الخطة السرية للشيعة الصفوية تجاه الحرمين الشريفين
ناصر بن عبد الله القفاري
أعني بالشيعة الصفوية طائفة الإثنى عشرية شيعة إيران أصحاب ولاية الفقيه، وهم الذين يلقبون في عصرنا بالشيعة، ولا ينصرف لقب الشيعة عند الإطلاق في نظر جمع من الباحثين إلا إليهم..
- التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب - مذاهب باطلة -
أعني بالشيعة الصفوية طائفة الإثنى عشرية شيعة إيران أصحاب ولاية الفقيه، وهم الذين يلقبون في عصرنا بالشيعة، ولا ينصرف لقب الشيعة عند الإطلاق في نظر جمع من الباحثين إلا إليهم[1].
أما وصفهم بالصفوية فهو نسبة إلى الدولة الصفوية في إيران التي كانت من بلاد السنة حتى بليت بالحكم الصفوي الذي استمر من سنة 905هـ إلى سنة 1148هـ[2]، والتي أسسها الشاه إسماعيل الصفوي، وفرض التشيع الإثنى عشري على الإيرانيين قسرًا، وجعله المذهب الرسمي لإيران[3].
أما خطتهم السرية تجاه الحرمين فهي ثابتة في مصادرهم المعتمدة ونصوصهم المقدسة التي نص على اعتمادها الدستور الإيراني في مادته الثانية وسماها «سنة المعصومين»[4]، وقد حددها مراجعهم بأنها ثمانية، ويسمونها «صحاح الإمامية الثمانية»[5]، وأضافوا إليها ما كان في منزلتها مما كتبه شيوخهم المعتمدون لديهم، وفق ما قرره شيخهم المجلسي في بحاره المظلمة[6].
وإنما وصفت بالسرية لأنها كانت سرية يتواصون بكتمانها، حتى قالوا في وصاياهم: «لا تبثوا سرنا، ولا تذيعوا أمرنا»[7]، وقالوا: «إن أمرنا سر في سر، وسر مستسر، وسر لا يفيده إلا سر، وسر على سر، وسر مقنع بسر»[8].
وكانوا يستترون بدينهم في وقت عز الإسلام والمسلمين، حتى قالوا: «إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله»[9]، ومن وصاياهم لأتباعهم: «اكتم أمرنا ولا تذعه، فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله به في الدنيا وجعله نورًا بين عينيه في الآخرة يقوده إلى الجنة، يا معلي من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا ونزع النور من بين عينيه في الآخرة وجعله ظلمة تقوده إلى النار»[10].
ويدركون أن هذه الروايات لا يمكن لعقل مسلم أن يتحملها، فأوصوا دعاتهم بالتدرج في نشرها وبثها، فقالوا: «إن حديثنا تشمئز منه القلوب، فمن عرف فزيدوهم ومن أنكر فذروهم»[11]، وبوب شيخهم الكليني في ذلك بابًا بعنوان: «باب الكتمان»[12]، وعقد شيخهم المجلسي في كتابه «البحار» بابًا بعنوان: «باب إن حديثهم - عليهم السلام - صعب مستصعب»[13].
ثم قاموا بتدوين هذه النصوص في مصادر لم تكن معروفة لدى عموم الأمة، لأنها كانت - فيما يظهر - موضع التداول السري فيما بينهم، وكانوا يتعاملون مع عموم المسلمين بالتقية التي هي من أركان دينهم، وهي التظاهر في أقوالهم وأفعالهم بخلاف ما يعتقدونه بقلوبهم، وذلك بغية تحقيق أهدافهم، وقد قرر شيخهم محمد جواد مغنية أن التقية عندهم هي أن «الغاية تبرر الواسطة»[14]، أي هي ما يسمى في العرف السياسي بالميكيافيلية. والحقيقة أن تقيتهم لا معنى لها سوى النفاق، وليست هي التقية المشار إليها في القرآن بقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28]، ومع أنها النفاق بعينه فقد عظموا من شأنها في دينهم حتى قالوا: «لا دين لمن لا تقية له»[15].
ولهذا فقد أصبحت هذه المصادر بما تضمنته من مبادئ خطرة موضع الكتمان، وبحسبك أن تعلم أن أهم هذه المصادر وأصحها وأقدسها في نظرهم «الكافي» للكليني لم يكن معروفًا لدى معاصريه، كالإمام أبي الحسن الأشعري صاحب «المقالات» مع أنه معاصر للكليني زمانًا ومكانًا، بل لم يقف عليه من جاء بعد الأشعري من علماء المقالات والفرق كعبدالقاهر البغدادي، وابن حزم، والإسفراييني، والشهرستاني.
بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية مع تتبعه لكتبهم ومصادرهم لم يقف عليه أيضًا، ولذلك خفيت عليه بعض عقائدهم الخطيرة، كقوله مثلًا عن عبادتهم للمشاهد من دون الله وتفضيلها على الحج إلى بيت الله الحرام: «حدثني الثقات أن فيهم من يرون الحج إليها أعظم من الحج إلى البيت العتيق، فيرون الإشراك بالله أعظم من عبادة الله، وهذا من أعظم الإيمان بالطاغوت»[16]، مع أن هذه العقيدة الوثنية من ضرورات دينهم، ومستفيضة ومقررة في جميع مصادرهم المعتمدة ومنها «الكافي».
كما أن ابن تيمية نسب القول بأن القرآن ناقص إلى الباطنية مع أنه مستفيض بل متواتر في كتب الإثنى عشرية، حيث قال: «وكذلك [أي يحكم بكفره] من زعم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت، أو زعم تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة، ونحو ذلك، وهؤلاء يسمون القرامطة والباطنية»[17].
ولم أجد - فيما قرأت - لشيخ الإسلام أنه ينسب هذه الفرية لطائفة الإثنى عشرية، لا في منهاج السنة الذي رد فيه على شيخهم ابن المطهر الحلي ولا في غيره من كتبه المنشورة التي اطلعت عليها.
ولعل أولى الإشارات لمصادر هذه الطائفة التي انفصلوا بها عن المسلمين ويسمونها «الأربعة الأولى» جاءت في كتاب «النواقض في الرد على الروافض»، حيث ذكر مخدوم الشيرازي (القرن العاشر) أن من هفوات الروافض إنكارهم كتب الأحاديث الصحاح التي تلقتها الأمة بالقبول، وإيمانهم بمقابل ذلك بأربعة كتب جمع فيها كثير من الأكاذيب مع بعض الأحاديث وأقوال الأئمة[18]، وكان الشيرازي مقيمًا بين الروافض في إيران، ولعل هذا ما أتاح له الاطلاع عليها.
وقد تضمنت هذه المصادر المدونة روايات فيها أوامر للأتباع بالعدوان على المخالفين ونسبة هذه الأوامر كذبًا لبعض أئمة آل البيت لإعطائها سمة العصمة والقداسة، ومن أعظمها ضررًا، وأشدها خطرًا تلك التي تتضمن قتل الحجاج والمعتمرين والزائرين، والعدوان على الحرمين الشريفين: بيت الله الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن نصوصهم في ذلك قولهم: «كأني بحمران بن أعين وميسر بن عبدالعزيز يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة»[19]. فهذا النص الخطير المدون في كتابهم «البحار» يتضمن وعدًا لأتباعهم بتحقيق أمنية يتمنونها، ويترقبون حصولها، وهي قتل الحجاج والمعتمرين بين الصفا والمروة، وكانوا يعدون أتباعهم بقرب تحققها حتى إنهم يحددون من يتولى تنفيذ هذه المجازر الدموية بأسمائهم، وهذا الوعد يزعمون تحقيقه على يد مهديهم المعدوم بعد خروجه المزعوم، ومع أن مهديهم أسطورة لا يوجد إلا في أذهان المعممين، لكن الخمينية الجديدة أخرجته في صورة حقيقية بناء على نظرية «ولاية الفقيه العامة» التي تطبق في إيران لأول مرة في تاريخ هذه الطائفة، فهذا القتل من أعمال مهديهم المنتظر الذي يترقبون خروجه منذ مئات السنين، وسيقوم بتنفيذ هذا العمل الإجرامي نيابة عنه أصحاب ولاية الفقيه، لأنه بمقتضى دينهم الجديد تم نقل جميع أعمال مهديهم ووظائفه إلى الولي الفقيه ليتولى تنفيذ جميع أعماله ومهامه بعد أن طالت غيبته وتمادى احتجابه وأيسوا من خروجه، فأخرجته الخمينية في صورة الفقيه، ليقوم الفقيه بنفسه بإصدار الأوامر لتنفيذ مجازره باسم النيابة العامة عن مهديهم.
ولا شك في أن هذا النص وأمثاله يعبر عن تطلعاتهم العدوانية، ويصور أحلامهم المريضة وأهدافهم الخطيرة.
وجاء في نصوصهم أنهم يخصون المشرفين على أعمال المسجد الحرام والقائمين على تهيئته للحجاج والمعتمرين بالقتل والتمثيل بأجسادهم، تقول نصوصهم: «كيف بكم [يعني: حُجّاب الكعبة كما يعبر النص] لو قد قطعت أيديكم وأرجلكم وعلقت في الكعبة، ثم يقال لكم: نادوا نحن سراق الكعبة؟»[20].
ونص ثانٍ يقول: «إذا قام المهدي هدم المسجد الحرام، وقطع أيدي بني شيبة وعلقها بالكعبة وكتب عليها: هؤلاء سراق الكعبة»[21].
ونص ثالث يقول: «يجرد السيف - يعني مهديهم المزعوم - على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجًا، فأول ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة، وينادي مناديه: هؤلاء سراق الله، ثم يتناول قريشًا فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف»[22].
هذه النصوص وأمثالها تصور الرغبة الكامنة في نفوس هذه الفئة للانتقام من صالحي المسلمين الذين يجاورون في الحرم، وتخص منهم من يتولى الإشراف على شؤون الحرمين.
ولكن لماذا يخصون بالتعذيب المشرفين على الحرمين؟! هل لأنهم ينظمون مسيرة الحج ويهيئون المشاعر لاستقبال زوار بيت الله وهذا أمر يسوء هذه الفئة لأنها تنشد الفوضى في هذه المشاعر، وتبحث عما يفرق هذه الجموع المتآلفة من ضيوف الرحمن، ويفسد حجها، إذ إنها ترى في كعبة الله سبحانه منافسًا لمشاهدها وكعباتها؟! أم يخصونهم بهذه الملحمة لأنهم من العرب (من بني شيبة كما يقول النص)، والجنس العربي يحظى في نصوصهم السرية المقدسة بكل رزيئة ومنقصة، ولذا يعدونه بمقتلة رهيبة شاملة لا تبقي فيهم أحدًا، حتى قالوا: «ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح»[23]، وقالوا: «اتق العرب فإن لهم خبر سوء»[24].
إنها مبادئ خطيرة، مدونة في مصادرهم المقدسة، فهل من مدكر قبل فوات الأوان ووقوع الواقعة؟!
ويقولون في نصوصهم: «إن القائم [يعني مهديهم المنتظر] يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أساسه»[25].
فهم يتمنون هدم المسجد الحرام والمسجد النبوي؛ لأنهما لم يبنيا على الأسس التي يريدونها، إنما أسسا على التوحيد، أما هؤلاء فلا يريدون سوى تأسيس الشرك وإحياء الوثنية وبعث دين المشركين، فهم يتمنون اليوم الذي يأتي ليهدم فيه بيت الله الحرام الذي جعله الله مثابة للناس وأمنًا بدعوى ردهما إلى أساسهما!
ثم هم لا يريدون لأمة الإسلام أن تجتمع، ولا لمشاعر المسلمين ومقدساتهم أن تحظى بالعمارة والتوسعة، ولا لحجاج بيت الله وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينعموا بالراحة والأمن والاستقرار، ولا لدين الله عز وجل الغلبة والظهور، فهم وضعوا مشاهدهم ومزاراتهم في كربلاء وقم والنجف وغيرها ليصرفوا المسلمين عن قبلتهم ومشاعرهم، فلما لم تتحقق أهدافهم، ولم يكن لمساعيهم في ذلك إلا الفشل تمنوا هدم الحرمين المقدسين.
وستبقى هذه الأماني والوعود من هذه الطائفة لأتباعها عارًا عليهم وفضيحة لهم أبد الدهر، تكشف ما تضمره قلوبهم وتنطوي عليه جوانحهم تجاه الحرمين الشريفين، ونحن على يقين بموعود الله لنصرة دينه وأوليائه، وهؤلاء أمة مخذولة، ليس لهم دنيا منصورة، فكيدهم في بوار وسعيهم في تباب، وهذه الخطط الخطيرة حول الحرمين ليست من معتقدات الشيعة الرافضة البائدة فحسب بل هي أيضًا اعتقاد المعاصرين، وثابتة في مصادر يعدها رافضة هذا العصر مصادر معتمدة لهم في التلقي، يستمدون منها عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم، ويقوم عليها دينهم، ولذا يصفونها بـ«صحاح الإمامية»[26]، ويسميها الدستور الإيراني في مادته الثانية «سنة المعصومين»[27]، كما مر.
ولذلك فإن آياتهم في هذا العصر يتنبؤون بتحقيقها، بل ويقررون وقوعها؛ يقول شيخهم المعاصر محمد الصدر[28]: «إنه [يعني مهديهم] سيقوم بتقليص حجم المسجد الحرام وإرجاعه إلى أسسه، وبذلك لا تبقى ربع المسافة التي عليها المسجد الحرام في العصر الحاضر، وخاصة بعد التوسيعات الضخمة التي أدخلت عليه أخيرًا[29]»[30].
ثم يكشف شيخهم الصدر - بكل صراحة - هدفهم من هدم المسجد الحرام وأنه منع المتطوعين من الطائفين والزائرين والعابدين، فيقول ما نصه: إن مهديهم يقوم بـ«منع الطواف المستحب»، ولم يجرؤ أن يصرح بمنع الطواف كلية، مع أن نصهم السابق يقرر قيامهم بقتل الحجاج والمعتمرين بين الصفا والمروة، ويؤكد هذا الهدف بتعيين وسيلة القتل، واسم من يقوم به، وهذا يعني أن منع الطائفين يتم بقوة الحديد والنار تجاه مسلمين عزل جاؤوا للحج والعمرة.
ثم يقول: «فتعطى القدمة [يعني: الأولوية أو الأحقية]لصاحب الفريضة، وبذلك يقل عدد الطائفين بالبيت إلى حد كبير».
هذا التفسير لم يأت به نصهم ولكنه محاولة من مرجعهم المعاصر لتخفيف وقع النص الخطير - الذي يتضمن هدم الحرمين - على القارئ، ومع ذلك فقد صرح بالهدف وهو تقليص عدد الطائفين بالبيت إلى حد كبير. إذن الهدف بكل صراحة محاربة مقدسات المسلمين والكيد لزوارها وقاصديها.
بل يخطط الرافضة لانتزاع الحجر الأسود من مكانه، ويعدون أتباعهم بحتمية وقوعه، فيقولون: «يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عز وجل ما لم يحب أحد من فضل، مصلاكم بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس ومصلى إبراهيم.. ولا تذهب الأيام والليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه»[31].
هكذا ينفثون في رُوع أتباعهم فضل مشاهدهم، ويوحون إليهم زورًا وبهتانًا أنها مواطن صلاة الأنبياء ومواضع عباداتهم، فلسان حالهم يقول: ما لكم تتجهون إلى الكعبة وتدَعون النجف وكربلاء وهي مقصد الأنبياء، وسينتقل الحجر الأسود في مقتبل الأيام إليها ليوضع في مشاهدها، ولا يبقى للكعبة مزية ولا فضل؟!
إنها خطة لإحياء الوثنية البائدة، وسعي حثيث لجعل مواطن الشرك وعبادة غير الله عز وجل التي يسمونها المشاهد بديلًا عن الحرمين الشريفين، كبرت كلمة تخرج من أفواههم أو تسطرها أقلامهم، ويا ليت هؤلاء يتركون المسلمين ومقدساتهم، وينصرفون إلى مشاهدهم، ونتعاون نحن وإياهم كما تتعاون الدول المختلفة في العقائد والأديان، كما قال الشيخ محمد بهجة البيطار - رحمه الله - بعدما اكتشف حقيقتهم[32]، لكنهم لم ولن يفعلوا.
إنهم يخططون للعدوان على بيت الله الحرام، بل ويسعون إلى انتزاع الحجر الأسود من بيت الله ونصبه في مشاهدهم التي هي مواطن الشرك والوثنية، وهكذا لما لم يتمكنوا أو يمكنوا من إعلان شركهم في حرم الله راموا تخريب بيت الله ونهب الحجر الأسود منه وإقامته في مشاهدهم، وهذه النصوص هي أساطير أملتها أحلامهم المريضة، لكنها مع ذلك تكشف أهدافهم ومخططاتهم، إذ هي «إسقاطات» لرغبات مكبوتة ونوازع خفية لهذه الزمرة الحاقدة على المسلمين ومقدساتهم.
ومن قبل فعل أسلافهم في الحجر الأسود ما فعلوا، حيث اقتلعه القرامطة الباطنية في أحداث سنة 317هـ، وحملوه إلى البحرين ثم نقلوه بعد ذلك إلى الكوفة[33]، وقد بقي في حوزتهم قرابة اثنتين وعشرين سنة، حتى تم استخلاصه من أيديهم ورد بعد ذلك من الكوفة إلى مكة، على يد أبي إسحاق إبراهيم بن محمد النيسابوري، شيخ نيسابور في عصره وأحد العباد المجتهدين والمتوفى سنة 362هـ.
ولا يزال أحفاد هؤلاء الباطنيين تراودهم الأماني لتخريب بيت الله واقتلاع الحجر الأسود منه، وما محاولاتهم لإثارة الفتن في حرم الله مرات - في عصرنا - إلا تعبير عما تكنه صدورهم، وتطبيق لما تنطق به نصوصهم، فهل من مدكر؟ «ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين».
وإذا اتجهنا ناحية المدينة النبوية نجد أن أمانيهم السوداء وأحلامهم المريضة لم تدعها دون تهديد ووعيد، فصبوا جام حقدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى خليفتيه الراشدين اللذين أقاما دولة الإسلام من بعده ونشرا دين الإسلام في العالمين، لقد بلغ من كيدهم وعظيم حقدهم على رسول الإسلام وعظماء الإسلام أنهم يمنون أتباعهم بهدم الحجرة النبوية مع هدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتطلعون إلى نبش قبري عظيمي الإسلام الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، حيث جاء في أخبارهم أن منتظرهم يقول: «وأجيء إلى يثرب، فأهدم الحجرة، وأخرج من بها وهما طريّان، فآمر بهما تجاه البقيع وآمر بخشبتين يصلبان عليهما»[34].
ومن العلم الخفي المجهول أن المجيء إلى يثرب كان من قبل معلقًا على وهم خروج مهديهم المزعوم، لكنه اليوم أصبح حقيقة قائمة وفق عقيدة ولاية الفقيه الخمينية، ذلك الخطر الأكبر المجهول[35].
ولقد جاء على لسان أحد آياتهم في هذا العصر أن كل شيعي يترقب تحقق هذه الأحلام المريضة والأماني الحاقدة، حيث قال شيخهم وآيتهم حسين الخراساني: «إن طوائف الشيعة يترقبون من حين لآخر أن يومًا قريبًا آتيًا يفتح لهم تلك الأراضي المقدسة»[36].
فهو يحلم بفتحها وكأنها بيد كفار، ذلك أن لهم أهدافهم المبيتة ضد الديار المقدسة.
وحين قامت ثورة الآيات الأخيرة بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدروهم أكبر، ففي احتفال رسمي وجماهيري أقيم في عبادان في 17/3/1979م تأييدًا لثورة خميني ألقى أحد شيوخهم (د. محمد مهدي صادقي) خطبة في هذا الاحتفال سجلت باللغتين العربية والفارسية، ووصفتها الإذاعة بأنها مهمة، ومما جاء في هذه الخطبة: «أصرح يا إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن مكة المكرمة حرم الله الآمن يحتلها شرذمة أشد من اليهود»[37]، ثم ذكر أنه حين تثبت ثورتهم على أقدامها سينتقلون إلى القدس ومكة المكرمة وأفغانستان[38].
وهكذا يرى أن مكة - وهي تستقبل كل عام الحجيج من كل فج عميق ويرتفع عليها علم التوحيد ويأمن فيها كل معتمر وحاج - يرى أن هذا كوضع القدس الذي يحتله اليهود! فأي هدف ينشده في السير إلى مكة؟ إنه ما أفصحت عنه نصوصهم التي تهدد بقتل الحجاج بين الصفا والمروة.
وقد نشرت مجلة الشهيد الإيراني - لسان حال علماء الشيعة في قم - في العدد 46 الصادر بتاريخ 16 شوال 1400هـ، صورة تمثل الكعبة المشرفة وإلى جانبها صورة المسجد الأقصى المبارك وبينهما (يد قابضة على بندقية) وتحتها تعليق نصه: «سنحرر القبلتين»[39][40].
هذا ما يقولون، وما يتمنون، وقد عرضنا شيئًا منه موثقًا من مصادرهم المعتمدة لديهم لكشف خططهم ضد مقدسات المسلمين، وما تنطوي عليه من عداء كبير وحقد ضخم دفين في دراسة موسعة بعنوان «بروتوكولات آيات قم»، وبرغم ضخامة الكيد، وخبث النية، وفساد الطوية، فإننا على يقين بأن الله ناصر دينه، وحافظ بيته المطهر، إن لدينا وعدًا صادقًا، وخبرًا ثابتًا بأن مكة وما حولها محفوظة بحفظ الله عز وجل.
عن الحارث بن مالك قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يقول: «لا تُغزى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة»[41]، «وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن جيشًا سيخسف به لأنه يغزو الكعبة»[42]، وأكبر فتنة في الدنيا منذ أولها إلى قيام الساعة هي فتنة الدجال، وحرام عليه أن يدخل مكة ولا المدينة، ولا يلوثهما بأقدامه النجسة.
ونعلم علم اليقين أنه لما جاء أبرهة الأشرم بجيشه غازيًا الكعبة سلط الله تعالى عليهم طيرًا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول، وأنزل الله سبحانه في ذلك سورة تتلى إلى يوم القيامة، لتكون آية للمعتبرين.
ولذلك ستظل مكة بإذن الله عز وجل مأوى أفئدة المؤمنين ومقصد الحجاج والمعتمرين.
روى البخاري عن أبي سعيد الخدري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليُحجَّنَّ البيت وليعتمرنَّ بعد خروج يأجوج ومأجوج»[43].
[1] انظر: «دائرة المعارف الإسلامية» (14/68)، «مستدرك الوسائل» (3/311)، «روح الإسلام» لأمير علي (2/92)، «أصل الشيعة وأصولها» (ص92)، «الشيعة في التاريخ» للعاملي (ص43)، «الغلو والفرق الغالية» (ص82)، «أصول الدين وفروعه عند الشيعة» لأحمد زكي تفاحة (ص21)، «الشيعة والتشيع» لإحسان إلهي ظهير (ص9)، «مجلة كلية الدراسات الإسلامية» (العدد الأول، 1387هـ، ص35).
[2] «الشيعة في الميزان» مغنية (ص182).
[3] انظر مقالنا: «التشيع الصفوي»، منشور بمجلة البيان.
[4] «الدستور» (ص15-16).
[5] منهاج عملي للتقريب (مقال للرافضي محمد الحائري ضمن كتاب الوحدة الإسلامية ص233).
[6] «بحار الأنوار» (1/26-27).
[7] «الكافي» (2/222)، «وسائل الشيعة» (16/236)، «بحار الأنوار» (72/73).
[8] «بصائر الدرجات» (ص49)، «بحار الأنوار» (2/71).
[9] «الكافي» (2/222).
[10] «الكافي» (2/224).
[11] «بحار الأنوار» (2/192).
[12] «الكافي» (2/221).
[13] «بحار الأنوار» (2/182-212).
[14] «الشيعة في الميزان» (ص49).
[15] «الكافي» (2/217).
[16] «منهاج السنة النبوية» (3/451).
[17] «الصارم المسلول» (ص586).
[18] «النواقض» (ص 109، 110 مخطوط).
[19] «بحار الأنوار» للمجلسي (53/ 40)، وعزاه إلى «الاختصاص» للمفيد.
[20] «الغيبة» للنعماني (ص156).
[21] «الإرشاد» للمفيد (ص411)، وانظر: «الغيبة» للطوسي (ص282)، «بحار الأنوار» (52/338).
[22] «الغيبة» (ص209).
[23] «الغيبة» للنعماني (ص241)، «بحار الأنوار» (52/350).
[24] «الغيبة» للطوسي (ص4769، «بحار الأنوار» (52/333).
[25] «الغيبة» للطوسي (ص282)، «بحار الأنوار» (52/338).
[26] منهاج عملي للتقريب (مقال للرافضي محمد الحائري ضمن كتاب «الوحدة الإسلامية» ص233).
[27] «الدستور الإيراني» (ص15-16).
[28] هو محمد بن محمد صادق بن محمد مهدي بن إسماعيل الصدر، المرجع الشيعي العراقي، اغتيل مع اثنين من أولاده عام 1999م، وهو والد مقتدى الصدر، زعيم جيش المهدي بالعراق حاليًا.
[29] هذا التقرير كتب قبل التوسعة السعودية الهائلة التي حدثت مؤخرًا، كما يدل عليه تاريخ طبع الكتاب.
[30] «تاريخ ما بعد الظهور» ص828.
[31] «بحار الأنوار» (97/390).
[32] انظر: «الإسلام والصحابة الكرام بين السنة والشيعة» محمد بهجة البيطار (ص116).
[33] انظر: كتب التاريخ في حوادث سنة 317هـ وما بعدها، وانظر: «الفرق بين الفرق» للبغدادي ص290-291.
[34] «بحار الأنوار» (53/104-105).
[35] راجع: «ولاية الفقيه.. الخطر الأكبر المجهول» المنشور بمجلة البيان (عدد 333).
[36] «الإسلام على ضوء التشيع» (ص132-133).
[37] تعد الرافضة جميع المسلمين أشد كفرًا من اليهود والنصارى، انظر - مثلًا - ما قاله شيخهم الملقب عندهم بالعلامة في كتابه «الألفين» (ص3).
[38] أذيعت الخطبة من «صوت الثورة الإسلامية» من عبادان الساعة 12 ظهرًا من يوم 17/3/1979م، وانظر: «وجاء دور المجوس» (ص344).
[39] انظر: مجلة الشهيد، العدد المذكور، وانظر: جريدة المدينة السعودية الصادرة في 27 ذي القعدة 1400هـ، وانظر ما كتبه الشيخ محمد عبدالقادر آزاد، رئيس مجلس علماء باكستان عما شاهده أثناء زيارته لإيران، حيث يقول ذكر أنه رأى على جدران فندق هيلتون في طهران الذي يقيمون فيه شعارات مكتوبًا عليها: «سنحرر الكعبة والقدس وفلسطين من أيدي الكفار...» انظر: «الفتنة الخمينية» للشيخ محمد آزاد (ص9).
[40] «بروتوكولات آيات قم» (ص75-76).
[41] رواه الترمذي (ح1611) وسنده حسن.
[42] رواه البخاري (ح2012)، ومسلم (ح2882).
[43] رواه البخاري (ح1516).