أمور تدعو إلى التعجب (3)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
أعزُّ مال الإنسان عمره، والعجب أن العمر هو أرخص ما يهتم به الإنسان! فتجده يبخل بالدرهم والدينار؛ ولكنه لا يبخل بالساعات الكثيرة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
من يستدل بقوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران: 95] على قول صدق الله العظيم عند انتهاء القراءة
قال الشيخ رحمه الله: في الحديث دليل على: أنه لا يقول: (صدق الله العظيم) عند انتهاء القراءة، وهذه الكلمة مُحدثة، ما كان الناس يقولونها، لكنها أُحدثت - والله أعلم - من القُرَّاء المتأخرين، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يقولها؛ بل هي بدعة، وقد احتجَّ بعض الناس بقول الله تعالى: ﴿ {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} ﴾ [آل عمران: 95]، وهذا احتجاج غريب، يدلُّ على جهل المحتجِّ به؛ لأن الله لم يقل: قل صدق الله إذا انتهيت من قراءة القرآن؛ لكن: ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ﴾ فيما بعثه به من الرسالة، وبما أخبر به من أمور الغيب وغيرها، ولا بأس أن الإنسان إذا رأى شيئًا شهد له القرآن أن يقول: صدق الله، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين حمل ابني بنته (الحسن والحسين) فقال: ((صدق الله﴿ { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ } ﴾ [التغابن: 15])).
من قال إن الإفراد أفضل من التمتع؛ لأن التمتع يلزمه هدي وهو مال ضائع
قال الشيخ رحمه الله: من العجائب: أننا سمعنا بعض الناس قالوا: إن الإفراد أفضلُ من التمتع، قالوا ذلك لا بناءً على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مفردًا كما احتج به العلماء السابقون، مع أنه عليه الصلاة والسلام حجَّ قارنًا؛ لكن بناءً أن التمتُّع يلزم منه الهدي، والهديُ الآن مال ضائع، قالوا: فلما كان مالًا ضائعًا، فلماذا نأخذ النُّسك الذي نتسبب به في إضاعة أموالنا؟! فعللوا بهذا التعليل، وهو تعليل غير صحيح؛ لأن الذي يضيع الهدي هم الناس، ولو أنهم مشوا فيه على المشروع ما ضاع.
ما ذكره العلامة ابن القيم عن عذاب القبر في كتابه "الروح"
قال الشيخ رحمه الله: عذاب القبر ثابت بالقرآن، والسنة، والحسِّ، أدلة الحسِّ: أنه قد يكشفُ لبعض الناس عن عذاب القبر واسأل الذين يكونُون ليلًا عند المقابر تسمع عنهم ما يُعجِّبُ فأحيانًا يسمعون صياحًا عظيمًا وإفظاعًا وأهوالًا مما يدُلُّ على ثبوت عذاب القبر، وارجع إلى كتاب "الروح" لابن القيم تجد العجبَ العُجاب.
من سمى ابنه (نكتل)
قال الشيخ رحمه الله: بعض الناس إذا أراد الآن أن يُسمي ابنه، فتح القرآن فأول ما ينظر من كلمه سمى ابنه، حتى أنه وجد شخص سمى ابنه (نكتل)؛ قال: لأنه أول ما فتح سورة يوسف وجد قوله تعالى: ﴿ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ ﴾ [يوسف: 63]، فقال: (نكتل) اسم لأخيهم، فسمى ابنه (نكتل)، شيء عجيب! يعنى الناس في الأزمنة الأخيرة ليس عندهم ضوابط إطلاقًا، أيُّ كلمة تواجهه في القرآن سمى ابنه أو ابنته بهذا الاسم.
ذهاب الساعات الكثيرة من عمر الإنسان بلا فائدة
قال الشيخ رحمه الله: أعزُّ مال الإنسان عمره، والعجب أن العمر هو أرخص ما يهتم به الإنسان! فتجده يبخل بالدرهم والدينار؛ ولكنه لا يبخل بالساعات الكثيرة التي تذهب من عمره بلا فائدة، مع أن العمر أغلى، كما قال الله تعالى: ﴿ { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } ﴾ [المؤمنون: 99، 100]، ولم يقل لعلي أتَّجر فيما تركتُ حتى أربح، بل قال: ﴿ {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } ﴾ حتى لا يضيع عليَّ بلا فائدة، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، فإضاعة الوقت من باب أولى.
من يقول إن الغشَّ في اللغة الإنجليزية في الاختبار لا بأس به
قال الشيخ رحمه الله: سمعتُ من بعض الناس أن الغشَّ في اللغة الإنجليزية في الاختبار لا بأس به، ويُعللون ذلك بأنها لغة الكُفَّار، لكن قولهم هذا وهم باطل، فالغشُّ في الاختبار سواء في اللغة الإنجليزية، أو في اللغة العربية، أو في الفقه، أو في التوحيد، أو في التفسير، أو في أيِّ مادة مُحرَّم؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( «من غشنا فليس منَّا» ))، والعجب أن هذا القائل يقول: الغشُّ في اللغة الإنجليزية لا بأس به، فيحكم عليه بأنه غش ثم يقول: لا بأس به، والغشُّ فيه بأس، فقد تبرَّأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله.
أسئلة عجيبة وغريبة
سئل الشيخ: هل يجوز للمرأة المسلمة أن تقضي ما قد يفوتها من شهر رمضان مقدمًا؛ أي: قبل حلول شهر رمضان المبارك، مقارنة بجواز تقديم زكاة الفطر عدة سنوات؛ خوفًا من الفقر؟
فأجاب الشيخ رحمه الله: هذا السؤال غريب جدًّا، فلا أحد يفرض أن يصوم الإنسان رمضان قبل حلول رمضان، كما أنه لا أحد يفرض أن يُصلى صلاة الظهر قبل زوال الشمس، وإذا قدر أن أحدًا صام رمضان قبل حلول رمضان، فإن هذا الصيام لا ينفعه، ولا يثيبه الله عليه؛ لأنه بدعة، بل هو للإثم أقرب منه إلى السلامة، وأما قياسه على زكاة الفطر فإن زكاة الفطر لا يجوز تقديمها، ولو خاف القحط؛ بل لا تؤدى زكاة الفطر لشهر من شهور رمضان إلا قبل العيد بيوم أو يومين فقط، وما كنت أظنُّ أن أحدًا يسأل هذا السؤال.
وسئل الشيخ: هناك من يعتقد أن الرجل لا يجوز له أن يصلي قبل أن يبلغ أشده - أي: أربعين سنة - لأنه معرض للنظر إلى الفاتنات، ومعرض للذهاب إلى بيوت لا ينبغي أن يذهب إليها، وعند ذلك لا يجتمع الخبيث والطيب، لا تجتمع الصلاة بهذه العادات وبهذا الفسق؟
فأجاب رحمه الله: هذا غريب، والمهم على كل حال: متى بلغ الإنسان وجبت عليه الصلاة المفروضة، والبلوغ يحصل بواحد من الأمور الثلاثة: إما أن بأن يتم له خمس عشرة سنة، أو تنبت عانته، أو ينزل المني باحتلام أو في اليقظة، وتزيد المرأة أمرًا رابعًا، وهو: الحيض، فمتى حصلت إحدى هذه العلامات في الإنسان صار بالغًا مُكلفًا، تجب عليه جميع الأعمال التي تجب على الكبار.
وسئل الشيخ: إنني أحبُّ قراءة السورة القرآنية، وأحب الصلاة، وأحب الرجل الذي يصلي، وأستمع إلى السور القرآنية دائمًا، وأنا لا أصلي، علمًا أن السبب الذي يجعلني لم أُصلِّ هو أنني في مدرسة مختلطة، فما هو الواجب عليَّ عمله؟
فأجاب رحمه الله: هذا السؤال غريب وهو شاهد من الواقع على فساد المدارس المختلطة وأنها شرٌّ وفتنة ودليل من الواقع على أنه يجب على هؤلاء الذين جعلوا مدارسهم مختلطة أن يميزوا مدارس النساء عن مدارس الرجال حتى يسلموا من هذه الفتنة العظيمة التي أوجبت لمثل هذا الشاب أن يضلَّ هذا الضلال في دينه، فلا يصلي, وبهذه القصة الغريبة يتبين الخطر الكامن في المدارس التي يختلط فيها الرجال والنساء، ويتبين حكمة الشرع في وجوب الفصل بين الرجال والنساء في الدراسة، وكذلك في العمل.
وسئل: ما السبب في وجود عقيدة صحيحة وعقيدة باطلة؟ فأجاب رحمه الله: هذا سؤال عجيب! يعني إذًا قل: ما السبب في وجود مؤمنين وكافرين؟ ما السبب في وجود فاسقين وطائعين؟ ونقول: السبب في ذلك أن هذه حكمة الله عز وجل، كما قال تعالى: ﴿ {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ } ﴾ [التغابن: 2]، وقال تعالى: ﴿ { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً } ﴾ [هود: 118]؛ أي: على دين واحد وعقيدة واحدة، ولكن ﴿ {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} ﴾ [هود: 118، 119]، ولولا هذا الاختلاف لكان خلق الجنة والنار عبثًا؛ لأن النار تحتاج إلى أهل، والجنة تحتاج إلى أهل، فلا بد من الاختلاف.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ