البيت المسلـم

منذ 2021-07-03

نعمة من نِعَم الله - تعالى - على عباده في هذه الحياة، أنْ هيَّأ لهم الأُسرَ والبيوتات، ومنَّ عليهم بالسكن والتجمعات، وجعلها سكنًا ورحمةً، ولباسًا وموَّدة، يتفيَّأ المسلم خلالها عن الحر, ويستدفئُ بها من البرد، وتسترُه عن الأنظار، وتحصنُه من الأعداء.

نعمة من نِعَم الله - تعالى - على عباده في هذه الحياة، أنْ هيَّأ لهم الأُسرَ والبيوتات، ومنَّ عليهم بالسكن والتجمعات، وجعلها سكنًا ورحمةً، ولباسًا وموَّدة، يتفيَّأ المسلم خلالها عن الحر, ويستدفئُ بها من البرد، وتسترُه عن الأنظار، وتحصنُه من الأعداء.

قال - سبحانه وتعالى -: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80].

قال الحافظُ ابنُ كثير - رحمه الله تعالى -: "يذكر - تبارك وتعالى - تمامَ نِعَمه على عبيده، بما جعل لهم من البيوت، التي هي سكن لهم، يأوون إليها ويستترون، وينتفعون بها سائر وجوه الانتفاع".

عباد الله:

لقد جعل الله - تعالى - البيوت سكنًا يأوي إليها أهلُها، تطمئنُّ فيها النفوسُ, وتأمنُ فيها الحرماتُ، وتسترُ فيها الأعراض، ويتربَّى في كنفها الأجيال، وهو - سبحانه وتعالى - يريد بذلك من البيوت أن تكون قلاعَ خيرٍ ومحبةٍ ووئامٍ، وحصونَ برٍّ وحنانٍ وأمانٍ, وديارَ خيرٍ وفضيلة وإحسانٍ.

ويدرك المسلم - يا رعاكم الله - قدرَ نعمة السكن والمأوى على بني آدم، حينما يرى أحوال مَن سُلبوا هذه النعمةَ، من المشرَّدين واللاجئين من إخواننا في العقيدة والدين, الذين يعيشون في الملاجئ، أو على أرصفة الشوارع، حينها يعلم يقينًا معنى التشتُّتِ والحرمان، الناجمينِ عن فقد السكن والمأوى.

كما يدرك المسلم هذه النعمةَ عندما يرى إخوانه في العقيدة في بلادٍ منكوبةٍ من العالم الإسلامي، يتضوَّرون جوعًا في الزمهرير القارس، والحَرِّ المهلك، لا يجدون ملجأً ولا مسكنًا كريمًا، يعيشون أمضَّ عيشةٍ، بلا راحةٍ ولا هدوءٍ، ولا سعادةٍ ولا اطمئنانٍ، استولى الأعداء على بلادهم، فهدَّموا منازلهم، وأقضُّوا مضاجعهم، وكدَّروا ما صفا من عيشهم، والله المستعان، كما تبرز عظمةُ هذه النعمة - نعمةِ السكنِ والمأوى - أمام المسافر واضحةً جليةً، حيث بيَّن ذلك المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «السفر قطعة من العذاب، فإذا قضى أحدكم نَهْمَتَهُ من سفره، فليُعجِّل الرجوع إلى أهله»  (رواه البخاري ومسلم).

معاشر المسلمين:

ومن هنا جاء الاهتمام العظيم في الإسلام بإصلاح البيوت؛ لأن الأسرة هي الدِّعامة الأساس في صرح الأمة، واللبنة الأولى في تكوين المجتمع، فعلى قدر ما تكون اللبنة قويةً يكون البناء راسخًا منيعًا، وكلما كانت ضعيفة كان البناء واهيًا، آيلاً للانهيار والتصدع.

البيت المسلم هو المدرسة الأولى التي يتخرج منها الأعضاءُ الفاعلون في المجتمع، سلبًا أو إيجابًا، ساسةٌ وقادة، علماءُ وقضاةٌ، مربونَ ودعاةٌ، وطلاب ومجاهدون، وزوجاتٌ صالحاتٌ، وأمهاتٌ مربياتٌ.

عباد الله:

لقد سعى الإسلام سعيًا حثيثًا لإصلاح الأسر والبيوت، وبدأ ذلك بالأسس التي يتكوَّن منها البيت المسلم، وفي مقدمة ذلك اختيارُ الزوجة ذاتِ الصلاحِ والدينِ؛ لأنها - بإذن الله تعالى - أهمُّ عوامل الإصلاح للبيت بعد الرجل؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تنكح المرأة لأربعٍ: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربتْ يداك» متفق عليه، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «الدنيا متاع، وخير متاعها الزوجة الصالحة»  (رواه مسلم).

وهذا من جانب الزوج، وأما من ناحية الزوجة فقد أرشدَ الإسلام الأولياءَ إلى اختيار الزوج الصالح، ذي الخُلقِ القويم، والدين المستقيم؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أتاكم مَن ترضَوْنَ خُلقه ودِينه، فزوِّجوه، إلاَّ تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريضٌ»؛(رواه ابن ماجه)، وهو صحيح.

وباجتماع الزوج الصالح والزوجة الصالحة، يُبنى البيتُ الصالح - بإذن الله تعالى - فـ {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} [الأعراف: 58].

كما أمر الإسلام بإحياء البيوت بذكر الله – تعالى - قراءةً لكتاب الله، وصلاةً، وعبادةً، وذكرًا؛ ولذلك كان من سنته - صلى الله عليه وسلم - صلاةُ النافلة في بيته؛ فعن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا» (متفق عليه).

وفي هذا دلالة واضحة على أنه يجب على المسلم أن يجعل في بيته نصيبًا من العبادة، لا سيما الصلاة؛ لتعليم أبنائه وأهله الصلاةَ، وتعويدهم عليها، ونتذكر في هذا المقام أيضًا محرابَ مريمَ، وهو مكان عبادتها، الذي قال الله فيه: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} [آل عمران: 37].

وإن بيتًا يُنشَّأ على طاعة الله - أيها الأخوة - لحريٌّ به أن يكون بيتًا إيمانيًّا، يعظُمُ ثوابُ أهله، ويصفو عيشهم؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رحم الله رجلاً قام من الليل فصلَّى، فأيقظ امرأته فصلَّتْ، فإن أبتْ نَضَحَ في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلَّت، فأيقظت زوجها، فإن أبى نضحتْ في وجهه الماء»  (رواه أحمد وأبو داود)، وقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي مِن الليل، فإذا أوتر قال: «قُومي - يا عائشةُ - فأوتري»  (رواه مسلم).

البيت المسلم حريصٌ أهلُه على الصلاة جماعة، يخرجون إليها مبكِّرين؛ قال - تعالى -: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]، قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: "حافظوا على أبنائكم في الصلاة، وعوِّدهم الخير، فإن الخير عادة"؛ رواه البيهقي.

البيت المسلم معطر بذكر الله وقراءة القرآن، محصن من الشيطان، وقد رغَّب - صلى الله عليه وسلم - في قراءة القرآن في البيوت، لا سيما سورة البقرة؛ لأن قراءتها في البيت تطردُ عنه الشياطين - بإذن الله تعالى - قال - صلى الله عليه وسلم -:  «لا تجعلوا بيوتكم مقابرَ, إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة» (رواه مسلم)، وقال - صلى الله عليه وسلم -:  «إذا دخل الرجل بيتَه، فذَكَر اسم الله - تعالى - حين يدخل وحين يَطعم - قال الشيطان [يعني لأصحابه]-: لا مبيتَ لكم ولا عشاء ها هنا، وإن دخل فلم يَذكُر اسم الله عند دخوله، قال: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه، قال: أدركتم المبيت والعشاء» (رواه مسلم وأحمد)، وقال - صلى الله عليه وسلم -:«إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكَّلتُ على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له: حسبك، قد هديت، وكُفِيت، ووُقِيت، فيتنحى له الشيطان، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجلٍ قد هُدي، وكُفي، ووُقي»؟؛ (رواه أبو داود والترمذي) ، وهو في "صحيح الجامع" رقم 499.

كما بيَّن - صلى الله عليه وسلم - الفرقَ بين البيت الذي يُذكر الله فيه، والبيتِ الذي لا يُذكر الله فيه، فقال: «مَثلُ البيت الذي يُذكر الله فيه، والذي لا يذكر الله مَثلُ الحي والميت»  (رواه البخاري ومسلم).

وكم في بيوت المسلمين - يا عباد الله - من بيوت ميتة؛ بل هي في الحقيقة مأوى للجن والشياطين، بعيدةٌ عن ذكر الله، مليئةٌ بالفساد والمنكرات، لا يُسمعُ فيها إلا مزاميرُ الشياطين، وأصواتُ المطربين والمطربات؛ {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19]، وما أقبحَ البيوتَ إذا خلتْ من ذكر الله، فاجتالتْها الشياطينُ، وعششت فيها وفرخت، فصارت قبورًا موحشةً، وأطلالاً خربةً، فعميت قلوبُ ساكنيها، وابتعدت عنها الملائكة.

البيت المسلم مأمور بحسن الجوار؛ قال – تعالى -: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: 36]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيُوَرِّثه»، والإحسان إلى الجار يكون بالسلام عليه، والبشاشة في وجهه، وتعهده بالزيارة، وإسداء الهدية والنصح له، والفرح لفرحه، والتألم لألمه، وكف الأذى عنه؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليس منا مِن لم يأمَن جارُه بوائقَه».

البيت المسلم مطهر من صوت إبليس؛ قال - تعالى -: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64]، قال مجاهد: صوت الشيطان الغناء، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليكوننَّ من أمتي أقوام يستحلُّون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف»؛ رواه البخاري، قال الوليد بن يزيد: "إياكم والغناءَ؛ فإنه يَنقص الحياءَ، ويزيد الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لَيَنوبُ عن الخمر، ويفعل ما يفعله السكر"، وقال الإمام أبو حنيفة: الاستماع إلى الأغاني فسق، قال مالك: إنما يفعله الفساق، قال الإمام أحمد: "الغناء يُنْبِت النفاق في القلب، لا يعجبني". 

البيت المسلم مُطَهَّر من التصاليب؛ لأنها شعار النصارى؛ قالت عائشة - رضي الله عنها -: "لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه"؛ رواه البخاري وأبو داود، وقد انتشرت التصاليب في بيوت المسلمين في السجاد، والستائر، ونقوش الحائط، فتنبَّه - أخي الموحِّد - ولا تكن من الغافلين.

البيت المسلم سليم من المخالفات التي نهى عنها اللهُ ورسوله؛ عن أبي طلحة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورةٌ» (متفق عليه).

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَن اقتنى كلبًا، إلا كلبَ صيدٍ أو ماشيةٍ، فإنه يَنقصُ من أجره كُلَّ يوم قيراطان» وفي روايةٍ: «قيراطٌ واحد» (متفق عليه).

ألا، فاتقوا الله - أيها المسلمون - وتمسكوا بهدي رسوله الأمين، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

البيت المسلم يُعنى بحسن تربية الأولاد؛ امتثالاً لقوله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، والتربية مسؤولية ملقاة على عاتق الوالدين؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راعٍ ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها».

وإحسان تربية الأولاد يجعلهم ذخرًا لوالديهم يوم القيامة؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله - عز وجل - لَيرفعُ الدرجةَ للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب، أنَّى لي هذا؟! فيقول: باستغفار ولدك لك» (رواه أحمد)، كما أن حسن التربية سبب لثناء الناس على الوالدين، وسوء التربية يجلب الشتمَ والإهانة لهما؛ بسبب أفعال الأولاد.

البيت المسلم مؤسس على تقوى من الله ورضوان، ولا يدخله إلا أهلُ التقوى والإيمان من العلماء، والدعاة، والأخيار، وصالحي الإخوان؛ قال الله - تعالى - عن نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح: 28]، والمؤمن الفطن - عباد الله - يختار الصالحين لصحبة أولاده؛ قال - تعالى -: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المِسْك ونافخ الكير؛ فحاملُ المسك: إما أن يُحذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيِّبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة»  (متفق عليه).

عَنِ  المَرْءِ  لاَ  تَسْأَلْ  وَسَلْ  عَنْ  قَرِينِهِ   ***     فَكُلُّ     قَرِينٍ      بِالمُقَارَنِ      يَقْتَدِي
إِذَا كُنْتَ فِي  قَوْمٍ  فَصَاحِبْ  خِيَارَهُـمْ   ***     وَلاَ تَصْحَبِ الأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي

قال - صلى الله عليه وسلم -: «المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدُكم مَن يخالل»  (رواه الترمذي وأبو داود). قال سفيان بن عيينة في تفسيره لهذا الحديث: انظروا إلى فرعون معه هامان، وانظروا إلى الحجاج معه يزيد بن أبي مسلم، أشر منه، وانظروا إلى سليمان بن عبدالملك، صحِبه رجاءُ بن حيوة - أحد الأعلام الأفاضل - فقوَّمه وسدَّده.

والصحبة السيئة مصدر خطر كبير، فكم من شخص تحطم وانتكس، وتبلَّد حسه، ووهنت مشاعره؛ بسبب الرفقة السيئة، وكم من إنسان فسَدتْ أخلاقه، وانهدم بيته، وطلقت زوجته، وتحطمت حياته، وانسلخ من دينه وحيائه؛ بسبب الرفقة السيئة.

ربُّ البيت المسلم لا ينشغل عن تدبير شؤون بيته وأسرته، بحجة العمل والارتباطات؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن لنفسك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا» إن بعض الآباء - هداهم الله - يضِنُّ على أسرته وزوجته بساعة في اليوم، ويوم في الأسبوع، يقضي حاجاتهم، ويصلح شؤونهم، ويلعب معهم، يحاورهم، يناقشهم، وللأب - عباد الله - دور مهم في توجيه وتربية الأسرة، لا يمكن أن تقوم الزوجة به، فتعاونْ - أخي في الله - مع زوجك لحفظ أولادك، وتربيتهم، ومتابعتهم بالمشورة والحوار، وسماع الرأي الآخر برفق ولين.

والمرأة التي تخرج للعمل وتترك الأولاد، لتربيهم الخادمات، ويرعاهم السائقون ويقومون عليهم، فالخادمات مصدر خطر على الأطفال، فبعضهم تَعلَّم صلاةَ النصارى من الخادمة، ومهما بلغ حرص الخادمة على تربية الأولاد، فلا يمكن أن يبلغ حرص الأم، خادمةٌ في أحد البيوت تتعاطى السحر والشعوذة، وتضر بأهله، أخرى تعذب الأطفال, وثالثة تسمم الطعام، ناهيكم عن جرائم القتل، وهتك الأعراض.

وَهَلْ يُرْجَى لأَطْفَالٍ  كَمَالٌ   ***   إِذَا ارْتَضَعُوا ثُدَيَّ النَّاقِصَاتِ

الخادمة في البيت أجنبية؛ لا تحل الخلوة بها، ولا النظر إليها؛ {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور: 30]، كما يجب أن تحجب الخادمة، وتتحجب عن الرجال البالغين، والشباب المراهقين؛ {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]، كما أن الذهاب مع السائق بدون مَحرَم - خلوة محرَّمة؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يخلوَنَّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثَهما».

البيت المسلم - عباد الله - يجب أن يصان من المجلات الهابطة، والقنوات الماجنة، ومواقع الإنترنت غير اللائقة، قال أحد الفضلاء:

اسْمَعْ كَلاَمِي يَا حَبِيبِي وَاضِحًا مِنْ غَيْرِ  غِشّْ   ***   فِيمَا   يُسَمِّيهِ   الأَنَامُ   بِعَصْرِنَا   طَبَقًا   وَدِشّْ
هُوَ   بُوقُ   تَنْصِيرٍ   لِقِسِّيسٍ    لَئِيمٍ    مُنْتَفِشْ   ***   هُوَ ضَحْكَةٌ سَكْرَى تَرِنُّ وَصَوْتُ عُهْرٍ يَرْتَعِــشْ

 

ومن مات وقد أدخل القنوات الماجنة إلى بيته، فيُخشى عليه من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن استرعاه الله رعيةً، فمات وهو غاشٌّ لهم؛ لم يَرُح رائحةَ الجنة» على الوالدين - عباد الله - أن يحذَرا ويحذِّرا أولادهما من الاستخدام السيئ للإنترنت، فـ90 % من المستخدمين للشبكة من شباب المسلمين، يدخلون المواقع المحرمة، وهناك أكثر من 400000 موقعٍ إباحي على هذه الشبكة، ومن البلايا دخول المرأة المسلمة على هذه الشبكة، وما جر ذلك من ويلات ومآسٍ: محادثة الشباب بألفاظ بذيئة، مبادلتهم الصور الماجنة والخليعة، إهمال خدمة البيت والأولاد والدراسة.

البيت المسلم متميز في إسلامه، يوالي ويحب في الله، ويعادي ويبغض في الله، ولا يتشبه بأعداء الله، ولا يقلِّدهم, ولا يشاركهم أعيادَهم الشركية والبدعية؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «مَن تشبَّه بقوم، فهو منهم».

البيت المسلم يُحافَظ فيه على الفطرة، فالرجل يحافظ على رجولته، والمرأة تحافظ على أنوثتها؛ فيُصان الأولادُ عن التشبه بالنساء، والبناتُ عن التشبه بالرجال، إنَّ تشبُّه أحد الجنسين بالآخر، ومظاهر التميع والتفرنج - بابُ شر، ووسيلة لإشاعة الانحلال في المجتمع، وفتح لأبواب الفساد؛ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «لَعَنَ رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» (رواه البخاري)، وعنه - رضي الله عنه - قال: «لعن رسول الله المخنثين من الرجال، والمُتَرَجِّلات من النساء»  (رواه البخاري).

والتشبه قد يكون بالحركات والسكنات، والمشية والكلام، وقد يكون في اللباس؛ كلبس الرجل للقلائد والأساور والأقراط، وكأن تلبس المرأة ما اختص به الرجل؛ كالقميص والثوب؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله الرجلَ يَلبس لبسةَ المرأة، والمرأةَ تلبس لبسة الرجل» (رواه أبو داود).

فيأيها الأب المسلم، ويا أيها الزوج المؤمن:

اتقوا الله - تعالى - واعلموا أن بيوتكم أمانة في أعناقكم، استرعاكم الله على مَن فيها مِن الزوجات والأولاد، والله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعى: أحَفِظَ أم ضيَّع؟ فيا خيبةَ مَن ضيع الأمانة، وأساء التربية!

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التحريم: 6، 7].

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين....

  • 6
  • 0
  • 9,023

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً