فضل عشر الأضحى
قالﷺ «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».
عباد الله: اتقوا الله تعالى حقَّ تقواه، وتَعرَّضوا لأسباب رحمتِه ومغفرتِه، واعملوا كل سببٍ يُوصلكم إلى رضوانه، ويُقربُّكم مِن جنَّته، ويُباعدُكم عن ناره، فإنَّ رحمةَ الله قريبٌ مِن المُحسنين، وتذكَّروا أنَّكم في غدِكُم القريب داخَلونَ في أيَّامٍ جليلة فاضلة مُعظَّمة، هي أعظَم أيَّامِ السَّنة، إنَّها العشْرُ الأُوَل مِن شهر ذي الحِجَّة، أحد الأشهر الأربعة الحُرم، وقد نوَّه الله ــ جلَّ وعلا ــ في كتابه العزيز بشأنها، وعظَّمَها، وأنَّها أيَّامُ ذِكرٍ لَه سبحانه، فقال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]، وأعْلَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أمْرَها وأكْبَرَه وأظهَره، فصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».
وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أفضل أيام الدنيا أيام العشر ».
وقد دَلَّ هذا الحديثُ النَّبويُّ على: عِظَمِ شأنِ أيَّام العشرِ عند الله سبحانه، بل إنَّ أهلَ العلم قد نصُّوا على أنَّها أفضلُ أيَّامِ السَّنَة.
ودَلَّ الحديثُ أيضًا على: أنَّ التَّقرُبَ إلى الله بالأعمال الصالحة في أيَّام العشرِ أحَبُّ إليه سبحانه مِن التَّقرُبِ في سائر أيَّام الدنيا.
وقد اكتسبت هذه العشر الفضلَ والخيرية من خلال اشتمالها على أمهات العبادات؛ من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج، وذكر الله تعالى، وذلك خصيصة انفردت بها هذه العشر عن سائر أيام السَّنة.
إنَّ مِن جُملةِ العبادات التي يَجْدُرُ أنْ نَهتمَّ بِها أيَّامَ العشرِ ونَتزوَّدَ مِنها كثيرًا، ونُسارِعَ إليها حثيثًا، من هذه العبادات:
أولًا: صيام الأيَّامِ التِّسعَةِ الأُوَلِ مِنها، فصيامها مُستَحبٌّ عند الأئمة الأربعة، وغيرهم مِن أهل العلم، وكان صيامُها مشهورًا عند السّلف الصالح مِن الصحابة، والتابعين، فمَن بعدَهم.
وثانيًا: الإكثار مِن تلاوة القرآن، ومَن قوِيَ على ختْمِهِ مرَّةً فأكثر، فقد أسْدَى إلى نفسه خيرًا كبيرًا.
وثالثًا: الإكثار مِن الصدقة على الفقراء وفي سائرِ طُرقِ البِرِّ، وإعانة إخوانِكم المسلمين، وتفريج كُرَبِهِم.
ورابعًا: المحافظة على صلاة الفريضة في أوقاتها، ومع الجماعة، والحرص على النَّوافل كالسُّنَنِ الرَّواتِب، وصلاةِ الضُّحى، وسُنَّةِ الوضوء وقيامِ الليلِ، والوترِ.
وخامسًا: الإكثار مِن ذِكرِ الله ودعائِه وتسبيحِه وتحميدِه وتهليلِه واستغفارِه في سائر الأوقات، تَفعلُ ذلك وأنت في بيتكَ وسيارتكَ وعملك، وحين دخولكَ وخروجكَ ومشيِك، فذلكَ يسيرٌ جدًا على اللسان، وعظيمٌ في الأجْر.
وسادسًا: تكبير اللهِ ــ عزَّ وجلَّ ــ فيها، والإكثار مِنه، مع الجَهرِ بِه، فتقولَ: “الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد”، فقد جَرَى على هذا التكبير في أيِّام العشرِ عمَلُ السَّلف الصالح مِن أهل القُرون الأُولى، وعلى رأسهم أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
حيث قال الإمامُ البُخاريُّ ــ رحمَه الله ــ في "صحيحه": « وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ ــ رضي الله عنهما ــ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا ».
ويبدأ الكبير من أول ليلة من ليالي العشر إلى آخر أيام التشريق.
عباد الله: إن شهر ذي الحجة من الأشهر الحرم التي قال الله فيها " إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ " قال ابن عباس t " جعلهن حُرُمًا، وعظّم حُرُماتهن، وجعل الذنبَ فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم.
وقد ثبَت عن التابعيِّ قَتادةَ السَّدوسِيِّ ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: "إِنَّ الظُّلْمَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرًا مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهَا".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم....
الخطبة الثانية
إذا دَخلَتِ العشرُ الأُوَلِ مِن شهر ذي الحِجَّةِ، فإنَّ مُريدَ الأضحية مَنهِيٌّ عن الأخْذ مِن شَعرهِ وأظفاره وجِلدهِ حتى يَذبحَ أضحيَتَه بنفسه، فإن وكّل غيره بالذبح، فإن الحكم لا يتغير بالنسبة له.
ولا يشمل هذا الحكم إلا المضحي فقط، فلا يدخل معه أهل بيته.
ويَبدأ وقتُ النَّهيِّ عن الأخْذ: مِن غُروبِ شمسِ ليلة أوَّلِ يومٍ مِن أيَّام شهرِ ذي الحِجَّة، ويَنتهي بذبحِ الأضحية، سواء ذبَحَها المُضحِّي في يوم العيدِ أو اليومِ الأوَّلِ أو الثاني مِن أيَّام التشريق، لقول النِّبي صلى الله عليه وسلم الصَّحيح: « إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا»، وفي لفظٍ آخَر: « مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ ».
ومَن نَوى الأضحيةَ مُتأخِّرًا كمَن نواها في اليوم الثامنِ مِن ذي الحِجَّةِ مثلًا، فوَقْتُ إمساكهِ عن الأخِذ مِن شَعره وجِلده وأظفاره يَبدأُ مِن حينِ حصلَتْ لَه هذه النِّيَّة.
فإنْ أخَذَ مُريدُ الأُضحية مِن شَعره أو أظفاره أو جِلده شيئًا فقد أساءَ، وخالفَ السُّنةَ، ويستغفرُ الله، ولا فِديةَ عليه باتفاق أهلِ العلم، لا خِلاف بينَهم في ذلك. ولا يؤثر ذلك في أضحيته.
وصلوا رحمكم الله...
الكاتب: رافع العنزي