عندما يستمد إعلامنا قضاياه من الأعداء
ما زال إعلامنا يستمدُّ قضاياه الثقافية والمصيرية من أعداء الأمة؟
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
أما زلنا في مؤخرة الركب الإعلامي؟
أما زال إعلامنا يستمدُّ قضاياه الثقافية والمصيرية من أعداء الأمة؟
هل نحن بحاجة إلى اعتراف مسؤول معادٍ للأمة من أجل تسليط الضوء على اعترافه، ثم إدانته؛ تطبيقًا للمبدأ القديم: " من فمك أدينك يا إسرائيل"؟!
قد يكون الأمر مقبولاً قبل عقود من السنيين؛ إذ كان البث الفضائي محتكراً لأصحاب المال والنفوذ في العالم، أي لكل من يسبح في فضاء الاتجاه الآخر، البعيد عن الدين والقيم.
أما الآن فلا عذر في عصر الثورة الفضائية، التي أصبحت متاحة للجميع؛ للأقوياء، وللضعفاء، وللمتدينين، وللمتأمركين، وللقوميين، وللأصوليين، وللتافهين، وللمشعوذين، ولكل من (هبَّ ودبَّ) على وجه الأرض.
ما فائدة الإعلام العربي الذي أصبح يُبث ليل نهار، وبقنوات لا حصر لها - إن لم يوجه اهتمامه أو جزءاً من اهتماماته، إلى قضايا الأمة، وإن لم يحمل رسالة واضحة ذات مغزى يفهمها المتلقي، في أي مكان ومن أي جنسية، أو لون أو عرق؟!
ماذا لو كان عدد المحطات الجادة بعدد المحطات الساقطة؟!
ماذا لو كانت البرامج الهادفة بقدر البرامج التافهة؟!
ماذا لو أُنفق على البرامج الهادفة معشار مما يُنفق على برامج السوبرات والستارات والأكاديميات المبتذلة؟
طبعا سيكون واقعنا أفضل؛ لأن الإعلام أداة للتربية والتغيير والارتقاء.
طالعنا الإعلام العربي بجريمة مروعة، اقترفها وزير البنى التحتية الإسرائيلي "بنيامين اليعازر"، واعترف - خلال برنامج تلفازي بثَّ فيلماً وثائقيّاً - باقترافه الجريمة المروعة، التي ذهب ضحيتها 250 أسير مصري، في حرب 1967م، أي قبل أربعين عاماً!
لم يهدأ الإعلام العربي في بحث هذه القضية: أخباراً، وتحليلات، وندوات في الصِّحافة، والمحطات الفضائية، وعلى الشابكة (الإنترنت)، وكأن القوم وجدوا مفارقة عجيبة، واكتشافاً مدهشاً، في هذه المادة الإعلامية المثيرة.
ولعل من نافلة القول ذكر أن بعض الإعلاميين العرب وغيرهم - ممن يعملون في محطات العولمة، أو محطات النظام الدولي الجديد، الذين يهمُّهم أن تتوثق العلاقات بين دول الشرق الأوسط الكبير -: صرحوا أن المغدورين الأسرى لم يكونوا مصريين، ولكنهم فلسطينيون، وكأنَّ الدم الفلسطيني مباح في زمن الرويبضة!!
وفي مطلع القرن الحالي اكتشف أحد الأكاديميين الإسرائيليين - خلال بحثه الجامعي - أن القوات الإسرائيلية - أو العصابات اليهودية - اقترفت مجزرة رهيبة في قرية الطنطورة الساحلية الجميلة، التابعة لقضاء حيفا، وذهب ضحيتها مئات الشهداء غدراً في المسجد والبيوت والطرقات، سكت إعلامنا خمسين عاماً ونيفاً بالرغم من إخبار أهل الطنطورة لوسائل الإعلام العربية بهذه المجزرة، ولكن لا مجيب!!
وبعد أن اعترفت إسرائيل بجريمتها عام 2000م، عرفها العرب والإعلام العربي، فعُقِدت الندوات والمحاضرات بأثر رجعي، واستُضيف عشرات المعلقين السياسيين بملابسهم الأنيقة؛ يحللون، ويستذكرون، ويقرؤون التاريخ، ويضعون الخطط والإستراتيجيات؛ من أجل إفشال المجازر القادمة، وقد سجلت بعض القنوات الفضائية فتحاً مبيناً؛ وذلك باستضافتها بعض من بقوا على قيد الحياة من أهل الطنطورة ممن نجوا من المجزرة المروعة.
وفي عام 1948م اقترفت عصابات الكوماندوس 89، التابعة للواء الثامن الصهيوني، بقيادة موشيه ديان، التي تألفت من جنود خدموا في عصابتي (شتيرن، والآرغون) - مجزرة بشعة في قرية الدوايمة، القريبة من مدينة الخليل، ذهب ضحيتها أكثر من 800 شهيد، وهرب من تبقى من أهل الدوايمة، وساحوا في فلسطين، والبلاد العربية، وأخبروا من حولهم بالجريمة النكراء، ولكن لا مجيب!!
وكالمعتاد اعترف أحد قادة المجزرة - بعد خمسة وثلاثين عاماً بأن قواته اقترفت المجزرة الرهيبة بحق أهل الدوايمة، عندها تنبه الإعلام العربي لهذه المجازرة التي دخلت في موسوعة الإرهاب الصهيوني بعد 35 عاماً، فكتب المقالات الكثيرة في الصحف والمجلات، وأُلفت الكتب، وأُلقيت المحاضرات و...
إذا قالتْ حذامِ فصدِّقوها ♦♦♦ فإنَّ القولَ ما قالتْ حذامِ
القضية خطيرة، ليس المهم أن يعترف اليعازر أو شارون أو بيريز أو ديان أو غيرهم بجرائمهم؛ فهم مجرمون في اعتقادنا، بالرغم من التزييف العالمي لحقيقتهم وحجبها عن وسائل الإعلام.
المهم هو تخلف إعلامنا عن طرح مثل هذه الأمور، التي يعرفها سكانها المحليون أكثر من غيرهم، والأخطر تجاهل مثل هذه الأخبار بحجج واهية.
والأكثر خطورة وضع العراقيل أمام المنتجين والفنانين، الذين يهتمون بقضايا الأمة ومصيرها؛ فمؤلف مسلسل " نقطة نظام" الذي يصور دفن الأسرى أحياء في سيناء عام 1967م عانى الأمرَّين من أجل تنفيذ العمل منذ خمس سنوات.
وكلنا علم بالحملة المغرضة التي تعرَّض لها التلفاز السوري، وقناة المنار، قبل ثلاثة أعوام؛ لبثهما مسلسل "الشتات" المعادي للسامية - بحسب احتجاج الخارجية الأمريكية - وليس تصريح الفنان محمد صبحي الأخير - في الاعتزال - إلا صرخة أمام الذين يضعون العراقيل أمام المبدعين؛ حمايةً للشرق الأوسط الجديد، أو للعولمة، التي ما زالوا يبشرون بها في عصر الضحك على اللحى.
لا حجة للإعلاميين العرب - لاسيما في عصر الفضائيات والانفتاح الإعلامي - في الابتعاد عن ترسيخ المفاهيم الصحيحة، وكشف الجرائم الصهيونية، وإظهار القضايا المصيرية، وصناعة الإعلام الموجه، عن طريق الأفلام الوثائقية، أو المسلسلات، أو البرامج التلفازية، إذ ليس من المقبول أبداً نتظار اعتراف مسؤول صهيوني عن مجزرة جديدة، من لنتحرك وننتج مثل هذه الأعمال.
_____________________________________________
المؤلف: خليل محمود الصمادي