رحم الله الشيخ كشك
كان إذا جاءه الشباب يسألونه عن الجماعات الإسلامية وأيها على صواب، يقول: إن جماعتي هي جماعة لا إله إلا الله! وكانوا إذا سألوه عن قضايا فرعية، يردهم إلى القضايا الأساسية، وإذا سألوه عن المختلف فيه، يردهم إلى المتفق عليه!
كان رحمه الله يسكن إلى جوارنا، وكان ابنه صديقا وزميلا لي في المدرسة. كنا نلعب الكرة معا، ونذاكر ونحفظ القرآن معا، وكان مثالا في الأدب، بل لم أقابل في حياتي طالبا أكثر أدبا منه، وقد تخرج في كلية الإعلام، وقطعت الدنيا حبال الوصل بيننا.
كان الشيخ عبد الحميد آية من آيات الله في كل شيء من شأنه! كنت إذا ذهبت إلى منزله، لا أرى جدران المنزل، لأنها كانت مغطاة بأرفف الكتب التي تصل إلى السقف. وكأن الكتب قد استبدلت بجدران المنزل كلها!
كان الضيوف لا يكادون ينقطعون عن منزله! وكان يجلس معه من يقرأ له دائما! وكان رحمه الله لا يغلق باب منزله في وجه أحد، فيستقبل الضيوف ممن عرف ومن لم يعرف على مدار اليوم!
كان إذا جاءه الشباب يسألونه عن الجماعات الإسلامية وأيها على صواب، يقول: إن جماعتي هي جماعة لا إله إلا الله! وكانوا إذا سألوه عن قضايا فرعية، يردهم إلى القضايا الأساسية، وإذا سألوه عن المختلف فيه، يردهم إلى المتفق عليه!
ومع أنه كان يستطيع دائما أن يصبح من أثرى الأثرياء، لكنه عاش فقيرا من المال، فكان غنيا عن الناس، وعن المنصب، وعن الشهرة!
كان في دعوته شاملا، يوجه خطابه لكل الناس، فيستفيد منه الجاهل والعالم، والأمي والمثقف، والمتدين وغير المتدين! ومع غزير علمه وقوة لغته، وبليغ فصاحته، كان أسلوبه سهلا يفهمه الناس جميعهم على اختلاف حظوظهم من العلم أو الوعي أو الثقافة. وبعد أن سُجن وعُذب ومُنع من الخطابة، تفرغ للكتابة، وألف عشرات الكتب، وفسر القرآن الكريم "في رحاب التفسير"!
علمني أن العلم ليس بالظهور في القنوات الفضائية، ولا بالشهرة، ولا بجني الملايين، ولا بالسكوت عن كلمة الحق في وجه الظالمين! وعلمني أن العلم ليس بالمظهر الكاذب المخادع، وليس بالاهتمام بذلك المظهر على حساب الجوهر، أو بالشكل على حساب المضمون! وعلمني أن موقف صدق واحد دون كلام، أبلغ من كل الكلام!
كان يدعو الله دائما أن يموت وهو ساجد؛ فأصبح يوم الجمعة، وقد رأى النبي وعمر بن الخطاب في رؤيا، فيطلب منه النبي أن يسلّم على عمر، فيسلّم عليه، ثم يقع ميتا، فيغسله رسول الله بيديه الشريفتين. وكأنه يقول له: لقد عشت مثل عمر فقيرا، ولم تكن تخاف في الحق مثل عمر، وسوف تلحق بعمر! فلما قصّ على زوجته الرؤيا، قالت له: لمَ تقصّ علينا هذه الرؤيا وقد أمرنا رسولنا ألا نقصّ رؤيا نكرهها؟ فقال لها: وما يدريك أني أكرهها؟ والله إني لأرجو أن تتحقق. وبعد أن شرع في صلاة الضحى، فاضت روحه الطاهرة إلى خالقها في سجود الركعة الثانية. وذهب إلى حبيبه كما كان يتمنى!
رحمه الله وألحقنا به مع الصالحين.
- التصنيف: