بواد غير ذي زرع
هاني مراد
وأول ما طلبه إبراهيم لنفسه وذريته -وهو أبو الأنبياء ومحطّم الأصنام الذي بعث بالتوحيد- أن يجنّبه تعالى عبادة الأصنام. فأمر العقيدة والتوحيد هو الشغل الشاغل له عليه السلام.
- التصنيفات: التاريخ والقصص -
يتجلى إيمان إبراهيم عليه السلام وحكمته ونفاذ بصيرته في السورة التي سميت باسمه، وفي أدعيته الرخيمة في تلك السورة.
فأول ما طلبه إبراهيم عليه السلام هو أمن البلد الحرام. فهو عليه السلام يعلّمنا أن الأمن وحرية الاختيار كفيلان بنشر الإسلام الذي هو دين الفطرة السليمة واختيارها، إن توافر لها الأمن والحرية.
وأول ما طلبه إبراهيم لنفسه وذريته -وهو أبو الأنبياء ومحطّم الأصنام الذي بعث بالتوحيد- أن يجنّبه تعالى عبادة الأصنام. فأمر العقيدة والتوحيد هو الشغل الشاغل له عليه السلام. ويتجلى نفاذ بصيرته عليه السلام في ذلك الدعاء بالتوحيد. فقد رأى عليه السلام التواء البشرية، وقابليتها للزيغ والسفول إلى عبادة الأصنام، ويعلم عليه السلام ما سيكون من تيه الإنسان بين ضلالات الإلحاد والعقائد والفلسفات والشبهات التي تُردي الإنسان إلى جنون الشرك، وانحطاط الوثنية والنفاق، فهذه الأوثان "أضللن كثيرا من الناس!"
ثم إنّ إبراهيم عليه السلام ترك ذريته بواد غير ذي زرع. فهو عليه السلام يعلّمنا أن رسالة العقيدة تأتي قبل حضارة المادة، وأن رسالة ذريته من بعده هي الحفاظ على هذه العقيدة، وليس المال أو التجارة أو الزراعة رسالتهم الأولى.
كما يعلّمنا عليه السلام أن التوجه إلى مسبب الأسباب أولى من الأسباب. فهو -عليه السلام- لم يخش من ترك ذريته في واد غير ذي زرع، لكنّه دعا ربه {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} فإقامة الدين هي الهدف، وشكر النعمة الذي يتجلى في صفاء وإخلاص عقيدة التوحيد هو الهدف الأسمى.
لقد وهب إبراهيم عليه السلام حياته لعقيدته، فكانت حياته ثورة على الوثنية، وعلى الشرك بالأسباب، ودعوة إلى التوحيد النقي الخالص لرب الأسباب.