي بسند صحيح عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ: ﴿الم﴾ حرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ»[5].

 

أيها الإخوة المؤمنون لقد منَّ الله سبحانه وتعالى علينا بنعم كثيرة لا تعدُّ، ولا تحصى، ومن هذه النعم أن وفَّقَنا لصيام رمضان، وقيامه.

 

ومتَّعنا بتلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار.

وها نحن اليوم نحتفل فرحين بفضل الله سبحانه وتعالى، وبرحمته.

 

روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» [6].

 

أوصيكم أيها الإخوة المؤمنون بالتوحيد، وأحذِّركم من الشرك.

 

قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}  [النساء: 36].

 

وقال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48].

 

وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].

 

أوصيكم أيها الإخوة المؤمنون بالمحافظة على الصلوات الخمس في جماعة.

 

ولعظم مكانة الصلاة ومنزلتها في الإسلام كانت آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سكرات الموت.

 

روى ابن ماجه بسند صحيح عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَضَرَهُ المَوْتُ:«الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ». حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُغَرْغِرُ بِهَا صَدْرُهُ، وَمَا يَكَادُ يُفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ[7].

 

والصلاة ركن من أركان الإسلام، وفرائضه العظيمة، وأحذِّركم من التهاون فيها.

 

روى البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» [8].

 

وقد آمرنا الله سبحانه وتعالى بإقام الصلاة، ونهانا عن التقصير فيها.

قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم: 31].

وقال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5]

 

أوصيكم أيها الإخوة المؤمنون بأداء زكاة أموالكم، وأحذِّركم من التهاون في أدائها.

 

روى الطبراني بسند حسن عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ»، قَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَمَا أَدَاءُ الْأَمَانَةِ قَالَ: «الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ»[9].

 

وروى الطبراني بسند حسن عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَانِعُ الزَّكَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ» [10].

 

أوصيكم أيها الإخوة المؤمنون ببر الوالدين، وأحذركم من العقوق.

 

وقال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23].

 

أوصيكم أيها الإخوة المؤمنون بصلة أرحامكم، وأحذِّركم من قطيعتهم.

 

روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ [11] فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» [12].

 

وقال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 25].

 

وقال الله تعالى:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22، 23]

 

أقول قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي، ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله وكفى، وصلاةً على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا، وبعد..

أوصيكم أيها الإخوة المؤمنون بألا تظلموا أحدا، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.

 

وقال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].

 

أوصيكم أيها الإخوة المؤمنون بغض البصر، وعدم القرب من الزنا.

 

وقال الله تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: 30، 31].

 

وقال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}[الإسراء: 32].

 

الدعاء...

اللهم ثبِّت قلوبَنا على الإيمان.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم إنا نعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار، وفتنة القبر، وعذاب القبر، وشر فتنة الغنى، وشر فتنة الفقر.

اللهم إنا نعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال.

اللهم اغسل قلوبنا بالماء الثلج والبَرَد، ونق قلوبنا من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدَّنس، وباعد بيننا وبين خطايانا كما باعدت بين المشرق والمغرب.

اللهم إنا نعوذ بك من الكسل والمأثم والمغرم.

 

أقول قولي هذا، وأقم الصلاة.

 


[1] كل عمل ابن آدم له: أي كل أعمال العبد يمكن أن يدخلها الرياء. [انظر: إكمال المعلم (4/ 110)].

[2] متفق عليه: رواه البخاري (1904)، ومسلم (1151).

[3] صحيح: رواه مسلم (1151).

[4] صحيح: رواه أحمد في مسنده (24193)، و صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 109).

[5] صحيح: رواه الترمذي (3158)، و صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 267).

[6] متفق عليه: رواه البخاري (1904)، ومسلم (1151).

[7] صحيح: رواه ابن ماجه (2697)، والنسائي في الكبرى (7057)، وأحمد (12169)، وصححه الألباني.

[8] متفق عليه: رواه البخاري (8)، ومسلم (16).

[9] حسن: رواه أبو داود (429)، وحسنه الألباني.

[10] حسن: رواه الطبراني في المعجم الصغير (935)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5807).

[11] ينسأ: أي يؤخر. [انظر: النهاية في غريب الحديث (5/ 44)].

[12] متفق عليه: رواه البخاري (5985)، و مسلم (2557).

__________________________________________________

الكاتب: د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني

  • 0
  • 0
  • 2,576

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً