سورة الكوثر وشكر النعم
ولنسأل أنفسنا... أين هم الآن مَن مكروا بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم؟! أين ذكراهم؟! لا أثر لهم ولا حراك.
سورة الكوثر وشكر النعم:
قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)} [الكوثر]
إنها أقصر سورة في القرآن، ولكنها برهنت على إعجاز القرآن وتحدي لغير المسلمين في كل زمان ومكان أن يأتوا بمثله ولو آية، وليس هذا فقط، إنما تحمل هذه الآيات أيضًا العطايا، ليست فقط لسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، إنما للأمة كلها.
" {إنا أعطيناك} " لم يقل (إنا وهبنا لك)، فقد يرجع الواهب في هبته، ولكن المعطي يعطي للأبد.
الكوثر... هو نهر من أنهار الجنة، وهو صيغة مبالغة من التكثير، يدل على الكثرة والوفرة، ما أجمل أن يبشر الإنسان في دنياه بمكانته عند ربه وبعطاياه له في الآخرة! كم كان وقعها في نفسه وهو يبشر بها؟َ!
نزلت السورة بعد أن عيرت قريش محمدًا أنه أبتر، أي لا ولد له، وسينتهي أثره بعد موته على حدّ اعتقادهم، وكأن الرسالة من عنده وليست من عند الله!
"أعطيناك... فَصَلِّ " تعلّمنا كيفية الشكر عند ورود النعم، فنصلى شكرًا لله على نعمه، ولا نجلس مكاننا ولسان الحال أنه قد وجبت لي الجنة! ولكن استمر في العمل، ولا تنسَ المنعم، كما يفعل كثير من الناس، إنها الرسالة التي بعثت بها الآيات، لا تقابل النعم بالجحود، ولكن بالعمل لله، إلى أن تلقاه.
{فصلِّ لربك وانحر} الصلاة علاقة بينك وبين ربك، والنحر علاقة بينك وبين الناس، وكأنك تقول: اشهدوا على عطاء الله لي، فقد أعطاني، فشكرت، والشكر شكر بالمال وبالفعل، وإذا كان هذا الكلام موجه لمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما بالك بحالنا وحال أمتنا؟!
" {إن شانئك هو الأبتر}" إن مبغضك هو الأبتر وعديم الأثر، وذلك بالرغم من أن لديه العديد من الأولاد، ولكن المقاييس عند الله مختلفة، هناك فرق بين مَن جعل أَلَّهَ التكاثر وبين مَن رفع الله ذكره في قرآن يتلى إلى يوم القيامة وفي العالمين، فكثير من الإحصائيات تبيّن لنا أن اسم محمد من أكثر الأسماء انتشارًا في بلاد الغرب نفسها وليس في بلاد المسلمين وحدها، إنها رسالة تؤكد أن رفعة الشأن ليست بكثرة مال أو ولد، ولا أن هذا ما يُبقِي الذكر، لكن بعمق الإيمان والحق في النفوس، لا يمكن أن يكون أبتر الأثر، كيف؟! كيف وهذه النفس موصولة بالحي القيوم، أما انحطاط الشأن يكون ويتجسد في الكفر والباطل، مهما ظهر على وجه الأرض وتشعب.
نزل القرآن ليمحو عادات الجاهلية كلها، ويغيير مقاييس المجتمع، فليس بكثرة الولد، فقد يكون الولد فاسدًا، فيضيع المال والسمعة على يديه، وإنما بعمل الإنسان الصالح نفسه، وبما تركه من أثر حقيقي في النفوس، سواء إصلاحه لنفسه، وإصلاح المجتمع، وليس ما تركه من مال وولد.
ولنسأل أنفسنا... أين هم الآن مَن مكروا بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم؟! أين ذكراهم؟! لا أثر لهم ولا حراك... ليتنا نعتبر بآيات كنا نحفظها ونحن صغار، ولكننا لا ندرك جيدًا أنها تؤثر في الجبال الشامخات قبل أن تؤثر في نفوسنا، لنعي ونعلم أن القرآن منهج حياة، ولو بأقصر سورة فيه.
إيمان الخولي
- التصنيف:
Kayed Elsayed
منذ