فوائد من مصنفات العلامة ابن عثيمين عن البركة (2)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
قال الشيخ رحمه الله: البركة التي يجعلها الله تعالى على يد الإنسان أنواع: البركة في أخلاقه، بحيث تكون أخلاقه أخلاقًا حسنة، ففيه: السماح، والصدق، ولين الجانب، وما أشبه ذلك، فيقتدي الناس به
- التصنيفات: التقوى وحب الله -
بسم الله الرحمن الرحيم
بركة شهر رمضان:
قال الشيخ رحمه الله: في شهر رمضان الكثير من البركات، وبركات هذا الشهر الكريم منها ما هو سابق، ومنها ما هو لاحق، ولنستعرض البركات التي جاءت في هذا الشهر اللاحقة والسابقة:
• بركات شهر رمضان السابقة:
أولًا: نُزولُ القرآن الكريم:
قال الله تعالى: ﴿{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185]، هذا القرآن العظيم المجيد الذي قال الله فيه: { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيم} [الحجر: 87]، فكل مَن جاهَد بهذا القرآن، وتمسَّك به، فإنه غالبٌ لا مغلوب، والعاقبة له بكل حالٍ؛ فسلفنا الصالح الذين تمسَّكوا بهذا الكتاب، وطبَّقوه تطبيقًا حقيقيًّا، سادوا به العالم، وفتحوا الممالك وكسروا قيصر، وأنفقوا أموالهم من الذهب الأحمر، والفضة البيضاء في سبيل الله عز وجل، فالقرآن الكريم نزل تبيانًا لكلِّ شيءٍ، وهو حبل الله المتين، مَن تمسَّك به نجا، ومن أطلقه هلك.
ثانيًا: نصر المسلمين في غزوة بدر:
نصر المسلمين في غزوة بدر، ونصر موسى على فرعون، هو انتصار للمؤمنين في أي زمان ومكان.
ثالثًا: فتح مكة:
فتحُ مكة كان نعمةً من الله عز وجل على هذه الأُمَّة إلى يوم القيامة، وكانت مكة بلادَ كُفْرٍ، وظهرت فيها عبادةُ الأوثان، والإشراك بالرحمن
• بركات شهر رمضان اللاحقة:
ليلة القدر:
ليلة القدر فيها خيرٌ, وبركة سابقًا ولاحقًا, منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم, إلى اليوم, قال تعالى : {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] وقال عز وجل: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:4] تَنَزَّلُ, أي : تتنَزَّلُ من السماء بأمر الله عز وجل, والرُّوح هو جبريل....والموطن الذي تتنزل فيه الملائكة وتحلُّ فيه موطنُ خيرٍ, وبركة, كما أن الحال الذي يكون فيه ما يمنع دخول الملائكة يكون ناقصَ البركة, فكلُّ بيتٍ فيه صورة لا تدخُله الملائكة, بأمر الله عز وجل, وإذا لم تدخله الملائكة, نقَصت بركتُه.
تُصفَّدُ فيه الشياطين:
تُصَفَّدُ فيه الشياطين؛ أي: تُغَلُّ, فالشياطين هم أعدى عدوٍّ للإنسان, {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6].
فتح أبواب الجنة:
في شهر رمضان تُفتَح أبوابُ الجنة، وتُغلَّق فيه أبوابُ النار، ويُقال: ((يا باغيَ الخيرِ أَقْبِلْ، ويا باغيَ الشَّرِّ أقْصِرْ))، وهذا من الترغيب في الخير، فالمؤمن إذا علِم أن أبواب الجنة تُفتَحُ ازداد رغبةً في الأعمال التي تُدخِله في هذه الأبواب، وأبواب الجنة ثمانية، لكل نوع من أنواع الطاعة بابٌ، فللصلاة باب، وللصيام باب، وللصَّدَقة باب، وللجهاد باب، ولكل نوع من أنواع الخيرات التي يعلمها الله عز وجل باب. من البركات في هذا الشهر أن الله تعالى يُزيِّنُ جنَّته كلَّ ليلة لمن أراد أن يدخلها، وذلك بالقيام بطاعة الله، ومن أسباب ذلك، صيام رمضان؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( «مَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه» )).
بركة المدينة النبوية:
قال الشيخ رحمه الله: دعا الرسول عليه الصلاة والسلام للمدينة بالبركة، وأن يجعل مع البركة بركتين، وهذا شيء مُشاهد حتى الآن، فالذين يسكنون المدينة يقولون: إنا نُحسُّ بأن في طعامنا وشرابنا بركةً لا نُدركها في البلاد الأخرى.
وقال الشيخ رحمه الله: نجد الطعام في المدينة يكون دائمًا متوفِّرًا ومباركًا في زرعه وجنيه.
بركة التهاني والتحيات الإسلامية:
قال الشيخ رحمه الله: التهاني والتحيات الإسلامية تجدها خيرًا وبركة؛ مثلًا: من التحيات التي ليست إسلامية بحتة، أن يقتصر الإنسان على قوله: "مرحبًا، أهلًا"؛ يعني: حللت مكانًا واسعًا، فالفائدة فيها الإكرام فقط؛ لكن "السلام عليكم" تحية دعاء، كذلك "بالرِّفاء والبنين"، فهي وإن كانت تتضمَّن دعاءً، فهو دعاء في أمر دنيوي؛ لكن "بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير" تشمل الدعاء للدنيا والآخرة؛ الأمر الدنيوي والديني، فأنت إذا تأملت ما يحصل من السنن التي جاء بها الرسول عليه الصلاة والسلام في مثل هذه المناسبات وجدت أنها خير، ودعاء، وبركة، وصلاح.
بركة الزمان:
قال الشيخ رحمه الله: الله قد يُبارك في الزمن للإنسان، حتى يقضي في اليوم ما لا يقضيه غيره في أيام، وهذا شيء مُشاهد، وإذا رأينا ما كتبه العلماء السابقون رحمهم الله في العلم وما عملوا من التدريس والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، علمنا أنه لولا أن الله بارك لهم في أزمانهم ما عملوا هذا العمل الكثير العظيم.
وقال رحمه الله: الإنسان إذا وفَّقه الله لكثرة الذكر بارك الله له في وقته، وبارك في عمله، وهذا شيء نسمع عنه، والعلماء السابقون تجد الواحد منهم يكتب الكراسات الكثيرة في المدة القليلة، مع أعماله وأحواله، وضيق المعيشة، وعدم الإنارة في الليل.
وقال رحمه الله: إذا قيل: ما السبيل الذي يجعل أوقاتنا مباركة؟ قلنا: ذكر الله، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]، فالإنسان إذا أعرض عن ذكر الله، واتَّبع هواه، نزع الله البركة من عمره، والعياذ بالله؛ لكنه إذا كان دائمًا متعلقًا بربِّه سبحانه وتعالى، دائمًا يذكر الله تعالى، إن لم يذكره بلسانه ذكره بقلبه، وإن لم يذكره بجوارحه ذكره بقلبه، فهذا هو الذي يُبارك الله له في عمره.
بركة الولد:
قال الشيخ رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((وبارك لي فيما أعطيت))؛ أي: أنزل البركة فيما أعطيت من: علم وولد ومال، أما بركة الولد فإن يجعل الله تعالى في ذلك معونة على طاعة الله، ويساعدك في أمورك، ومن بركة الأولاد أن يكونوا من طلبة العلم، وينفع الله بهم الناس.
بركة العلم:
قال الشيخ رحمه الله: البركة التي يجعلها الله تعالى على يد الإنسان أنواع: البركة في علمه، بحيث لا يجلس مجلسًا إلا انتفع الناس بعلمه، ولا شك أن من بركات الإنسان أن يكون حريصًا على نشر العلم، ويسلك في نشره الوسائل التي تُشوِّق الناس إلى العلم، ولا تُملُّهم.
وقال رحمه الله: فبركة العلم: أن يكون الإنسان مباركًا في علمه، في الانتفاع به، وعبادة الله تبارك وتعالى على بصيرة، ويكون مباركًا في علمه بنشره بين الأمة وتعليمهم إيَّاه، ويكون مباركًا في علمه بالتأليف والكتابة، وانظر إلى بركة العلماء السابقين الذين كتبوا وألَّفوا، كيف انتفعت الأمة بهم إلى اليوم وإلى ما شاء الله عز وجل، فصار هذا العلم بركة عظيمة لهم.
وقال رحمه الله: والغالب أن من دعا لنفسه - والعياذ بالله - أن الله تعالى لا يجعل في علمه بركة، وأن من أراد الحق جعل الله تعالى في علمه بركة حتى لو كان يتكلم بكلام لا يتكلم به إلا أدنى طلبة العلم، ولهذا نجد أناسًا عندهم حسن نية وقصد، يتكلمون بكلام سهل يأتي به أدنى طالب علم، ومع ذلك يكون لهم تأثير بليغ؛ لأنهم يريدون الحق وبيان الحق.
بركة الأخلاق:
قال الشيخ رحمه الله: البركة التي يجعلها الله تعالى على يد الإنسان أنواع: البركة في أخلاقه، بحيث تكون أخلاقه أخلاقًا حسنة، ففيه: السماح، والصدق، ولين الجانب، وما أشبه ذلك، فيقتدي الناس به، وإننا نقتدي بعوامٍّ ليس عندهم علم، نقتدي بأخلاقهم.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ