والذين هم لفروجهم حافظون
قال ربنا - تبارك وتعالى-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}
- التصنيفات: قضايا الشباب - تربية النفس -
إنَّ الله لا يَستحيي من الحق، أقول هذه الجملة في بَدء كلامي متأسيًا بأم سليم، حينما جاءت للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "فقالت: يا رسول الله، إنَّ الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «نعم، إذا رأت الماء»؛ رواه البخاري (130)، ومسلم (313) من حديث أم سلمة - رضي الله عنها - فالحق لا يُستحْيَا من ذكره، بل يَجب على طلاب العلماء، وعلماء الأمة - أن يبينوا للناس ما يَحتاجون إليه.
وفي هذا المقال أقف مع قول ربنا - تبارك وتعالى-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المعارج: 29 - 31].
فالواجب على المسلمين - ذكورًا وإناثًا - حِفْظ فروجهم، ومن ذلك حفظها من النظر، إلا بين الزوجين؛ فعن بَهْزِ بن حكيم عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: قلت: "يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك إلاَّ من زوجتك، أو ما ملكت يَمينك» فقال: الرجل يكون مع الرجل، قال: «إن استطعت أن لا يراها أحد، فافعل» قلت: والرجل يكون خاليًا، قال: «فالله أحق أن يستحيا منه» رواه أحمد (19530)، وغيره بإسناد حسن.
ويؤخذ من الحديث حرمة النظر إلى العورات، سواء مباشرة أم من خلال الصور الثابتة أو المتحركة، فإذا فرط العاصي والعاصية في حفظ فروجهم، وصوروا فُجُورهم، فيحرم النظر إليه، فعليهم ما حملوا، وعلى الناظر ما حمل.
لكن الزوجان لا عورةَ بينهما؛ ((احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك))، وقد كان النبي يغتسل مع بعض نسائه، أما الوارد بخلاف ذلك، فلا يصح، كالمروي عن عائشة - رضي الله عنها - أنَّها قالت: "ما نظرت أو ما رأيت فرجَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – قطُّ"، أو ما يُروى عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: "إذا جامع أحدكم زوجته، فلا ينظر إلى فرجها، فإن ذلك يورث العمى"، فهذه الأحاديث وغيرها الواردة في هذا الباب لا تصح.
ومن حفظ الفرج: حفظه من التمتُّع المحرَّم من وطءٍ بالفرج، أو مباشرة دون ذلك، إلاَّ بين الزوجين، فالوطء بين الزوجين مباحٌ، بل عبادة يؤجر عليها الزَّوجان، فهو من أسباب تَحصين الفرج عن الحرام، وسبب في الذرية، وغير ذلك من المصالح؛ ففي حديث أبي ذر أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدُنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وِزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له أجرًا» رواه مسلم (1006).
ويَجوز لكل من الزوجين أن يتمتع بالآخر، ويقضي وطره بكلِّ أنواع التمتُّع، سواء كانت المرأة طاهرًا أم حائضًا؛ فعن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يُؤاكلوها، ولم يُجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأنزل الله - تعالى-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] إلى آخر الآية، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم-: «اصنعوا كلَّ شيء إلا النكاح» رواه مسلم (302)، وكلمة "كل" من ألفاظ العموم، فتعم كل أنواع التمتع، إنَّما المحرم أمران، وما عداهما الأصل فيه الإباحة:
الأول: إيلاج الذكر في فرج الزوجة حالَ الحيض؛ لقوله - تعالى -: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]؛ أي: اعتزلوا وطأهن في الفرج، ولقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إلا النكاح».
الثاني: إيلاج الذكر في دبر الزوجة؛ لثبوت نهي النبيِّ عن ذلك؛ قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (14/128): "تيقنًا بطرق لا مَحيد عنها نَهَى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن أدبار النِّساء، وجزمنا بتحريمه" اهـ.
فوطءُ الزوجة في دبرها كبيرة من كبائر الذُّنوب، وهي اللوطية الصُّغرى، فيحرم على المرأة أن تُمكِّن زوجها من ذلك، لكن ما اشتهر عند البعض أنه بمجرد أن يطأ الرجل زوجَتَه في دبرها أنَّها تَحرم عليه، فهذا ليس بصحيح، فليس من أسباب الفرقة اللوطية الصُّغرى، لكن للمرأة أن تطالب بفسخ نكاح هذا الزَّوج من غير أن ترد له المهر.
والمراد بملك اليمين في قوله -تعالى-: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} هي الأمة يَطؤها سيدها.
الخطبة الثانية:
ويؤخذ من قول ربنا - تبارك وتعالى - أحكام: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المعارج: 31] حُرمة الاستمناء، وهو أن يعبث الذَّكر أو الأنثى بفرجه حتى ينزل الماء، ففي الاستمناء إنزال الماء بغير مُباشرة بين الزوجين، فالمستمني مُعتدٍ بنص الآية، لكن يجوز الاستمناءُ إذا كان الأمرُ دائرًا بين الاستمناء أو الوقوع في الفاحشة، فهو من باب ارتكاب أخف الشرين.
ويُؤخذ منه حرمة الزنا، بل حرمته معلومة من الدين بالضرورة، وعقوبته من أغلظ العقوبات الشرعية، وما ذلك إلاَّ بسبب شناعته طبعًا وشرعًا.
ويؤخذ منه حرمة فاحشة اللواط؛ {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80]، بل جرم هذه الفاحشة أشنع من فاحشة الزنا، ففي الزنا يفرق في الحد بين البكر والثيب، أما فاحشة اللواط، فالراجح عدم التفريق، ويقتل اللوطي مطلقًا، بكرًا كان أم ثيبًا؛ سئل ابن عباس في البكر يُؤخذ على اللوطية، قال: "يرجم"؛ رواه أبو داود (4463) بإسناد صحيح.
وينقل بعض أهل العلم إجماع الصَّحابة - رضي الله عنهم - على قتل اللوطي[1]، وإنَّما وقع الخلاف بينهم في صفة قتله، لا في أصل القتل.
ويؤخذ منه حرمة السِّحَاق، وهو إتيان المرأة المرأة، وذلك بأن تلصق الأنثى فرجها بفرج الأنثى، وهو مُحرم بإجماع أهل العلم، وعلى من فعله عقوبة تعزيرية؛ حيث لا حد فيه.
عباد الله:
حينما حرم ربنا علينا الفواحش، حرم الطرق المؤدية لها، فلذا يُخاطبنا ربنا - تبارك وتعالى - بقوله: {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء: 32]، فنهانا عن القرب منه؛ لأن من اقترب منه يقع فيه غالبًا، فحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية؛ لأنه إذا خلا بها زيَّنها الشيطان له.
فمن يَخلو هو أو أبناؤه البالغون بالشغَّالات في البيوت، أو يتنقلون بهن بالسيارة وحدهم - هم على خطر من الوقوع في الفاحشة، فإذا وُجِدت شغالة في البيت، والزوجة تذهب لعمل أو غيره، وتبقى الشغالة وحْدَها في البيت مع الزوج، أو مع الذكور البالغين فقط - فليكن بينهم أبواب مغلقة؛ لتنتفي الخلوة المحرمة، وليقطع على الشيطان طريق التسويل بالفاحشة.
فخلوة غير المحرم بالمرأة من أسباب الوقوع في فاحشة الزنا؛ فعن عقبة بن عامر أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «إياكم والدخول على النساء»، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت»؛ رواه البخاري (5232)، ومسلم (2172)، فقريب الزوج من أخ وابن أخ ونحوهم يدخلون البيتَ، ولا يرتاب بهم، فخطرهم أعظم، فإذا كان من يُخالط النساء من الأقارب غير المحارم، ومهما يكونوا من قلة الخلق والدين، لا بد أن يراعوا حرمةَ القريب، فكيف برجل غريب من سائقٍ ونحوه، فخطرهم أعظم، وتزول الخلوة بالأجنبي إذا كانت أكثر من امرأة، فعلى من ينقل الطالبات أو المعلمات أنْ يَجعل آخر نقطة تنزل منها اثنتان فأكثر، وكذلك تزول الخلوة بالأجنبي إذا كان مع المرأة مميز، ولو لم يكن بالغًا هذا في المدن، أما في السفر، فالواجب هو المحرم البالغ العاقل.
فلنتقِ الله في أنفسنا وفي نسائنا، ولا نعرض مَنِ استرعانا الله عليهن من النساء؛ لأجل أن نتخفف من المسؤولية التي تَجب علينا من الذَّهاب بهن والإياب.
عباد الله:
حينما حرم ربنا علينا الفواحش، حرم الطُّرق المؤدية، فحرم النظر إلى النساء الأجنبيَّات من غير حاجة، وأمرنا بغَضِّ البصر؛ {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]، فالنظر مقدمة من مقدمات الفاحشة.
عباد الله:
حينما حرم ربنا علينا الفواحش، حرم الطرق المؤدية، فحرم ما يثير الغرائز، ويُؤجج الشهوة، فأمر الصِّغار بالاستئذان في الأوقات التي يتبذل فيها الزوجان، والتي هي مظنة تَمتع كل واحد منهما بالآخر؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58].
وأمر بأن ينام كل واحد من الأولاد بمنام خاص به، حينما يبلغون عشر سنين؛ لأنَّ في هذه السن يبدأ تفكير الصَّغير في الشهوة، وربَّما حاول محاكاة ما يسمعه أو يراه؛ فعن عمرو شعيب عن أبيه عن جَدِّه قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مروا أولادكم بالصَّلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»؛ (رواه أبو داود (495) بإسناد حسن).
إخوتي، أختم كلامي بما بدأت به: إنَّ الله لا يستحيي من الحق.
[1] نقل الإجماع ابن القصار، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والشنقيطي؛ انظر: "مجموع الفتاوى"، (11/543)، و"زاد المعاد"، (5/40)، و"إغاثة اللهفان"، (2/144)، و"أضواء البيان"، (3/35)، وتعقب ابن حزم الإجماع في "المحلى"، (11/382 - 385).
______________________________
الكاتب: الشيخ أحمد الزومان