بين المزمل والمدثر
ولكي تتحمل، فإن عليك بخلوة مع ربك؛ تصلح فيها نفسك، فيفيض المولى عزّ وجلّ لك من أنواره، ويلقي في قلبك ذخائره، فتخرج من ذلك كله بشحنة إيمانية تورث في القلب حسن الفهم وحسن التوكل
بين المزمل والمدثر:
هذه السور من أوائل ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وإننا نقرؤها كثيرًا، ويحفظها الكبير منا والصغير، ولكن هل عرفنا المغزى منها؟ وهل فهمنا الهدف من كل سورة؟
المزمل... قم الليل ورتل القرآن؛ قربة إلى ربك، فالقيام يسكب في القلب أنسا قد لا تجده في صلاة النهار، حتى تتحمل أعباء الرسالة ومشاق الطريق، الطريق الذي شاخ فيه نوح، والذي نشر فيه زكريا بالمناشير، وقطعت فيه رأس يحيى...
ولكي تتحمل، فإن عليك بخلوة مع ربك؛ تصلح فيها نفسك، فيفيض المولى عزّ وجلّ لك من أنواره، ويلقي في قلبك ذخائره، فتخرج من ذلك كله بشحنة إيمانية تورث في القلب حسن الفهم وحسن التوكل، وحسن العمل، وصدق النية، والثبات في الحق، والصبر على الإيذاء، وهذا ليس موجه للنبي فقط، إنما هذا لكل مؤمن، لكل مؤمن رسالة وهدف، وسيجد في سورة المزمل الزاد الذي يتزود به لإصلاح النفس والتهيئة للقيام بدوره ورسالته في الحياة، وتنتهى السورة بالحث على إقام الصلاة وتلاوة القرآن والاستغفار...
فهي تبعث رسالة للمؤمن، حيث إن هذه هي أدواتك لتصلح ذاتك، ولترتقي بنفسك.
يقول د. فريد الأنصاري: إن الذي لا تلتهب مواجيده بأشواق التهجد، لا يكون من أهل سورة المزمل حقًّا. وإنها لسبب من أسباب النصر على الأعداء أيضًا، كما قال صلاح الدين الأيوبي لجنوده وهو يمرّ على الخيام، فلما وجد خيمة مضيئة في الليل، قال: مِن هنا يأتي النصر.
وتتوالى الرسائل.... وتأتي سورة المدثر... تأتي لتبعث رسالة أن انهض لنصرة دينك، كبر الله في قلبك، واهجر كل سوء، وتَحَلَّ بالصبر؛ فهو مفتاح كل خير في هذه الحياة، حيث إن لا خير أفضل من الاستعمال والدعوة إلى الله، وهذا الأمر هو سبب خيرية هذه الأمة {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}
فكما أن الآيات في سورة المزمل تحمل رسالة (أصلح نفسك)، فإن الآيات هنا تكمل شخصية المؤمن، بأن انفض عنك غبار الغفلة، وتحرك لدعوة غيرك، وأصلح في الأرض.
إنه منهج الإسلام في تكوين المسلم الصالح المصلح، خليفة الله في الأرض، وذلك كما بينت سورة البقرة أيضًا، وكانت هذه السور القصار تمهيدًا للهدف الحقيقي للحياة على الأرض، لتأتي السور المدنية لتقرّ هذه الحقيقة، حقيقة أنك خليفة الله؛ ليعلم المسلم المنهج، وليتلقى (افعل ولا تفعلْ)، التي أمر الله بها بقوله {سمعنا وأطعنا}.
وفي النهاية... فإن السورتين بمثابة رسالة مفادها أن كل صاحب دعوة يُعرف بنهاره حينما يكون الناس لاهين غافلين، ويُعرف بليله حينما يكون الناس نائمين.
إيمان الخولى
- التصنيف: