ذنوب عقوباتها أشدُّ من غيرها

منذ 2021-06-11

ومن أضلَّ غيره في الدنيا فسوف يدعو عليه يوم القيامة بمضاعفة العذاب واللعن

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين....أما بعد: فالذنوب لها عقوبات إما أن تكون في الدنيا, وإما أن تكون في الآخرة, وإما أن تكون فيهما جميعاً, وعقوبات الذنوب تتفاوت, فهناك ذنوب عقوباتها أشدُّ من غيرها, منها:

قلة الداعي للذنب:

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: العذاب له أعلى وله أدنى, لقوله: {فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين }  [المائدة:115] فهذا دليل على أن العذاب يتفاوت من شخص لآخر, وتفاوت العذاب أسبابه كثيرة, منها: قلة الداعي إلى الذنب, فإن قلة الداعي إلى الذنب توجب شدة العقوبة عليه, وانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم:  «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة, ولا ينظر إليهم, ولا يزكيهم, ولهم عذاب أليم, وهم: أشيمط زان, وعائل مستكبر, ورجل جعل الله بضاعته لا يبيع إلا بيمينه, ولا يشتري إلا بيمينه »

الشاهد الأول: ( أشيمط زان ) يعني: رجلاً شمطه الشيب, وهذا يدل على ضعف قوته في طلب النكاح, وصغَّرهُ بقوله: أشيمط تحقيرا له, إذاً: زنا الشيخ أعظم عقوبة من زنا الشاب, لأن الداعي في الشيخ أقل.

الشاهد الثاني: ( عائل مستكبر ) عائل يعني: فقيراً مستكبراً, الفقير يجب أن يعرف نفسه وقدره, فكيف يستكبر ؟ الاستكبار من الغني أهون بلا شك ومتوقع, كما قال الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ}  [العلق:6-7] أي: استغنى عن غيره, وهذا عائل فيستكبر فلذلك اشتدت عقوبته, فكلما قوي السبب في طلب المعصية صارت العقوبة عليها أهون, وكلما ضعف الطلب صارت العقوبة عليها أشد.

إضلال الغير:

قال الله عز وجل: {قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون}  [الأعراف:38] قال العلامة السعدي رحمه الله: من المعلوم أن عذاب الرؤساء, وأئمة الضلال, أبلغ وأشنع, من عذاب الأتباع.

وقال الله عز وجل: { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم}  [النور:11] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية الكريمة: أن زعماء الشر يعذبون أكثر من مقلديهم, ولهذا قال: (عذاب عظيم) جعله الله عز وجل عظيماً, لأن فاتح الشر والعياذ بالله كُلُّ من عمل بشره فعليه وزره....ولهذا قال: {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم

قال العلامة السعدي رحمه الله:  {يضاعف لهم العذاب}  [هود:20] أي: يغلظ ويزداد, لأنهم ضلوا أنفسهم, وأضلوا غيرهم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  «من سنَّ سُنة سيئةً فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة »  [أخرجه مسلم] قال الإمام النووي رحمه الله: من سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر من يعمل بها إلى يوم القيامة...سواء كان ذلك الضلال هو الذي ابتداه, أم كان مسبوقاً إليه, وسواء كان ذلك تعليم علم, أو عبادة, أو أدب, أو غير ذلك. قوله صلى الله عليه وسلم: (فعمل بها بعده) معناه: ان سنها سواء كان العمل في حياته أو بعد موته, والله أعلم.

ومن أضلَّ غيره في الدنيا فسوف يدعو عليه يوم القيامة بمضاعفة العذاب واللعن, قال الله عز وجل: { وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا *  رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}  [الأحزاب: 67-68] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية: بيان شدة بُغض هؤلاء الأتباع للمتبوعين, يعني: أنهم دعوا أن الله تعالى يُضاعف عليهم العذاب ويلعنهم أيضاً, وليس لعنا قليلاً, بل كثيرا وكبيراً أيضاً.

الجمع بين الشرك والقتل والزنا:

قال الله عز وجل: { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}  [الفرقان:68-69] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وإنما ضُوعف له العذاب لأنه فعل ثلاثة أسباب للعذاب, وهي: الإشراك بالله, وقتلُ النفس, والزنا, ومعلوم أن الأسباب إذا اجتمعت صار لكل واحد منها أثره, فمن فعل شيئاً واحداً من ثلاثة فعليه إثمه, ومن فعل اثنين فعليه إثمهما, ومن فعل ثلاثة فعليه إثمهن, فهذا وجه التضعيف.

النفاق:

قال الله عز وجل:  {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم} [التوبة:102] قال العلامة السعدي رحمه الله: ( ستعذبهم مرتين ) يحتمل أن التثنية على بابها, وأن عذابهم عذاب في الدنيا, وعذاب في الآخرة....ويحتمل أن المراد سنغلظ عليهم العذاب, ونضاعفه عليهم ونكرره.

                           كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

  • 1
  • 0
  • 1,738

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً