فضائل عشر ذي الحجة
هتلان بن علي الهتلان
شهر ذي الحجَّة؛ فقد جمع الله فيه من الفضائل، ونوَّع فيه من الطاعات - ما لا يخفى إلاَّ على أهل الغفلة والإعراض.
- التصنيفات: العشر من ذي الحجة -
أيها الناس:
اعلموا أنكم في هذه الدنيا في دار ممرٍّ، وما زلتم في سفرٍ، وأن إلى ربِّكم المستقرّ، وأنها تمرُّ بكم مواسمُ عظيمة، تتضاعف فيها الحسنات، وتكفَّر فيها السيِّئات، ومن هذه المواسم: شهر ذي الحجَّة؛ فقد جمع الله فيه من الفضائل، ونوَّع فيه من الطاعات - ما لا يخفى إلاَّ على أهل الغفلة والإعراض.
ففي أوَّله: العشر المباركة، التي نوَّه الله بها في كتابه الكريم؛ حيث قال سبحانه: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1 - 2]، فإن المراد بها عشر ذي الحجة، فقد أقسم الله بها تعظيمًا لشأنها، وتنبيهًا إلى فضلها.
وروى البخاري من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم-: «ما من أيامٍ العمل الصالح فيهنَّ أحبُّ إلى الله من هذه الأيام» يعني: أيام العشر. قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجلٌ خرج بنَفْسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيءٍ». فدل هذا الحديث على أن العمل في هذه الأيام العشر أحبُّ إلى الله من العمل في أيام الدنيا، من غير استثناء، وأنه أفضل من الجهاد في سبيل الله، إلا جهادًا واحدًا؛ وهو جهاد مَنْ خرج بنَفْسه وماله، فلم يرجع بشيء، فهذا الجهاد بخصوصه يَفْضُل على العمل في هذه العشر، وأما بقية أنواع الجهاد؛ فإن العمل في هذه العشر أفضل وأحبُّ إلى الله منها.
وروى الإمام أحمد، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال: «ما من أيامٍ أعظم ولا أحبُّ إلى الله العمل فيهنَّ من هذه الأيام العَشْر؛ فأكثِروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد».
وفي مثل هذه الأيام من كلِّ عامٍ تستقبلُ أمَّةَ الإسلام مناسبةً عظيمة، ترنو إليها الأبصار، وتشرئِبُّ إليها الأعناق، وتخفق لها القلوب المؤمنة، وتستبشِر بها النفوس المسلمة.
تلكم - يا عباد الله - هي فريضة الحج إلى بيت الله الحرام؛ حيث البِقاع المقدَّسة، والمشاعر المشرَّفة، في مهبِط الوحي، ومنبع الرِّسالة، ومصدر إشعاع نور الإيمان للبشرية جمعاء.
هناك؛ حيث تُسْكَب العَبَرات، وتَتَنَزَّل الرَّحَمات، وتُقال العثرات، وتُرفع الدَّرجات، وتكفَّر السيِّئات، ويجود ربُّ البَرِيَّات؛ كما في "الصحيحَيْن" من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنَّة»، وفيهما عنه - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ حَجَّ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ؛ رجع كيوم وَلَدَتْهُ أمُّه».
في أشهر الحجِّ: تنطلق قوافل المُلَبِّينَ، قاصدين البيت الحرام، مؤكِّدين الولاء لربِّ البيت..
تتزايد تلك القوافل رويدًا رويدًا، فإذا ما قَرُبَ الموسم؛ تحوَّل إلى سباقٍ نَشِطٍ دَؤوبٍ، يقطعون الفيافيَ والقِفار، ويَمْخَرُون عُباب البحر، ويطيرون في جوِّ السماء، آمِّينَ البيتَ من المشارِق والمغارِب، وفودًا استوعبت البرَّ والبحرَ والجوَّ، لا تسمع إلاَّ هتافًا واحدًا للواحد الأحد، في استعراضٍ خاشعٍ مُنيبٍ.
يُلَبُّونَ ويكبِّرون.. يسبِّحون ويهلِّلون.. كلما عَلَوْا نَشْزًا أو هبطو واديًا.
وإذا تلاقت الرُّكبان، وتقابلت الأفواج، في مواكب مهيبة تعظيمًا لله، وأداءً لشعائر الله - بالدعاء والابتهالات لهم عَجيجٌ، وبالبكاء لهم نَشيجٌ؛ أملاً في حطِّ الخطايا والأوْزار.
تلبياتٌ ونداءاتٌ تَهُزُّ المشاعرَ، وتتجاوب معها الأودية والوِهاد.. ذِكْرٌ وشكرٌ، وحمدٌ وتمجيدٌ ؛ ((ما من مسلم يلبِّي؛ إلاَّ لبَّى ما عن يمينه وشماله، من حَجَرٍ أو شَجَرٍ أو مَدَرٍ، حتى تنقطع الأرض من ها هنا وما ها هنا...)).
عباد الله:
اعلموا أن هناك أعمالاً يتأكَّد القيام بها في هذه الأيام العشر.
فمنها: صيام هذه الأيام العشر، ما عدا اليوم العاشر، وهو يوم النَّحْر، يوم عيد الأضحى.
ويتأكد صيام يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجَّة لغير الحاجِّ؛ ففي "صحيح مسلم"، عن أبي قَتادة - رضي الله عنه – قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم عرفة؛ فقال: «يكفِّر السنة الماضية والباقية»، وفي روايةٍ: «وصيام يوم عرفة؛ أَحْتَسِبُ على الله أن يكفِّر السنَّة التي قبله والسنَّة التي بعده».
ويوم عرفة من أفضل الأيام؛ فقد روى ابن حِبَّان في "صحيحه"، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أفضل الأيام يوم عرفة».
وجنس الصيام من أفضل الأعمال، وهو ممَّا اصطفاه الله لنفسه؛ كما في الحديث القدسي المتَّفق عليه: «الصوم لي، وأنا أجزي به؛ إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه لأجلي» وفي "الصحيحَيْن" عن أبي سعيد الخُدْرِيّ - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من عبدٍ يصوم يومًا في سبيل الله؛ إلا باعَد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا».
إلا أنَّ الحاجَّ لا ينبغي له أن يصوم يوم عرفة؛ لأجل أن يتقوَّى على الوقوف وذِكْر الله تعالى ودعائه، فهو يوم مغفرة الذنوب، والعِتْق من النار، والمباهاة بأهل الموقِف؛ كما في "صحيح مسلم"، عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبيِّ - عليه الصلاة والسلام -: «ما من يومٍ أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة؛ فيقول: ما أراد هؤلاء؟...».
وروى ابن حبِّان في "صحيحه"، من حديث جابرٍ، عن النبيِّ - عليه الصلاة والسلام - قال: «ما من يومٍ أفضل عند الله من يوم عرفة: ينزل الله إلى سماء الدنيا؛ فيُباهي بأهل الأرض أهلَ السماء؛ فيقول: انظروا إلى عبادي، شُعْثًا غُبْرًا حاجِّينَ، جاؤوا من كلِّ فَجٍّ عميقٍ، يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي. فلم يُرَ أكثرَ عتيقًا من النار من يوم عرفة».
وروى مالكٌ في "الموطَّأ"، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما رُئِيَ الشيطان يومًا هو فيه أصغر ولا أَدْحَرُ ولا أَغْبَطُ منه يوم عرفه، وما ذاك إلاَّ لما يرى من تَنَزُّل الرَّحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العِظام».
وروى الترمذي مرفوعًا: «خير الدُّعاء دعاءُ عرفة، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له المُلْك، وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ».
ومما يُشرَع في هذه العشر: التكبير والذِّكْر؛ لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]، وقد فُسِّرَت بأنها أيام العشر، واستحب العلماء لذلك كثرةَ الذِّكْر فيها؛ لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عند أحمد، وفيه: «فأكثِروا فيهنَّ من التَّهليل والتَّكبير والتَّحميد».
وذكر البخاري - رحمه الله - عن ابن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهم - أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر؛ فيكبِّرون ويكبِّر الناس بتكبيرهما.
وروى إسحاق - رحمه الله - عن فقهاء التابعين - رحمة الله عليهم - أنهم كانوا يقولون في أيام العشر: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد).ويستحب رفع الصوت بالتكبير في الأسواق والدُّور والطُّرُق والمساجد وغيرها؛ لقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185].
ولا يجوز التكبير الجماعي، وهو الذي يجتمع فيه جماعةٌ على التلفُّظ بصوتٍ واحدٍ؛ حيث لم يُنقَل عن السَّلف ذلك، وإنما السنَّةُ أن يكبِّر كلُّ واحدٍ بمفرده، وهذا في جميع الأذكار والأدعية، إلا أن يكون جاهلاً؛ فله أن يُلَقَّنَ من غيره حتى يتعلَّم، ويجوز الذِّكر بما تيسَّر من أنواع التكبير والتحميد والتسبيح، وسائر الأدعية المشروعة.
كما أنه ينبغي أن يُعْلَم: أنه يُشرَع في هذه الأيام التكبير المطلَق في جميع الأوقات، من ليلٍ أو نهارٍ، إلى صلاة العيد، ويُشرع التكبير المقيَّد؛ وهو الذي يكون بعد الصلوات المكتوبة، التي تُصلَّى في جماعة، ويبدأ التكبير المقيَّد لغير الحاجِّ من فجر يوم عرفة، وللحجَّاج من ظهر يوم النَّحْر، ويستمرُّ إلى صلاة العصر من آخر أيام التَّشريق الثلاثة.
وأيام التشريق: هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجَّة، وهي التي أمر الله تعالى بذِكْره فيها؛ فقال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203].
وروى مسلمٌ في "صحيحه"، من حديث نُبَيْشَةَ الهُذَلِي - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيام التشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذِكْرٍ لله»، وفي لفظٍ: ((أيام مِنى)).
وفي هذه العشر يوم النَّحْر: الذي هو يوم الحجِّ الأكبر، يكمل المسلمون حجَّهم الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام، بعدما وقفوا بعرفة وأدُّوا الركنَ الأعظمَ من أركان الحجِّ، وحصلوا على العِتْق من النار، مَنْ حَجَّ ومَنْ لم يَحُجَّ من المسلمين.
فهذا اليوم الذي يلي يوم عرفة عيدٌ لأهل الإسلام جميعًا؛ لاشتراكهم في العِتْق من النار، وشُرِعَ لهم ذبحُ القرابين من هَدْيٍ وأضاحي، والحجاج يستكملون مناسكَ حجِّهم في هذا اليوم المبارك، من الرمي والحَلْق أو التَّقصير، والطواف بالبيت وبين الصفَّا والمروة، وأهل الأمصار في هذا اليوم يؤدُّون صلاة العيد؛ لإقامة ذِكْر الله.
أيها المسلمون:
وتُشْرَع الأُضحية في هذا اليوم - يوم النَّحْر - وأيام التَّشريق الثلاثة، وهي سنَّةٌ مؤكَّدةٌ في حقِّ القادِر عليها، وقد ثَبَتَ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "ضحَّى بكبشَيْن أَمْلَحَيْن أَقْرَنَيْن، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبَّر، ووضع رِجْلَه على صِفاحهما"؛ متَّفقٌ عليه من حديث أنس - رضي الله عنه.
والرَّاجح أنَّ الأُضحية سنَّةٌ مؤكَّدةٌ في حقِّ القادِر، وليست بواجبٍ عليه، وأما غير القادِر؛ فلا يستدين لأَجْل أن يضحِّيَ، فهذا غير مشروع؛ إذ ليست واجبةً على القادِر؛ فكيف بالعاجِز عنها! فلا تَجِبُ عليه من باب أَوْلى. وإذا نَوَى بنيَّةٍ صادقةٍ أنه لو كان لديه مالٌ لضحَّى؛ فيُرجى أن يكتب الله تعالى له أجرَ ذلك.
إلا أنه إذا هَلَّ هلال ذي الحجَّة؛ فإنه يَحْرُم على مَنْ أراد أن يضحِّي أن يأخذ شيئًا من أظفاره وشَعْرِه حتى يضحِّي؛ لما رواه مسلم، عن أمِّ سَلَمَة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كان له ذَبْحٌ يذبحه، فإذا أَهَلَّ هلال ذي الحجَّة؛ فلا يأخذنَّ من شَعْرِه ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحِّي»، ولعل ذلك تشبيهًا بمَنْ يسوق الهَدْيَ؛ فقد قال تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].
وهذا النهي ظاهره أنه يخصُّ صاحب الأُضحية، ولا يَعمُّ الزوجة ولا الأولاد، إلاَّ إذا كان لأحدهم أُضحيةً تخصُّه، ولا بأس بغسل الرأس ودَلْكِه، ولو سقط منه شيءٌ من الشَّعْر.
كما أنَّ وقتَ الأُضحية هو من بعد صلاة العيد، إلى غروب الشمس من آخِر أيام التَّشريق، ولا يجزي إلا الجَذْع من الضَّأْن، والثَّنْي ممَّا سواه، والجَذْع من الضَّأن: ما تمَّ له ستَّةَ أشهرٍ، والثَّنْي من المَعْز: ما تمَّ سنةً، ومن البقر ما تمَّ له سنتان، ومن الإبل ما تمَّ له خمسُ سنين. وتُجزئ الشاةُ عن الواحد ،والبقرة عن سبعةٍ، وكذا البَدَنة عن سبعةٍ أيضًا.
أيها الإخوة في الله:
والتوبة، والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب في هذه الأيام - أمرٌ متأكِّدٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمة، حتى يترتَّب على الأعمال المغفرة والرَّحمة؛ فالمعاصي سببُ البُعْد والطَّرْد، والطاعات أسبابُ القُرْب والوُدِّ، وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ الله يَغارُ، وغَيْرَةُ الله أن يأتيَ المرءُ ما حرَّم الله عليه» (متَّفقٌ عليه).
كما ينبغي للمسلم أن يُكْثِرَ من الأعمال الصالحة في هذا الموسم العظيم، من نوافل العبادات؛ كالصَّلاة، والصَّدَقَة، والجهاد، وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك؛ فإنها من الأعمال التي تُضاعَف في هذه الأيام، فالعمل فيها - وإن كان مفضولاً - فإنه أفضل وأحبُّ إلى الله من العمل في غيرها وإن كان فاضلاً، حتى الجهاد الذي هو من أفضل الأعمال؛ إلا مَنْ عَقَرَ جوَاده، وأُهْرِيقَ دَمُه.
وبالجملة عباد الله:
فشهر ذي الحجة قد تنوَّعت فيه الفضائل والخيرات، التي أعظمها: إيقاع الحج فيه إلى بيت الله الحرام، وهو من الأَشْهُر الحُرُم؛ حرَّم الله القتالَ فيه ابتداءً لوقوع الحجِّ فيه.
فاشكروا الله - أيها المسلمون - على هذه النعمة العظيمة، واغتنموا خيرات هذا الشهر، ولا تكونوا من الغافلين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، يخلق ما يشاء ويختار، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البَرَرَة الأَطْهار، المهاجرين منهم والأنصار، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها الناس:
اتقوا الله تعالى، واعلموا أنه يَحْرُم صيامُ أيام التَّشريق؛ قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «أيام مِنًى أيام أكلٍ وشربٍ وذِكْرٍ لله» (رواه مسلم وأحمد).
وعن عائشة وابن عمر - رضي الله عنهم - قالا: ((لم يُرَخَّصْ في أيام التشريق أن يُصَمْنَ؛ إلاَّ لمَنْ لم يَجِدِ الهَدْيَ))؛ رواه البخاري.
وفي النهي عن صيام هذه الأيام، والأمر بالأكل والشرب فيها - حكمةٌ بالِغةٌ، وذلك أن الله تعالى لما علم ما يلاقي الحجَّاجُ من مشاقِّ السَّفر، وتعب الإحرام، وجهاد النفوس على قضاء المناسِك - شرع الله لهم الاستراحة عقب ذلك؛ بالإقامة يوم النَّحْر بمِنًى، في ضيافة الله - عزَّ وجلَّ - ويشاركهم أهل الأمصار غير الحجَّاج في ذلك؛ لأنهم شاركوهم في العمل في صيام عشر ذي الحجَّة، وفي الذِّكْر والاجتهاد في العبادات، وشاركوهم في التقرُّب إلى الله بذبح الأضاحي، فاشترَك الجميع بالعيد والأكل والشُّرب والرَّاحة؛ فصار المسلمون كلهم في ضيافة الله - عز وجل.
وفي هذه الأيام يأكلون من رزقه، ويشكرونه على فضله، ونُهُوا عن صيام هذه الأيام من أجل ذلك.
وعلى المسلم الحرص على أداء صلاة العيد حيث تُصلَّى، وحضور الخطبة، والاستفادة، وينبغي له معرفة الحكمة من شرعيَّة هذا العيد، وأنه يوم شكرٍ وعملٍ وبِرٍّ؛ فلا يجعله يوم أَشَرٍ وبَطَرٍ، ولا يجعله موسمَ معصيةٍ وتوسُّعٍ في المحرَّمات؛ كالأغاني والملاهي والمُسْكِرات ونحوها، مما قد يكون سببًا لحبوط الأعمال الصالحة التي عملها في أيام العشر.
فاستغلُّوا - رحمكم الله - هذه الأيام المباركة في طاعة الله وذِكْره وشُكْره، والقيام بالواجبات، والابتعاد عن المنهيَّات، واستغلال هذه المواسم، والتعرُّض لنفحات الله؛ لتحوزوا رضا مولاكم.