في موكب الحج
الحجُّ إلى بيت الله الحرام ركنُ الإسلام الأعظم، وهو عبادة العمر، وتمام الأمر؛ إذ هو المتمم لبقية الأركان، والجامع لدلائل الإيمان..
الحمد لله، مهَّدَ السَّبيلَ لمِرضاته، وأجزل على العباد مِن نعمه وفضله وبركاته، لا إله سواه، فندعوه ونعبده، ولا رب غيره فنرجوه ونقصده، سبحانه، جعل البيت العتيق ملاذ الآمنينَ، ومأوى العابدين، ومهوى أفئدة المشتاقينَ، وادَّخر فيه منَ الرحمات والمكرمات والعبر ما لا تفنيه الأيام، ولا تسقطه أحلام اللئام، إلى أبد الدهر ستبقى أم القرى حاضرة البلاد إلى يوم التناد.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، المَلِك الحق المبين، لا تُحَدُّ آلاؤُه، ولا تحصى نعماؤُه، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، رحمة الله للعالمينَ، وسيد العابدين بإحسان إلى يوم الدين، اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فالحجُّ إلى بيت الله الحرام ركنُ الإسلام الأعظم، وهو عبادة العمر، وتمام الأمر؛ إذ هو المتمم لبقية الأركان، والجامع لدلائل الإيمان؛ وذلك كما ورد من حديث جرير بن عبدالله، قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «بنيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزَّكاة، وحج البيت، وصيام رمضان» (مسند الإمام أحمد 8429)، فلا يفلح إيمان المؤمن، ولا يتم إسلامه؛ حتى يؤديَ هذه الفريضة عند الاستطِاعة والقُدرة.
ألا وإنَّ أشواق المؤمنينَ، الصَّادقينَ في إيمانهم، إلى الحجِّ والزيارة - تغمرهم دائمًا بعطر الأمنيات المباركات أن يأذن الله - تعالى - لَهُم، ويُيَسِّر لهم ذلك، نعم، فلا يتم في كون الله إلاَّ ما أراد، وتلك فطرة طيّبة في قلب المؤمِن؛ ذلك أنه يتمَنَّى دائمًا التمتُّع بنعيم الحسنة، ومذاقها من صنوف العبادات المفروضة، وكذلك التي سَنَّها لنا الحبيب - صلى الله عليه وسلم - قال الله - تعالى-: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97]، فأوجب عند الاستطاعة والقدرة، وإذا أخذ ما وهب، أسقط ما وجب.
وأمة الإسلام محسودة بحقِّ المعنى في هذا المؤتمر التَّعبُّدي السنوي الجامع، الذي يعبر لغير المسلمين عنْ شدة الوَحدة التي تربط بين أشتات الأمة - حتى وإن لم يقصدوها - على المجالَيْنِ الشعبي والرَّسْمي.
بل إنَّ الغيظَ يأكل قلوب بعضِ مُجرمي هذا الزمان، فتراه ناقمًا بحسده على الحجِّ وأهله؛ حتى يخرجَ على البشرية بحلمه المترع غيظًا، والمخلوط بكل قباحات المعاني؛ إذ تمنى على أهله وذويه أن يوجهوا الصواريخ على مكة في موسم الحج، وذلك يبيّن بجلاء حجم الخوف من هذه الشعيرة العظيمة، متى ما فهمها المسلمون على مرادها الصحيح، فهل أدركنا ما وراء هذه الرسالة؟
إنَّ الحج ليس هو ذات الكلمة القليلة المبنى، البسيطة المعنى لدى بعض العقول؛ وإنما هو يلخص الإسلامَ كله؛ من حيث كونُ الحاج فيه يشاهِد أنوار القِبلة في الصلاة، وينفق من ماله على نفسه، وعلى مَن معه من أهله، فيما يشبه إيتاء الزكاة، ولا يؤدي شعيرة إلاَّ على شرطها من الطهارة، في امتناعٍ عن مباهج الدُّنيا، فيما يشبه الصيام، ولا ينام ولا يقوم إلاَّ على الذكر والتسبيح والتمجيد لله - عز وجل - والذِّكر منه إقرار بالوحدانية، فالحج جامع شتات الدِّين، فأكرِم بها من عبادة؛ تعيد صياغة المسلم على الفطرة الأولى التي خلقه الله عليها.
قيمة الكعبة المشرفة:
قال الله - تعالى -: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125]؛ أي: يثوبون إليه من كل مكان، ويعاودون إليه الزيارة؛ لأنهم لم يقضوا منه وطر الإشباع منه، فهم دائمًا مشتاقون إليه، وهذه من خصائص الكعبة المباركة؛ إذ تهابها النواظر، ولا تملها العيون، فهي - سبحان الله - تجمع بين القُدْسية والجلال والجمال.
وأهمُّ الخصائص المُميزة لهذا البيت العتيق وما حوله: هي الدُّرة المفقودة في زمن الغدْر والظُّلم والاحتيال، وهل في أرض الله أكثر مِن هذه المعاني؟ إنَّ الأرض عطْشى بملْء الكلمة وعمق معناها للأمان، تلك العُملة الإيمانية النادرة، التي يتفَيَّأ الحجاج ظلالها الوارِفة في كل بقعة من بقاع مكة؛ حيث ينعم به الإنسان والطير والحيوان، فهل يوجد الأمان إلاَّ عندنا؟ في زمان اشتدتْ فيه مِحَن الفزع، والخوف، والرعب، من كل طيف سارٍ، وازدادتْ فيه معدلات الجرائم الاجتماعية بشكل مذهل في بلاد ينعتونها بالحضارية، أو الدول المتقدمة، فلا غَرْو أن يكون الأمان هو العنوان، والملمح الغالب لمكة الغالية؛ استجابة منَ الله - تعالى - لدُعاء خليله إبراهيم - عليه السلام -: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا} [إبراهيم: 35]، وقدِ استجاب الله الدعاء، وذكَر أهل مكة في معرض المنِّ عليهم؛ {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67]، وقال - تعالى -: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3، 4].
فقد حَفَّ الله - تعالى - المسجد الحرام والبلد الحرام بنعمة الأمن والسكينة، قال عبدالرحمن بن أسلم: كان الرجل يلقى قاتل أبيه وأخيه فيه، فلا يعرض له، وإذا كان الأمن هو السِّمة المميزة الكبرى للبيت العتيق وما حوله، فقد خَصَّ الله - تعالى - مدينة رسوله - صلى الله عليه وسلم – بالإيمان؛ قال - تعالى -: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ} [الحشر: 9]، وعن أبي هريرة - رضيَ الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ الإيمان ليأرز إلى المدينة، كما تأرز الحية إلى جحرها» "صحيح البخاري 1743".
وأفاض منَ البَرَكات على المسجد الأقصى المبارك وما حوله؛ قال - تعالى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1]، وقال - تعالى - عنْ خليلِه إبراهيم - عليه السلام -: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71].
وتلك هي المقَدَّسات الثلاث التي يجبُ على كلِّ المسلمين أن يحموا حماها، وألاَّ يغفلوا عن مسؤوليتهم تجاهها طرفة عين، ففي حِفْظها وحمايتها منَ الأيادي الغادرة والقلوب الفاجرة - دليلٌ واضحٌ على أنهم قادرون على إثبات وجودهم، وحفظ كيانهم بين الأمم، ومِن ثَمَّ يُشير حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا المعنى، وغيره كثير؛ «لا تُشدُّ الرِّحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد: المسْجد الحرام، ومسْجد الرسول - صلى الله عليْه وسلم - والمسْجد الأقْصى» (صحيح البخاري 1147).
بل إنَّ النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - يُحَفِّز المسلمين إلى ارتياد هذه البِقاع الطاهرات، وندب السفر إليها؛ لِلْفَوْز بأجُور منَ الحسنات، لا تخطر بالبال، ولا تدور بالخيال.
فإذا كانتْ هذه مقدَّسات الأمَّة، فلا شكَّ أنَّ كلاًّ منها يمنح المسلمينَ قيمة خاصَّة، يَتَفَرَّد بها عن غيره؛ فالمسجد الحرام للحج والعمرة، والمسجد النبوي للزِّيارة، والمسجد الأقصى دليلٌ على العزة والكرامة، هكذا تُشِير كلُّ النُّصوص المبارَكة منَ القرآن والسُّنَّة.
فإذا لَم يكنِ البيت الحرام ميسورًا - معاذ الله - للحَجِّ والمناسك، فإلى أين يحج المسلمون؟ أم تراهم يفقدون الركن الخامس من أركان دينهم؟ وإذا لم تكنِ الزيارة ميسورة - معاذ الله - إلى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمِن أين يربح الزُّوَّار أجورهم التي قرنها النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بالأداء في مسجده المبارك؟ وإذا ضاع الأقصى مِن حوزة المسلمين، فهذا دليل صارخ على فقْد الكرامة، وضياع العزة، وقد تناثرتِ الفتن، وزادت حول جزيرة العرب، وفي رحاب الأقصى الحزين، رفيق المجد للحرمين، فمن ينقذه؟ بل إنَّ القلوب تخفق وجلاً مِن جَرَّاء ما يتلاطم من أمواج البلاء النازل بالأمة في فلسطين، والعراق، والوضع اللبناني الفاقد بطبعه للهدوء والاستقرار، والمناوَشات الغربيَّة التي تطال الشَّعب السوري في غرة من الزمن، فكيف يهدأ البال، وهذه البلاد هي تخوم المقدسات الثلاث؟
البيت العتيق ونقطة البداية:
مِن إكرام الله - تعالى - لبيته الحرام: أنَّه قام على بنائه ورعايته خيرة خلقِه منَ الأنبياء الكرام، والملائكة الأطهار - عليهم السلام - فقد ذكر الإمام القرطبي - رحمه الله - في "تفسيره": "قال جعفر بن محمد: سئل أبي - وأنا حاضر - عن بدء خلْق البيت؟ فقال: إنَّ الله - عز وجل - لَمَّا قال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، قالتِ الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30]، فغضب عليهم، فعاذوا بعرشه، وطافوا حول بيته سبعة أشواط؛ يسترضون ربهم، حتى رضي عنهم، وقال لهم: "ابنوا لي بيتًا في الأرض؛ يتعوَّذ به مَن سخطتُ عليه من بني آدم، ويطوف حوله كما طفْتُم حول عرشي، فأرضى عنه كما رضيتُ عنكم"؛ "الجامع لأحكام القرآن" (1/613).
وورد أنَّ أبا البشر آدم - عليه السلام - هو الذي بناهُ بعد أمر الله - تعالى - له، إثر نُزُوله إلى الأرض، وكان يطوف به ومعه المؤمنون من ولده.
وجاء الطوفان في زمان نبي الله نوح - عليه السلام - فأعفى على البيت وما حوله؛ كما وردت بذلك بعضُ الروايات.
وفي زمان الخليل إبراهيم - عليه السلام - يأمره ربُّه ببناء البيت، مع أنه لا يعرف مكانه، فدَلَّه الله - تعالى – عليه؛ قال الإمام السُّدي - رحمه الله -: لما أَمَرَ الله إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام -: أن يَبْنِيا البيت ثم لم يدريا أين مكانه، حتى بعث الله ريحًا، يُقال لها: "الخجوح"، لها جناحان ورأس في صورة حيَّة، فكنستْ لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول، وأتبعاها بالمعاوِل يحفران، حتى وضعا الأساس؛ "الجامع لأحكام القرآن" (1/613).
وفي ذلك يقول الله - تعالى -: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]، ثم أَمَرَهُ الله - تعالى - بالأذان بالحج: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]، أي: نادِ في الناس داعيًا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناكَ بِبِنَائه، فذكر أنَّه قال: يا رب، كيف أبلغ الناس، وصوتي لا ينفذهم؟ فقال: نادِ، وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل: على الحجر، وقيل: على الصفا، وقيل: على أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس، إنَّ ربَّكم قدِ اتَّخَذ بيتًا فحجُّوه، فيقال: إنَّ الجبال تواضعتْ حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع مَن في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر، ومدر، وشجر، ومن كتب الله له أن يحجَّ إلى يوم القيامة، "لبيك اللهم لبيك"؛ "تفسير القرآن العظيم"؛ للإمام ابن كثير (3/216)، وجرتِ التلبية على ذلك.
منافع الحجيج:
يربح الحجَّاج خيرات حسان، ومنافع جمَّة، جمعتْ بين خير الدُّنيا، ونعيم الآخرة؛ قال الله - تعالى -: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 28]، مِن هذه المنافع: الفوز بِغُفْران الذنوب، ومَحْو جميع الأوزار؛ فعنْ أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن حج، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه» "البخاري 17377"، ويروي الصحابي الجليل عمرو بن العاص - رضي الله عنه - وهو في سياقة الموت: فلما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ابسُط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: «مالك يا عمرو»؟، قال: قلتُ: أردت أن أشترطَ، قال: «تشترط بماذا»؟، قلت: أن يغفرَ لي، قال: «أما علمتَ: أن الإسلامَ يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله»؟ (صحيح مسلم 173)، من حديث طويل، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «الحجَّاج والعمَّار وفْد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم» "سنن ابن ماجه 2883".
فيا فرحة من أكرمه الله - تعالى - بالحج وقبوله، حيث محو الذنوب، وإجابة الدعوات، وتنزل الرحمات!
ومن منافع الحجيج: أنهم يتذوَّقون معنى الوَحدة مِن جديد؛ لتعيدَ لهم الإحساس بالائتِلاف والحبِّ، ووَحدة المصير، ومِن ثَمَّ يتعاونون ويتراحَمُون، أفرادًا وجماعات ودولاً، إنه درس عام للأمة كلها، برغم اختلاف الألوان والألسنة؛ {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، إخوة لا تفرقهم شياطين الإنس والجن على مؤثرات الهوى، وأماني النفوس، إخوة بمعنى الكلمة، لا تباغض بينهم؛ بل هم على قلب رجلٍ واحدٍ؛ كما قال لهم ربُّهم: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92].
لَوْ كَبَّرَتْ فِي جُمُوعِ الصِّينِ مئْذَنَةٌ سَمِعْتَ فِي الغَرْبِ تَهْلَيلَ المُصَلِّينَا
إنَّ الصورة العامة للحجيج تشرح موقف الإسلام العظيم من تفرقنا، الذي جَرَّ علينا كل أنواع الويلات، تأمَّل أشكال الطائفين والساعين والركع والسجود، تجدهم متبايني الألوان واللغات والمناصب والثقافات والمشارب؛ لكن يجمعهم الحج، ويصهرهم في بوتقة الإيمان، فأكرم بها من عبادة، تصلح ما أفسدتْه الأيام بين العِبَاد.
ومنَ المنافِع الإيمانية المبارَكة في الحجِّ: أنَّ الحاج يكتسب روح الزُّهد في الدُّنيا، إنه يَنْظُر إلى ملابس إحرامه، فيجدها تشبه الأكفان إلى حدٍّ بعيد، وينظر إلى كل مَن حوله فيجدهم مثله، خرجوا من مناصبهم وأهليهم، وأموالهم وجاههم، ومتاع الدُّنيا كله، فيما يتشابه مع المنظر العام للبشريَّة في أرض المحشر والمنشر، كأنَّ القيامة قد قامتْ، وقام الناس لربِّ العالمينَ، إنه منظر يثير في القلب مشاعر الإخبات لله - تعالى - مع محاوَلة إصلاح النَّفس، والتَّجَرُّد والإنابة، وكون الحجيج غرباء عن أوطانهم، فذلك يلهمهم ويُعَلِّمُهم أنَّهم في الدُّنيا دائمًا غرباء، ومِن ثَمَّ يحدوهم الشَّوق إلى وطنِهم الأصلي جنات الخُلُود، فيستعدون ويعملون لها.
وإذا توفَّى الله أحدًا منَ الحجيج، فبإذْن الله مصيره الجنة؛ {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100].
ومنَ المنافع: حُضُور علم، واعتكاف، وقراءة قرآن، وبذل صدقة، وتدارس أمور المسلمين، وتحسين خلق بالصبر على الصُّحبة، ومشاقِّ السفر، وغير ذلك كثير.
نسأل الله - تعالى - أن يرزقَنا حج بيته الحرام، وزيارة مسجد النبي - عليه الصلاة والسلام - والحمد لله في بدْء وفي ختم.
- التصنيف:
- المصدر: