فوائد من مصنفات العلامة ابن عثيمين عن البركة (3)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
قال الشيخ رحمه الله: زمزم ماء مبارك، (طعام طعم وشفاء سقم)، و(ماء زمزم لما شرب له) إن شربته لعطش رويت، وإن شربته لجوع شبعت
- التصنيفات: التقوى وحب الله -
بركة العمل:
قال الشيخ رحمه الله: البركة في العمل أن يوفق الله الإنسان لعمل لا يُوفَّق له من نزعت منه البركة، وقال رحمه الله: يجب أن نكون على بصيرة في أمرنا، وعلى بصيرة في ديننا، وعلى بصيرة فيما نعبد الله به، وفيما نفعل أو ندعو من الأقوال والأعمال، حتى يُنزل الله لنا البركة في عملنا؛ ولهذا نجدُنا نُكثر الأعمال؛ ولكن أعمالنا لا تُصلح قُلُوبنا، وبركتها قلية على القلوب، وعلى الأخلاق، وعلى الآداب؛ لأن غالب عباداتنا لا يقوم بالقلب، ولا يكون فيه تمام المتابعة؛ بل أحيانًا لا يكون فيه تمام الإخلاص، وقال رحمه الله في شرحه لحديث الرجل الذي تصدَّق على سارق وزانية وغني: في هذا الحديث من العبر: أن هذا الرجل لصدق نيته وإخلاصه جعل الله تعالى في عمله بركة.
وقال: تأمل قوله تعالى:﴿ { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ } ﴾[الجمعة: 10] أي: تفرقوا، كل في مجال عمله، التاجر في تجارته، والزارع في زرعه، والصانع في صنعته، ﴿ {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ }﴾ [الجمعة: 10]؛ أي: اطلبوا من فضل الله.
فيه والله أعلم إشارة إلى أن الإنسان إذا قدَّم الوظائف الدينية - وهي عمل الآخرة - على الوظائف الدُّنيوية، فإن ذلك من أسباب بركة العمل الدنيوي؛ حيث أرشد الله تعالى إلى طلب الرزق بعد انقضاء الصلاة.
وقال رحمه الله: البركة التي يجعلها الله تعالى على يد الإنسان أنواع:البركة في نتائج عمله التي لم يقصدها هو بنفسه، فأحيانًا يعمل الإنسان عملًا، ولا يخطر بباله أن الناس سينتفعون به هذا الانتفاع، ومع ذلك يجعل الله تعالى فيه خيرًا كثيرًا، ما كان يحلم أن يكون فيه هذا الخير، وهذا شيء يُشاهده الإنسان في بعض الأحيان.
بركة إقامة الحدود:
عن عروة بن الزبير رحمه الله، «أنَّ امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونهُ، قال عروة: فلما كلَّمه أسامة فيها تلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أتُكلِّمني في حدٍّ من حدود الله؟!))، قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشيُّ قام رسول الله خطيبًا، فأثنى على الله بما هو أهلُهُ، ثم قال: ((أما بعد، فإنما أهلك الناس قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ، والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها))، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها، فحسنت توبتُها بعد ذلك، وتزوَّجت، قالت عائشة: فكانت تأتي بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» [متفق عليه].
قال الشيخ رحمه الله: في هذا الحديث دليل على فوائد، منها: أن الحدود قد تكون سببًا للخير والبركة، فإن هذه المرأة رضي الله عنها تابت، وحسنت حالها، وتزوَّجت، وكانت تأتي إلى عائشة رضي الله عنها، فتقضي حاجتها بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
بركة القناعة:
قال الشيخ رحمه الله في شرحه لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «ومن يستغن يُغنِه الله» قوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن يستغْنِ))؛ أي: بما عنده ولو كان قليلًا ((يُغْنه الله)) عز وجل، ويبارك له فيه.
بركة المال:
قال الشيخ رحمه الله: إذا بارك الله في المال نما وزاد، وإذا نزعت البركة منه نقص وزال.
وقال رحمه الله: الصدقة لا تُنقص المال، وإن نقصته عددًا، فإنها تزيدُهُ بركةً، وحماية وكثير من الناس الذين ينفقون ابتغاء وجه الله، يجدون ذاك ظاهرًا في أموالهم بالبركة فيها، ودفع الآفات عنها، حتى أن الرجل يقول: كيف لم أنفق هذا الشهر إلا كذا، يتقالُّ ما أنفق؛ لأن الله أنزل فيه البركة، وبركة الله تعالى لا نهاية لها.
وقال رحمه الله: البركة التي يجعلها الله تعالى على يد الإنسان أنواع: البركة في المال، فكم من إنسان عنده مال قليل بالنسبة إلى من عنده أموال كثيرة جدًّا، ومع ذلك تجد أمواله القليلة قد ينتفع الناس بها، وتجد صاحب الملاين أو المليارات لم ينتفع الناس بماله كما انتفعوا بمال هذا الرجل!
وقال رحمه الله: من بركات المال أن تؤدي به ما أوجب الله عليك من النفقات في سبيل الله، وفي صلة الرحم، وفي بر الوالدين، وتؤدي ما أوجب الله عليك من زكاته، وتتطوَّع بما شاء تعالى من الصدقات وغيرها، ومن البركة في الأموال أن يكون عند الإنسان محاصيل يكتسب بها أو يكتسبها سواء بالبيع والشراء أو بالزراعة أو بغير ذلك.
وقال رحمه الله: المال من أخذه بطيب نفس من الباذل، ولم تتعلق به نفسه، ولم يستشرف له، فإن الله عز وجل يُبارك له فيه.
بركة شركة المضاربة:
قال الشيخ رحمه الله: إعطاء المال لشخص يتاجر به، وله نصيب من الربح، يُسمَّى عند العلماء المُضاربة، وفيه خير وبركة لا سيَّما مع حُسْن النية، فإن الله تعالى قال في الحديث القدسي: «أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما» .
وهذا النوع من العقود فيه بركة كما قلت، ومن بركته أنه يُنمِّي المال لصاحب المال بلا تعب منه، وأنه يفتح باب العمل والرزق للطرف الآخر الذي ليس عنده مال، فيكون هذا مكتسبًا بعمله، وصاحب المال مكتسب بماله، فلو أن الناس سلكوا هذا، وأعطوا من يثقون به دراهمَ يتَّجر بها، ويكون الربح بينه وبين صاحب المال على حسب ما يتفقان عليه، لحصل خير كثير لهؤلاء العاطلين الذين لا يريدون أن يعملوا بأبدانهم عند الناس كصناعيين، أو بنَّائين، أو ما أشبه ذلك، وليس عندهم مال يتجرون به، فإذا أحسن إليهم أحد من الناس، وقال: خذ هذا المال فتصرف فيه بالبيع والشراء، وما أحل الله، والربح بيننا، كان في هذا خير كثير، ومع النية الصالحة يُبارك الله للشريكين في هذا المال.
بركة السحور:
قال الشيخ رحمه الله: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تسحَّروا؛ فإن في السحور بركة» ، ففيه بركة؛ لكونه مُعينًا على طاعة الله، وفيه بركة؛ لأنه امتثال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه بركة؛ لأنه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه بركة؛ لأنه يغني عن عدة أكلات وشربات في النهار، وفيه بركة؛ لأنه فصل بين صيامنا وصيام أهل الكتاب.
بركة الصلاح:
قال الشيخ رحمه الله: قول زينب رضي الله عنها: "يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون" الصالح كل من قام بحق الله، وحق العباد، وفي هذا: دليل على أن وجود الصالحين في المجتمع يكون سببًا لمنعهم من الهلاك، وهذا من بركة الصلاح أن يدفع الله السوء عن الناس بسبب هؤلاء الصالحين.
بركة الاجتماع على الطعام وتكثير الأيدي عليه:
قال الشيخ رحمه الله: الأفضل الأكل جميعًا كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأخبر أن في ذلك بركة، وذلك لما شكا إليه رجل أنه كان يأكل ولا يشبع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((فلعلكم تأكلون متفرقين؟))، قالوا: نعم، قال: ((فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه، يُبارك لكم فيه))، فاجتماع الناس على الأكل من أسباب البركة.
وقال رحمه الله: تكثير الأيدي على الطعام يُوجب حلول البركة فيه، وأن طعام الواحد يكفي الاثنين، والاثنين يكفي الثلاثة أو يكفي الأربعة أيضًا، وهذا مشاهد أنه في الشركة بركة، فكُلما كثرت الأيدي على الطعام كثُرت البركة فيه.
بركة ماء زمزم:
قال الشيخ رحمه الله: زمزم ماء مبارك، (طعام طعم وشفاء سقم)، و(ماء زمزم لما شرب له) إن شربته لعطش رويت، وإن شربته لجوع شبعت، حتى إن بعض العلماء أخذ من عموم الحديث أن الإنسان إذا كان مريضًا وشربه للشفاء شفي، وإذا كان كثير النسيان وشربه للحفظ صار حافظًا، وإذا شربه لأي غرض ينفعه، فعلى كل حال هذا الماء مبارك.
بركة منى:
قال الشيخ رحمه الله: منًى مُباركة، فمهما كثر الحجاج فإنها تكفيهم؛ لأنها مشعر، فلا بُدَّ أن يكون هذا المشعر كافيًا لجميع الحجاج؛ لكن إذا حصل الظلم نزعت البركة، قال بعض أهل العلم: إن من خصائص منًى أنها مثل رحم الأنثى، إن حملت بواحد كفاه، وإن حملت باثنين كفاهما، وإن حملت بثلاثة كفاهم، وهذا من بركة المكان أن يتسع لما لا يتسع له مثله في المساحة.