الرد البياني علي حكم تارك الصلاة للألباني رحمه الله - المقالة الثانية

منذ 2021-07-14

وليأتيني أي أحد من إخواني المسلمين من أهل العلم الفضلاء ، أو أي أحد من إخواني من طالبي العلم ، أو من عامة المسلمين جميعًا ، بدليل على من أتي بهذه البداهة من أهل العلم السابقين من قبل

المقالة الثانية :

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، « أَنَّ نَاسًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ  مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيُدْعَى الْيَهُودُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا، فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ، كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا، فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا قَالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا، فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللهُ  ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ " قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: " دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَالطَّيْرِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فِي النَّارِ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدِ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا "، وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40]، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، أَلَا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ، أَوْ إِلَى الشَّجَرِ، مَا يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ أُصَيْفِرُ وَأُخَيْضِرُ، وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ؟ " فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ، قَالَ: " فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِمُ، يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا، فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا، أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا » ".(8)

يقول الشيخ -رحمه الله- بعد تخريج هذا الحديث: هذا التخريج الذي قد لا تراه في مكان آخر وبيان أنه متفق عليه بين الشيخين وغيرهما من أهل (الصحاح) و (السنن) و (المسانيد) أقول:

في هذا الحديث فوائد جمة عظيمة منها: شفاعة المؤمنين الصالحين في إخوانهم المصلين الذين أدخلوا النار بذنوبهم ،ثم بغيرهم ممن هم دونهم ، على اختلاف قوة إيمانهم .

ثم يتفضل الله تبارك وتعالى على من بقي في النار من المؤمنين ،فيخرجهم من النار بغير عمل عملوه ولا خير قدموه.

ولقد توهم (بعضهم) أن المراد بالخير المنفي تجويز إخراج غير الموحدين من النار

قال الحافظ في (الفتح) (13 / 429) : (ورد ذلك بأن المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين كما تدل عليه بقية الأحاديث)

قلت: منها قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس الطويل في الشفاعة أيضًا:

 (فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعط واشفع تشفع

فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله ،

فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله)

متفق عليه وهو مخرج في (ظلال الجنة) (2 / 296)

وفي طريق أخرى عن أنس:

(. . . وفرغ الله من حساب الناس وأدخل من بقي من أمتي النار فيقول أهل النار: ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله عز وجل لا تشركون به شيئا؟

فيقول الجبار عز وجل: فبعزتي لأعتقنهم من النار

فيرسل إليهم فيخرجون وقد امتحشوا فيدخلون في نهر الحياة فينبتون. . .) الحديث (9)

وفي الحديث رد على استنباط ابن أبي جمرة من قوله صلى الله عليه وسلم فيه: (لم تغش الوجه) ونحوه الحديث الآتي بعده: (إلا دارات الوجوه) : أن من كل من مسلمًا ولكنه كان لا يصلي لا يخرج [من النار] إذ لا علامة له)

ولذلك تعقبه الحافظ بقوله (11 / 457) :

(لكنه يُحمل على أنه يخرج في القبضة لعموم قوله: (لم يعملوا خيرًا قط وهو مذكور في حديث أبي سعيد الآتي في (التوحيد)

يعني هذا الحديث

وقد فات الحافظ - رحمه الله - أن في الحديث نفسه تعقبًا على ابن أبي جمرة من وجه آخر وهو أن المؤمنين لما شفعهم الله في إخوانهم المصلين والصائمين وغيرهم في المرة الأولى فأخرجوهم من النار بالعلامة فلما شفعوا في المرات الأخرى وأخرجوا بشرا كثيرًا لم يكن فيهم مصلون بداهة وإنما فيهم من الخير كل حسب إيمانهم وهذا ظاهر جدًا لا يخفى على أحد إن شاء الله.(10)

 

الرد على ما قاله الشيخ الألباني -رحمه الله-:

وأقول: وصف النبي صلى الله عليه وسلم الذين يخرجون من النار بعبادة الله بالسجود لله سبحانه وتعالى ، وحرم على النار أن تأكل آثار السجود ،بقوله صلى الله عليه وسلم في رواية أبو هريرة :"  حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ اللَّهُ المَلاَئِكَةَ: أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ.

فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم:" أَمَرَ اللَّهُ المَلاَئِكَةَ: أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ"

وفي رواية : حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ، يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ،..."الحديث (11)

فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم : مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ، يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ

فأقول بتوفيق الله : أما الذين يقولون لا إله إلا الله ويصلون، تعرفهم الملائكة في النار بأثر السجود ، وليس ممن ينطقون بالشهادة ولا يصلون ، كما يزعم الزاعمون.

: فدل على ارتباط عبادة الله بالسجود لله ،وذلك لا يكون إلا بالصلاة ، ولقوله تعالى :{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} [النجم:62]، وقوله تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)[الحج:77]وقوله تعالى :"وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)"(فصلت:37).

وقال تعالى :" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)(الحج:18).

 

وفي تحريمه سبحانه وتعالى على النار أن تأكل أثر السجود بيان على ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم  تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ،..."الحديث .

فتأمل ذلك ولا تلتفت إلى خلافه ، فإن الله تعالى يقول :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)"الحجرات:1)

وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم بعد إدخال الكافرين النار :"حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ ، أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا ، قَالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا، فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ، فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ ، إِلَّا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللهُ  ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ ،...."الحديث

فأين هذه البداهة التي يزعمها الشيخ - رحمه الله - وينتصر لها : أن أخر من يخرجون من النار بعد قبضة الرحمن بداهة بأنهم لا يصلون .ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .  

وانظروا إلى رده على استنباط ابن أبي جمرة من قوله صلى الله عليه وسلم فيه: (لم تغش الوجه) ونحوه الحديث الآتي بعده: (إلا دارات الوجوه) : أن من كل من مسلمًا ولكنه كان لا يصلي لا يخرج [من النار] إذ لا علامة له).

فهذا الذي يدل عليه نص الحديث ، دون التعصب لما يريده الشيخ – رحمه الله – أو  يحمله على القول بخلاف ذلك .

وقد استدل الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله تعالى على كفر تارك الصلاة بكفر إبليس بتركه السجود لآدم, وترك السجود لله أعظم.(12)

وفي قول العبد في صلاته  في قرأته لفاتحة الكتاب:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]

وخصت من دون العبادات بهذا الإقرار ، ليعلم جليًا ارتباط عبادة الله بفريضة الصلاة ، وعندما يقول العبد ذلك ، يقول الله تعالى :" قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، .." الحديث، كما في حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام مسلم في " صحيحه " (13)

وأيضًا حديثه رضي الله عنه في " الصحيحين ": أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ".(14)

وفي رواية زاد:" فَاغْفِرْ لَهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ".(15)

فتدبر قوله تعالى لملائكته بوصفه سبحانه لمن يجتمعون في صلاة العصر والفجر  بالعبودية له سبحانه :" فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ " لدلالة واضحة على استشهادنا بالنصوص الصحيحة على ما نقول وأن  اجتياز هذا الاختبار الآخروي للمؤمنين بالسجود لله دون غيرهم  بالنسبة لمن كان يصلي اتقاء أو رياء، وهم الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة :" وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا" أو من لا يصلي تبعًا لذلك من باب أولي .

وأن هذا الاختبار ليس له  معنى عند من يقولون ببداهة أن أخر من يدخلون الجنة لا يصلون . وإنا لله وإنا إليه راجعون

ولا يفوتني أن أذكر فقه الصحابة رضي الله عنهم ، بسؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم ما ينفعهم به من أمر دينهم وآخراهم ، بقولهم: هل نرى ربنا يوم القيامة ؟، قَالَ: «هَلْ تُمَارُونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ»، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: «فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ» قَالُوا: لاَ، قَالَ: " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ ،... "

ثم زيادتهم ببيان حال كافة الناس يوم القيامة ، ممن كانوا يعبدونه سبحانه ، ومن كانوا يعبدون غيره .

ولو بحث المسلم عن ما هو العمل الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من ثمراته رؤية الله عز وجل في الآخرة ، لوجده الحفاظ على صلاتي الفجر والعصر، لما رواه الشيخان وغيرهما ، عَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: "أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا" - يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ -، ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130]. (16)

 

وليأتيني أي أحد من إخواني المسلمين من أهل العلم الفضلاء ، أو أي أحد من إخواني من طالبي العلم ، أو من عامة المسلمين جميعًا ، بدليل على من أتي بهذه البداهة من أهل العلم السابقين من قبل من حديث الشفاعة على أن أخر من يخرجون من النار لا يصلون .

صلاح عامر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  8- البخاري(7439)، ومسلم302 - (183) واللفظ له ، وأحمد في" المسند"(11127)،وابن حبان(7377 ).

 

  9- أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح وهو مخرج في (الظلال) تحت الحديث (844) وله فيه شواهد (843 - 843) وفي (الفتح) (11 / 455) شواهد أخرى.

  10-" كتاب حكم تارك الصلاة " للألباني-رحمه الله-(ص:31-33 )

  11- البخاري(7437)، ومسلم299-(182) ،

 12 - "العقد الثمين في شرح أحاديث أصول الدين "حسين بن غنّام .(1/86) ط. الأولى - فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية     

 13 - رواه مسلم 38 - (395)،وأحمد في المسند(7291 )، وأبو داود(821 ) ،وابن ماجة(3784 )،وابن حبان(1784 ).

  14- البخاري(555)،ومسلم210 - (632)،وأحمد(7491)

،والنسائي(486)،وابن حبان(1737 )

  15- رواه ابن خزيمة(322)، وابن حبان(2061).

16 - البخاري(4851 )،ومسلم 211 - (633)،وأحمد(19251 )،

وأبو داود(4729) ،والترمذي(2551) ،وابن ماجة(177) ،وابن حبان(7443 )

  • 0
  • 0
  • 2,162
المقال السابق
المقالة الأولى
المقال التالي
المقالة الثالثة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً