الصحة البدنية
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
من وسائل نيل الصحة البدنية: الحرص على تناول الأغذية المفيدة, النافعة, المباركة, وقد جاء وصف بعضها بالبركة, وما دام أنها مباركة فهي نافعه للبدن, ومنها:
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالصحة نعمة عظمى من الله عز وجل, فعن ابن عباس رضي الله عنهما, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة, والفراغ » [أخرجه البخاري] وأخرجه الدارمي ولفظه: «إن الصحة والفراغ نعمتان من نعم الله, مغبون فيهما كثير من الناس» فالصحة من نعم الله عز وجل على عبده, وهي قسمان: صحة بدنية, وصحة نفسية, من تمتع بهما مع الإيمان والعلم والتقوى فقد نال خيراً كثيراً.
وللتمتع بالصحة البدنية, التي تقي الإنسان الأمراض والأوجاع, التي تكدره وتمنعه مما يعمل صحيحاً معافاً, وسائل, منها:
عدم الإسراف في المآكل والمشارب:
قال الله عز وجل: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [سورة الأعراف/31] قال العلامة السعدي رحمه الله: والإسراف, إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي, والشره في المأكولات التي تضرّ بالجسم, وإما بزيادة الترفه والتنوق في المآكل والمشارب,...وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام.
فالمسلم يأكل ويشرب ما يحتاج جسمه, مما يقويه على أمور دينه ودنياه, بخلاف الكافر, الذي يأكل الطعام الكثير, فعن ابن عمر رضي الله عنهما, قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إن المؤمن يأكُلُ في معي واحد وإن الكافر أو المنافق يأكُلُ في سبعة أمعاء» [متفق عليه]
فمن رام صحة بدنه فلا يملأ معدته من الطعام والشراب, فعن المقدام بن يكرب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه! بحسب ابن آدم أُكُلات يقمن صُلبه فإن كان لا محالة فثُلث لطعامه وثُلُث لشرابه وثُلُث لنفسه» [أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح] قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : هذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها.
وليعلم المسلم أن تقليل الغذاء لا يقتصر أثره النافع على البدن فقط, بل يتعدى ذلك إلى القلب, والنفس, قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: أما منافعه بالنسبة إلى القلب وصلاحه, فإن قلة الغذاء توجب رقة القلب, وقوة الفهم, وانكسار النفس, وضعف الهوى, والغضب, وكثرة الغذاء توجب ضدَّ ذلك.
ففضول الطعام والشراب لها تأثيرها السيء على قلب الإنسان ونفسيته, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم...هذه الفضول تستحيل آلاماً وغموماً, وهموماً في القلب, تخصره, وتحبسه, وتضيقه.
فليحذر المسلم من كثرة ألوان الطعام والشراب, فعن أبي أمامه رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون رجال من أمتي, يأكلون ألوان الطعام, ويشربون ألوان الشراب, ويلبسون ألوان الثياب, ويتشدقون في الكلام, فأولئك شرار أمتي» [أخرجه الطبراني في الكبير, وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3663)]
الحرص على تناول الأغذية المفيدة والمباركة:
من وسائل نيل الصحة البدنية: الحرص على تناول الأغذية المفيدة, النافعة, المباركة, وقد جاء وصف بعضها بالبركة, وما دام أنها مباركة فهي نافعه للبدن, ومنها:
التمر:
عن سلمان بن عامر رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة» [أخرجه الترمذي, وقال: حديث حسن صحيح]
ماء زمزم:
عن أبي ذرّ رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ماء زمزم: «إنها مباركة, إنها طعام طعم » [أخرجه مسلم]
زيت الزيتون:
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( « كلوا الزيت وادهنوا به,فإنه من شجرة مباركة» ) [أخرجه الترمذي وصححه الألباني برقم (4498) في صحيح الجامع]
عن بلال رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( «عليكم بقيام الليل, فإنه دأب الصالحين قبلكم, وقُربة إلى الله تعالى, ومنهاة عن الإثم, وتكفير عن السيئات, ومطردة للداء عن الجسد» ) [أخرجه الترمذي, وصححه العلامة الألباني برقم ( 4079) في صحيح الجامع]
قال الإمام المناوي رحمه الله: قال ابن الحاج: وفي قيام الليل من الفوائد أنه يحط الذنوب كما يحط الريح العاصف الورق الجاف من الشجرة, وينور القبر, ويحسن الوجه, ويذهب الكسل, وينشط البدن.
والنشاط في البدن يجعل الإنسان يتمتع بصحة بدنية جيدة.
المشي والرياضة:
المشي والرياضة من أسباب نيل الصحة البدنية, ورسولنا عليه الصلاة والسلام كان يمشي, فعن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: « ما رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم, كأنما الأرضُ تطوى له, وإنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث» .[أخرجه أحمد]
وكان يمشي إلى مسجد قباء, مع بعده عن مسجده بضع كيلومترات, فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما, «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء راكباً وماشياً » [أخرجه البخاري] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر, فسابقته فسبقته على رجلي, فلما حملت اللحم سابقته فسبقني, فقال: ( هذه بتلك السبقة ) [أخرجه أبو داود]
وصحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يمشون, فعن عبدالله بن قيس بن مخرمة قال: «أقبلتُ من مسجد بني عمرو بن عوف بقباء, على بغلة لي قد صليت فيه, فلقيت عبدالله بن عمر ماشياً, فلما رأيته نزلت عن بغلتي, ثم قلتُ: اركب, أي: عم, قال: ابن أخي لو أردت أن أركب الدواب لوجدتها ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي إلى هذا المسجد حتى يأتي فيصلي فيه, فأنا أحبُّ أن أمشي إليه, كما رأيته يمشي, فأبى أن يركب, ومضى على وجهه» .[أخرجه أحمد]
وعن نافع «أن ابن عمر رضي الله عنهما, كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر, ماشياً ذاهباً وراجعاً, ويخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك» .[أخرجه أبو داود]
وعن كريب رضي الله عنه, أنه سأل أسامة بن زيد: «كيف صنعتم حين ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفه ؟ قال: جئنا المزدلفة, فأقام المغرب, ثم أناخ الناس في منازلهم, ولم يحلوا حتى أقام العشاء الآخرة, فصلى, ثم حلوا. قُلتُ: فكيف فعلتم حين أصبحتم ؟ قال: ردفه الفضل بن عباس, وانطلقتُ أنا في سُبَّاق قُريش على رجليَّ» .[أخرجه مسلم]
ومع الرياضة فليمارس الإنسان ما استطاع من ألوان الرياضة البدنية, فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما, أن النبي صلى الله عليه وسلم, مرَّ بقوم يرمون, فقال: ( «رمياً بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً» ) [أخرجه الحاكم]
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه, إلى أبي عبيدة: أن علموا صبيانكم العوم ومقاتلكم الرمي.[أخرجه ابن حبان]
العمل البدني:
العمل البدني من وسائل نيل الصحة البدنية, فينبغي عدم الركون إلى الراحة والكسل, فقد كان أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام يعملون بأبدانهم, «فقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته ؟ فقالت: كان يخيط ثوبه ويخصف نعله» [أخرجه أحمد]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( «ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم, وأنا كنتُ أرعاها لأهل مكة بالقراريط» ) [أخرجه البخاري]
وعن المقداد رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( « إن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» ) [أخرجه البخاري] وعن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم:( كان زكريا نجاراً )[أخرجه مسلم]
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «(أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً) فكانت أطولنا يداً زينب, لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق» .[أخرجه أحمد]
اللهم ارزقنا الصحة البدنية التي تكون عوناً لنا على طاعتك وحسن عبادتك.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ