أمور تدعو إلى التعجب (1)
أيها المسلمون، الحذر الحذر أن تفتنكم الدنيا حتى تقعوا في الترف، ثم تكونوا بعد ذلك في التلف، وأن تجعلوا الدنيا وسيلة إلى الآخرة.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالعجائب وهي: الأمور الغريبة المخالفة للفطر السليمة, والعقول الصحيحة كثيرة, والعلامة الشيخ محمد ين صالح العثيمين رحمه الله قد تعجب واستغرب من عدد من الأشياء, ذكرها في كتبه, جمعت ما يسر الله لي منها, وهذه الأشياء العجيبة التي ذكرها الشيخ فيها فوائد عقدية, وفقهية, ومسلكية, ودعوية, وتربوية, أسأل الله الكريم أن ينفع بها, وأن يبارك فيها:
من يأتون إلى قبر ميت يدعونه ويسألونه:
قال الشيخ رحمه الله: إني لأعجبُ غاية العجب من قوم يأتون إلى قبر ميتٍ، ثم يدعونه:
يا سيدي! يا مولاي! امرأتي لم تحمل حملها. يا سيدي! يا مولاي! لم أتزوج (هات) لي زوجة. يا سيدي! يا مولاي! عندي مرض السرطان اشفني. يا سيدي! ويا مولاي! أنا فقير أطعمني.
فهذا قبر ميت، وهو الآن أضعفُ منك، فأنت تمشي وتذهب وتجيءُ، وتبيع وتشتري، وتتزوج ويُولَد لك، لكن هذا هامد، انقطع كل شيءٍ، لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وأشرف الخلق على الله محمد رسول الله، ومع ذلك يقول الله له يأمُرُه أن يعلن للملأ إلى يوم القيامة: ﴿ {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} ﴾ [يونس: 49] أبعْدَ هذا يتعلقُ الإنسانُ بمخلوق؟! ﴿ {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} ﴾ [يونس: 49] هذه واحدة.
إعلان آخر: ﴿ {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} ﴾ [الجن: 22]؛ يعني: لو أراد الله أن يُصيبني بشيءٍ ما استطعتُ أن أملك الدفع، إذن: لا يملك محمد أشرف الخلق عند الله لنا ضرًّا ولا رشدًا، ولا يملك لنفسه منعًا ولا دفعًا، فما بالكم بغيره؟
إذن: المسألة عقليًّا - دون أن يكون هناك دليل شرعي - تبطل عبادة كل معبودٍ سوى الله عز وجل.
من يستدل بقوله تعالى: ﴿ {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ } ﴾ [الأنعام: 103] على نفي الرؤية:
قال الشيخ رحمه الله: أنكر قوم رؤية الله عز وجل، وقالوا: إن الله لا يُرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، وذلك بناءً على عقولهم التي يعتمدون في إثبات الصفات لله عز وجل ونفيها عنه عليها؛ أي: عقولهم، وهذا خطأ عظيم أن يُحكِّم الإنسان عقله في أمر من أمور الغيب؛ لأن أمور الغيب لا يمكن إدراكها إلا بمشاهدتها، أو مشاهدة نظيرها، أو خبر الصادق عنها، فتجدهم ينكرون رؤية الله، ويُحرفون كلام الله ورسوله بناء على عقيدتهم المبنية على العقل الفاسد؛ لأن حقيقة تحكيم العقل أن يُسلِّم الإنسان لما أخبر الله به ورسوله تسليمًا تامًّا، فإن هذا مقتضى العقل ومقتضى الإيمان؛ قال الله تعالى: ﴿ {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ﴾ [النساء: 65].
وهؤلاء المنكرون لرؤية الله تعالى في الآخرة لم يُسلموا تسليمًا؛ بل أنكروا ذلك وقالوا: لا يمكن، فقيل لهم: سبحان الله! النصوص واضحة في هذا؛ ففي القرآن الكريم قال الله تعالى: ﴿ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } ﴾[القيامة: 22، 23] ناضرة: حسنة، ﴿ { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } ﴾؛ أي: تنظر إلى الله عز وجل، وإضافة النظر إلى الوجوه يعني أنه بالعين؛ لأن أداة النظر في الوجه هي العين، وقيل لهم: إن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} ﴾ [الأنعام: 103]، وهذه الآية تدل على ثبوت أصل الرؤية؛ لأن معنى لا تدركه؛ أي: تراه ولا تدركه؛ لأنه أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته، والعجب أنهم يستدلون بهذه الآية على نفي الرؤية، وهي حجة عليهم.
من يأتون بأكاذيب تعظيمًا للرسول علية الصلاة والسلام وهم متهاونون في دينهم:
سئل الشيخ: سمعت من بعض الإخوة يقول: إن محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، خلق من نور، وأن آدم خلق من نور محمد، فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله: هذا القول من أبطل الباطل، وهو كذب مخالف لقول الله تعالى: ﴿ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } ﴾ [الحجرات: 13]، ولقوله تعالى: ﴿ {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} ﴾ [المؤمنون: 12، 13]، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بني آدم، وهو سيد ولد آدم، وهو مخلوق من نطفة أبيه، وأبوه مخلوق من نطفة جده، وهكذا إلى أن يصل الخلق إلى آدم الذي خلقه الله من سلالة من طين, والعجب أن هؤلاء الذين يأتون بهذه الأكاذيب تعظيمًا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بعضهم عنده تهاون في دينه، واتِّباعه لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولعلهم يجهلون أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الغلو فيه وحذَّر منه.
من يترك حفظ القرآن الكريم خشية أن ينساه فتناله العقوبة:
قال الشيخ رحمه الله: والعجيب أن بعض الناس - لتهيُّبه من عقوبة الله عز وجل - لعب به الهوى، حتى قال: لن أحفظ شيئًا من كتاب الله، أخشى أن أحفظه فأنساه، فمنع نفسه من الخير بهذه الحجة التي لا أساس لها من الصحة، ونحن نقول: احفظ كتاب الله عز وجل، وتعهَّده ما استطعت، كما أمر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام فإنه أمر بتعهُّده، وإذا نسيت بمقتضى الطبيعة - لا للإعراض عن كتاب الله، ولا للتهاون به - فإن ذلك لا يضرك، وليس عليك إثم.
من أبدلوا شريعة الله بالقوانين الوضعية:
قال الشيخ رحمه الله: إذا كان ابن عباس رضي الله عنهما يتوقع أن تنزل حجارة من السماء على من عارض قول النبي صلى الله عليه بقول أبي بكر وعمر، فما بالك بمن يُعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول من دونهما من الأئمة، وما بالك بمن يُعارضُ قول النبي صلى الله عليه وسلم بقولِ فُلان وفُلان ممن لا يؤمنون بالله.
ومن هذا - أي: من المعارضة - هؤلاء الذين أبدلوا شريعة الله بالقوانين الوضعية التي فرضها المستعمرون على المسلمين حين استعمروا بلادهم، فأبدلوا حُكم الله بحكم الطاغوت، وإنه لمن العجب أن يكون بين أيدي المسلمين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم يَدَعونَ كتاب الله وسنة رسوله لهذه القوانين الوضعيَّة.
ونحن نسأل عن طريق العقل: مَنْ واضع هذه القوانين؟ فالجواب: بشر، فما صفة هؤلاء البشر؟ الجواب: كفَّار، ومتى وضعوها؟ في عهود ماضية، والأحوال تتغير، وقد يُصلح الناس في زمان قانون معين، وفي زمن آخر لا يُصلحهم هذا القانون، ثم أين وضعوا هذه القوانين؟ في مكان معين من الأرض لم يحيطوا بالبشر كلهم، ثم في أي أمة وضعوا هذه القوانين؟ في أمم كافرة.
فإذا كانت هذه أجوبة هذه التساؤلات، فكيف يليق بنا ونحن مسلمون بيننا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال خلفائه الراشدين، وأقوال أئمة الدِّين، كيف يليقُ بنا أن نُبدِّل هذا الهدي بهذه النظم الكافرة الجائرة؟ لأنَّ كلَّ حُكم يُخالفُ حُكم الله فإنه جائر.
صبر العلماء على طلب العلم مع وجود الصعاب في ذلك:
قال الشيخ رحمه الله: إذا قرأت تاريخ العلماء رحمهم الله، تعجبت: كيف كانوا يصبرون هذا الصبر على طلب العلم؟! مع أنه ليس هناك كهرباء، ولا أدوات كتابية سهلة، فالأشياء في ذلك الوقت كانت صعبة، ومع ذلك كانوا يبقون كل الليل يُراجعون على قنديل يكادون لا يبصرون ما يقرؤون لكنهم جادُّون؛ لأنهم يعلمون أنهم في جدهم وطلبهم للعلم كالمجاهدين في سبيل الله عز وجل، وليس هذا عملًا ضائعًا؛ بل هو كالجهاد في سبيل الله.
تصنيف العلامة ابن القيم رحمه الله لكتابه "زاد المعاد" وهو في سفره إلى الحج:
قال الشيخ رحمه الله: كتاب "زاد المعاد في هدي خير العباد" للحافظ الفقيه محمد بن قيم الجوزية -كتاب أُشير به على كل إنسان أنه كتاب عقيدة، وكتاب فقه، وكتاب تاريخ، وكتاب معاملات جامع؛ ولكن الرجل رحمه الله مات قبل أن يكمله، والعجب أنه ألَّفه في سفره إلى الحج، سبحان الله! يتعجب الإنسان كيف يُؤلفه في سفره إلى الحج، ويتكلم على الأحاديث وعلى رجالها، وعلى أسانيدها، وعلى متونها؛ ولكن ﴿ {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} ﴾ [الحديد: 21]، اللهم آتنا من فضلك يا رب العالمين، اللهم آتنا من فضلك يا رب العالمين، اللهم آتنا من فضلك يا رب العالمين.
من يقولون إنه يجب على المرأة أن تستر قدميها، ويجوز لها أن تكشف وجهها:
قال الشيخ رحمه الله: القول الراجح أن الحجاب الشرعي هو أن تحجب المرأةُ كل ما يفتنُ الرجال بنظرهم إليها، وأعظم شيء في ذلك هو الوجه، فيجب عليها أن تستر وجهها عن كل إنسان أجنبي منها، أما من قال إن الحجاب الشرعي هو أن تحجب شعرها وتُبدي وجهها، فهذا من عجائب الأقوال!
فأيُّهما أشدُّ فتنةً: شعر رأس امرأة، أم وجهها؟ وأيُّهما أشدُّ رغبة لطالب المرأة: أن يسأل عن وجهها، أو أن يسأل عن شعرها؟! كلا السؤالين لا يمكن الجوابُ عنهما إلا بأن يُقال: إن ذلك في الوجه، وهذا أمر لا ريب فيه.
وأعجبُ أيضًا من قوم يقولون: إنه يجب على المرأة أن تستر رجليها، ويجوز أن تكشف وجهها، وأيُّهما أولى بالسَّتر؟! هل من المعقول أن نقول: إن الشريعة الإسلامية الكاملة التي جاءت من لدن خبير، تُوجب على المرأة أن تستر القدم، وتُبيحُ لها أن تكشف الوجه؟! كلا، فهذا تناقض؛ لأن تعلق الرجال بالوجوه أكثر بكثير من تعلُّقهم بالأقدام.
والعجب من قوم يقولون: إنه لا يجوز للمرأة أن تخرج ثلاث شعراتٍ أو أقل من شعر رأسها، ولكن يجوز لها أن تظهر الحواجب الرقيقة الجميلة، وليت الأمر يقتصرُ على إظهار هذا الجمال وهذه الزينة؛ بل في الوقت الحاضر يُجمَّلُ بالمكياج، وأشياء كثيرة لا نعرفها.
فأي إنسان يعرفُ مواضع الفتنة، ورغبات الرجال لا يُمكنُه إطلاقًا أن يُبيحَ كشف الوجه، مع وجوب ستر القدمين، وينسب ذلك إلى شريعة هي أكملُ الشرائع وأحكمها.
من يدعون إلى السفور وكأنه أمر واجب تركه الناس:
قال الشيخ رحمه الله: رأيتُ بعض المتأخِّرين نقل القول بأن علماء المسلمين اتفقوا على وجوب ستر الوجه، لعظم الفتنة، كما ذكره صاحب (نيل الأوطار) عن ابن رسلان حتى ولو قلنا بإباحة كشفه، فإن حال المسلمين اليوم تقتضي القول بوجوب ستره؛ لأن المباح إذا كان وسيلةً إلى مُحرَّم صار محرم تحريم الوسائل.
وإني لأعجب أيضًا من دعاة السفور بأقلامهم، الذين يدعون إليه اليوم، وكأنه أمر واجب تركهُ الناس، بل نقول: إنه لو كان أمرًا واجبًا تركه الناس ما حرَّرت هذه الأقلام هذه الكلمات ودعت إليه، فكيف يسوغُ لأنفسنا أن ندعو إليه، ونحن نرى عواقبه الوخيمة فيمن قالوا بهذا القول.
من يجعلون السيادة للنساء ويزعمون أنهم أهل التقدُّم والحضارة:
قال الشيخ رحمه: لا شك أن بقاء المرأة في بيتها خيرٌ لها، كما جاء في الحديث: ((بيوتهن خيرٌ لهن))، ولا شكَّ أن إطلاق الحرية لها في الخروج، خلاف ما يأمر به الشرع، من حماية المرأة والحرص على وقايتها من الفتنة.
لكن المسلمين يقلدون أعداء الله في جعل السيادة للنساء، وصار النساء الآن هن الرجال، وهن القوَّامات، وهي التي تُدبرُ الرجل، ومن العجائب أن هؤلاء الذين جعلوا السيادة للنساء يزعمون أنهم هم أهل التقدم والحضارة.
وبؤسًا لقومٍ يدعون الحضارة والتقدم، يجعلون أمورهم بأيدي نسائهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لن يفلح قوم ولَّوا أمورهم امرأة))، وكلنا يعرف أن النساء كما وصفهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أذهبَ للبِّ الرجل الحازم من إحداكن)).
من يستدل بالحق على الباطل!
سئل الشيخ: قد اختلفنا في مسألة؛ وهي هل يجوز للواعظ أن يأخذ نقودًا في حال الوعظ اعتمادًا على الحديث الذي يرويه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم وعظ النساء، فكن يرمين قُرُطهنَّ في ثوب بلال؟
فأجاب الشيخ رحمه الله: هذا من أعجب الأمور أن يستدل الإنسان بالحق على الباطل! فالواعظ الذي يعظ الناس ثم يتشوف إلى إعطائهم إياه الدراهم، هذا أراد بعمله الدنيا والعياذ به، والله تبارك وتعالى حكى عن الرسل وعن خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقولون: ﴿ { لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } ﴾ [الأنعام: 90]، فالرسل عليهم الصلاة والسلام لا يأخذون أبدًا في دعوتهم إلى الله وموعظتهم لعباد الله أجرًا أبدًا؛ لأن أجر الواعظ عند الله؛ وليس أجره ما يوضع في يده من هذه الصدقات.
أما الاستدلال بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو في الحقيقة من الاستدلال بالحق على الباطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأخذ الصدقة لنفسه؛ بل إن الصدقة محرمة عليه، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد؛ إنما هي أوساخ الناس)).
وإذا قام واعظ يعظُ الناس ويحثُّهم على التبرُّع لجهات معينة مشروع التبرُّع لها، فإنه لا بأس أن يأخذ الصدقة، ويكون مُثابًا على ذلك، أما أن يأخذها لنفسه، فإن هذا أمر لا ينبغي له أبدًا.
من يشاهد الناس يرتحلون عن الدنيا وهو غافل عن آخرته:
قال الشيخ رحمه الله: ويتبيَّن من هذه الآية التحذير العظيم من أولئك القوم الذين هلكوا فيما أترفوا فيه، وغفلوا بدنياهم عن آخرتهم، وصار أكبر همِّهم أن يشتغلوا بالدنيا عن الدين، حتى إن الرجل ليفكر في دنياه قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا وآكلًا وشاربًا، ومما يكون به العجب ولا ينقضي به العجب أن هؤلاء يُشاهدون الناس يرتحلون عن الدنيا رجُلًا رجلًا، وأنهم لا يُمتعون بها، ومع ذلك فهم غافلون بها عما خُلقوا له؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ { أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} ﴾ [الشعراء: 205، 206].
أيها المسلمون، الحذر الحذر أن تفتنكم الدنيا حتى تقعوا في الترف، ثم تكونوا بعد ذلك في التلف، وأن تجعلوا الدنيا وسيلة إلى الآخرة.
من يعلم أولاده أن يسلموا باللغة غير العربية:
قال الشيخ رحمه الله: العجيب أن العجم، وهم من كلُّ سوى العرب، إذا سلَّمُوا فإنهم يسلمون باللغة العربية؛ لكن من العرب الذين أهانوا أنفسهم من يُعلمون أولادهم أن يُسلِّموا باللغة غير العربية، يقول لابنه إذا أراد أن ينصرف: (باي باي)، وهذا خطأ، فيجب ألا نتهاون في هذه الأمور، ولا ننسلخ من قيمنا، ولا ننسلخ من عُروبتنا؛ لأن اللغة من أكبر مُقومات الشعوب، ونحن ولله الحمدُ ديننا كتابُه بلسان عربي، فكلام نبينا صلى الله عليه وسلم بلسان عربي، وكلام علمائنا وسلفنا بلسان عربي، فلا يجب أن ننسلخ من لغتنا ونأخذ بلغة غيرنا.
من إذا قلت لهم: قال الله، قال الرسول، قالوا: هل الأمر للوجوب أم للاستحباب؟
قال الشيخ رحمه الله: وإنني لأعجبُ من قوم هم أتقياء الله وهم من الصالحين - فيما يظهر لنا - إذا قلت: قال الله كذا، وقال الرسول كذا، قال: هل الأمر للوجوب أم للاستحباب؟ يا أخي، أمر الله افعله، سواء للوجوب أو لغير الوجوب، أنت على خير إذا فعلت، سواء كان واجبًا أو كان غير واجب، فافعل الشيء امتثالًا لأمر الله ورسوله، وكفى بهذا عبادة، قال الله: افعل كذا، وقال رسول الله: افعل كذا، فإنني أقول: سمعًا وطاعةً، وأنا على خير.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: