فضل زيارة الإخوان بعضهم لبعض، والمحبة في الله عز وجل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن عادَ مريضًا أو زار أخًا في الله، ناداه منادٍ: بأنْ طِبتَ، وطاب مَمْشاك، وتبوَّأتَ من الجنة منزلًا».
عن أنس رضي الله عنه قال: قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلِقْ بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها كما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهيا إليها، بكَتْ، فقالا لها: ما يُبكيكِ؟ أمَا تعلمين أن ما عند الله خيرٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: إني لا أبكي أني لا أعلم أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحيَ قد انقطع من السماء، فهيَّجتْهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مَدْرَجَتِهِ ملَكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمةٍ تَرُبُّها عليه؟ قال: لا، غيرَ أني أحبَبتُه في الله تعالى، قال فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحَبَّك كما أحببتَه فيه» (رواه مسلم).
يقال: (أرصده لكذا): إذا وكله بحفظه، و((المَدرَجة)) بفتح الميم والراء: الطريق، ومعنى ((تربُّها)): تقوم بها، وتسعى في صلاحها.
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن عادَ مريضًا أو زار أخًا في الله، ناداه منادٍ: بأنْ طِبتَ، وطاب مَمْشاك، وتبوَّأتَ من الجنة منزلًا» رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ: غريب.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما مَثَلُ الجليس الصالح وجليس السُّوء كحامل المِسك ونافخ الكِيرِ؛ فحامل المسك، إما أن يُحذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيِّبة، ونافخ الكير، إما أن يُحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا منتنة» (متفق عليه).
((يحذيك)): يعطيك.
قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
هذه الأحاديث في بيان فضل زيارة الإخوان بعضهم لبعض، والمحبة في الله عز وجل.
ففي الحديث الأول في قصة الرجلين من الصحابة رضي الله عنهما، زارا امرأة كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يزورها، فزاراها من أجل زيارة النبيِّ صلى الله عليه وسلم إياها.
فلما جلسا عندها بكَتْ، فقالا لها: ما يُبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله سبحانه وتعالى خيرٌ لرسوله؟ يعني خيرًا من الدنيا.
فقالت: إني لا أبكي لذلك، ولكن لانقطاعِ الوحي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات انقطع الوحي، فلا وحيَ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا أكمَلَ الله شريعته قبل أن يتوفى، فقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فجعلا يبكيان؛ لأنها ذكَّرتْهما بما كانا قد نسياه.
وأما الأحاديث الأخرى، ففيها أيضًا فضل الزيارة لله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى يُثيبُ مَن زار أخاه أو عادَهُ في مرَضِه، فيقال له: طِبتَ وطاب ممشاك.
ويقال لمن زار أخاه لغير أمر دنيويٍّ، ولكن لمحبته في الله: إنَّ الله أحبَّك كما أحببتَه فيه.
والزيارة لها فوائدُ؛ فمع هذا الأجر العظيم، فهي تؤلِّف القلوب، وتجمع الناس، وتذكِّر الناسي، وتنبِّه الغافل، وتعلِّم الجاهل، وفيها مصالحُ كثيرة يعرفها من جرَّبها.
وأما عيادة المريض، ففيها كذلك أيضًا من المصالح والمنافع الشيءُ الكثير، وقد سبق لنا أنها من حقوق المسلم على المسلم: أن يعوده إذا مَرِضَ، ويُذكِّرَه بالله عز وجل بالتوبة والوصية، وغير ذلك مما يستفيد منه.
فهذه الأحاديث وأشباهها تدلُّ على أنه ينبغي للإنسان أن يفعل ما فيه المودة والمحبة لإخوانه؛ من زيارة، وعيادة، واجتماع، وغير ذلك.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (3/ 241- 243)
محمد بن صالح العثيمين
كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
- التصنيف: