وقفات مع "الأيام العالمية"

منذ 2021-07-26

لقد أَهَمَّتِ الناسَ في هذا العالم قضايا كبرى، ومشاكلُ استعصت على الحل، أَرَّقت مضاجعَهم، وأقلقت ضمائرَهم، فوضعوا لها أيَّامًا عالمية، ليحتفل الناس بمناسباتها، ويتذكروا خطورتها.

وقفات مع "الأيام العالمية"
لقد أَهَمَّتِ الناسَ في هذا العالم قضايا كبرى، ومشاكلُ استعصت على الحل، أَرَّقت مضاجعَهم، وأقلقت ضمائرَهم، فوضعوا لها أيَّامًا عالمية، ليحتفل الناس بمناسباتها، ويتذكروا خطورتها.

وآخر ما احتفل به العالم ما يعرف بـ "اليوم العالمي لحقوق الإنسان"، الذي تندرج تحته أيام أخرى، منها "اليوم العالمي للسلام"، وما نرى الحروب تزداد إلاَّ اشتِعالاً، في مناطق متعدِّدة من العالم، حتى أُنفق على التسلُّح من أجلها عام 2007م 1339 مليار دولار، بزيادة 6%، بحيث صار العالم يملك من الأسلحة النوويَّة ما يكفي لتدمير كوكب الأرض عدة مرات، وارتفعت مبيعات السلاح في إحدى البلاد المصنِّعة قبل شهر تقريبًا بنسبة30%.

ومنها: "اليوم العالمي لحقوق المرأة"، مع أنَّ آخِر الإحصائيَّات عن أحوال المرأة في العالم الغربي تؤكِّد كونها تعيش أتعس فترات حياتها المعنوية، على الرغم من البهرجة المحيطة بها، التي يعتقد بعض الناس أنها نالت حريَّتها، مع أنَّ المنتصر الحقيقي هو الرجل في دفعها إلى مهاوي ممارسة الجنس معه من دون عقد زواج، يُتَوِّج المشاعر ببناء أسرة فاضلة؛
 {وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد: 33]، ففي إحدى البلدان الغربيَّة المتقدِّمة، نجد 170 فتاة شابَّة تحمل سفاحًا كلَّ أسبوع، وسجَّلت الشرطة في بلد أوربي آخر أكثر من 500 ألف بلاغ اعتِداء جسدي على المرأة في عام واحد، وأشارت إحدى الإحصاءات مؤخَّرًا في بلد آخر إلى أنَّ ثلث حالات الزواج تنتهي بالطلاق، وأنَّ عمر الزواج هناك لم يعد يتجاوز حاليًّا 6سنوات.

إنَّ المرأة هي الضحيَّة الأولى للانفِلات الجنْسي بدعوى التَّحرير، وإن الأسرة - باعتبارها النواة الاجتماعيَّة الأولى - هي الضحيَّة الثانية، كما يشهد بذلك هبوط نسبة الزَّواج في حقبة "الثورة الجنسية" بمعدل 40 %، وارتِفاع نسبة الطلاق إلى زهاء 45 % في الوقت الحاضر، ونتج عنه ارتفاع نسبة الأطفال الذين لا يعيشون في نطاق الأسرة إلى أكثرَ من الثلث، وارتفاع نسبة الأطفال "غير الشرعيِّين" إلى أكثرَ من الثلث.

هل هؤلاء هم الذين يعلِّمون المسلمين حقوق الإنسان؟! هل هؤلاء هم القدوة الذين أُمرنا أن نسمع لهم، ونهتدي بعبقريَّة تفكيرهم، في تنظيم الأسرة، وضبط علاقات أفرادها؟!

لقد تبيَّن أنَّ 52% من سكَّان دولة عظمى، يقولون: إنَّه ليست هناك أسبابٌ تدعو المرء إلى الزَّواج، وأنَّ 31% من الرجال والنِّساء المتزوِّجين، يقيمون علاقاتٍ جنسيَّةً غيرَ شرعيَّة، و78% من الأزواج هناك يعتقِدون أنَّهم يخونون بعضهم، وأنَّ 40% من النساء المتزوِّجات، لهنَّ أكثر من علاقة جنسيَّة، وترتفع هذه النسبة عند الرجال إلى 68%.

فانظر إلى النموذج الذي يُصَدِّر القوانين، ويوزِّع الحقوق، ويجد فيه شبابُنا، الذي يحتاج إلى أن يعرف دينه الرَّبَّاني، ونصائح رسوله الكريم - صلَّى الله عليْه وسلَّم - الذي لا ينطق عن الهوى، يجد فيه مستمسكًا ليتمادى بدوره في الفساد، ويَعُبَّ من هذه الثَّورة على الأخلاق، والانقضاضِ على ما تبقَّى من شذرات المروءة والعفَّة؛
«ومن يستعففْ، يُعِفَّه الله»، كيف يبهرُنا مجتمعٌ عددُ الفتيات المُراهقات فيه، اللواتي ينجبن يوميًّا، يصل إلى أربعين ألفًا، و60% من المواليد الجدُد في بلد أوربي واحد صغير - هم أبناء زِنا، لا يرتبِط آباؤهم وأمَّهاتُهم بعلاقة زواج، ويتحدَّثون - مع ذلك - عن "اليوم العالمي لمكافحة التمييز العنصري"، وأي تَمييز أعظم من أن نسمع بأنَّ من بين 15 مليون حالة إجهاض في العالم، هناك 4 ملايين حالة في بلد آسيوي فقير وحده، 90 % منها بعد التأكُّد من أنَّ الجنين أنثى، ألا يذكِّرنا هذا بما قصَّه القرآن الكريم عليْنا من وَأْد البنات عند الجاهليين؟! لكنَّه وأد بطريقة عصرية، وإن شئنا بطريقة حقوقيَّة، والله المستعان.

ويتحدَّثون عن "اليوم العالمي للأسرة"، وفي هذه الأسر 72 مليونَ أمِّي في العالم العربي وحْدَه، بينهم 12 مليون طفل، مع إمكان زيادة نسبة هؤلاء الأطفال إلى 60% خلال سنوات قليلة.

ويتحدَّثون عن "اليوم العالمي للأطفال المختفين"، ولم يَدْرُوا أنَّ البعد عن الثقافة الحقيقية لحقوق الطفل - كما رسمها الإسلام - هي السبب في وجود أكثر من 25 مليون مشرَّد حول العالم، ومع ذلك يتحدَّثون عن "اليوم العالمي للأطفال ضحايا الاعتِداءات"، وفي إحدى مدُن دولة متقدِّمة جدًّا، تَمتلئ شوارعها والطرقات فيها بأعداد كبيرة من الأطْفال والمراهقين، تتراوح أعدادُهم بين 100 إلى 300 ألف طفل دون سن الـ 18، يعملون في شبكات للدِّعارة، وتقول الغالبيَّة منهم إنَّهم بدؤوا البغاء قبل سنِّ 16.

وأعلنت منظَّمة الصحَّة العالميَّة رقمًا مذهلاً، وهو أنَّ 15 مليون طفل يموتون من الجوع كلَّ سنة، في كل دقيقة تمر يموت 29 منهم من الجوع.

ويردفون ذلك بـ "اليوم العالمي ليتامى الإيدز"، وقد أصابَ هذا المرض - الذي أنتجتْه المادية المعاصرة، والدَّعوات الإباحيَّة المكشوفة بِما تزعُمُه من الحريَّة، والمساواة، وإطلاق القيود للشَّهوات والمكبوتات - أزْيد من 80 مليون شخص، أوْدى بِحياة أزْيد من 40 مليونًا، والأربعون مليونًا الباقون من المصابين - وكثيرٌ منهم ضحايا وأبرياء - محكومٌ عليهم بانتظار الموت، في غياب العلاج الناجع - إلا أن يشاء الله - وفي غضون ذلك، يموت ثمانية آلاف منهم يوميًّا، بمعدل 1 تقريبًا كلَّ 11 ثانية، في الوقْت الذي يزداد يوميًّا عدد المصابين بِما يرْبو على 14000 ألف شخص، بمعدَّل 1 كلَّ 6 ثوانٍ تقريبًا، تتراوح أعْمار نصفِهم بين 15 سنة و 24 سنة، فأين المسلمون مما يجري حولهم؟

 

وَمَا  فَتِئَ   الزَّمَانُ   يَدُورُ   حَتَّــى   ***     مَضَى   بِالمَجْدِ    قَوْمٌ    آخَرُونَا
وَأَصْبَحَ لا يُرَى فِي الرَّكْبِ قَوْمِـي   ***      وَقَدْ     كَانُوا     أَئِمَّتَهُ      سِنِينَا
وَآلَمَنِي     وَآلَمَ     كُلَّ      حُـــــــرٍّ   ***      سُؤَالُ  الدَّهْرِ   أَيْنَ   المُسْلِمُونَ؟


 
 هذه بعض الأيَّام العالميَّة، وغيرُها مما يحتاج إلى وقفاتٍ كثيرٌ، كـ"اليوم العالمي لمحاربة التعاطي والمتاجرة بالمخدرات"، و"اليوم العالمي لمحاربة المجاعة"، و"اليوم العالمي لمحاربة الانتِحار"، و"اليوم العالمي للمُعاقين"، و"اليوم العالمي لمكافحة الفساد"، واللائحة طويلة تتضمَّن أزْيد من تسعين يومًا.

وأنت إذا تأمَّلت في الأمر، وجدت أنَّ كثيرًا من بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي احتفل العالم قبل أيَّام بسنته الستين - هي السبب في هذه الوضعيَّة الكارثيَّة التي تعيشها الإنسانيَّة؛ تقول المادَّة 19: "لكل شخص الحقُّ في حرية الرأْي والتعبير"، فلك أن تقول ما شِئْتَ، وأن تطلق العِنان للِسانِك في المجامع، ولقلمِك أن يكتب في الجرائد والمجلات والكتُب، بدون رقيبٍ ولا حسيب؛ والله تعالى يقول:
 {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].

وتقول المادَّة 18: "لكلِّ شخص الحقُّ في حريَّة التَّفكير والضَّمير والدين، ويشمل هذا الحقُّ حريَّة تغيير ديانتِه أو عقيدتِه"، وربُّ السماوات يقول:
 {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]، وفي الحديث: «لا يؤمِن أحدُكم حتَّى أكون أحبَّ إليْه من والده، وولَدِه، والنَّاس أجمعين» (متفق عليه).

ألا وإنَّ الهدى هدى الله، وإنَّ النجاة في كتاب الله:
 {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44]، وفي سنَّة رسوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - القائل: «تركتُ فيكم شيئَيْن لن تضلُّوا بعدهما: كتابَ الله وسنَّتي، ولن يتفرَّقا حتى يرِدا عليَّ الحوض» صحيح الجامع، فهُما الملاذ للتَّائهين، والعصمة للضَّالِّين، والنور للمُدْلِجين، والركن المتين للآيِبين، وفيهما صلاح الدنيا والدين.
 

وَالعِيسِ فِي البَيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّمَا        وَالمَاءُ  فَوْقَ  ظُهُورِهَا  مَحْمُولُ

  • 0
  • 0
  • 1,104

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً