الدبلوماسية الأنثوية والقوة الناعمة
القوة الناعمة أصبحت في متناول الجميع لمن يتقنها بأدواتها وتتقبله القلوب والعقول.
ذات يوم تكلم المحاضر عن الدبلوماسية العامة ولم أكن قد عرفتها من قبل، كان يتنقل بين المصطلحات برشاقة ويعبر عنها باستفاضة، وكانت الأفكار المتلاحقة تأخذني إلى مكان آخر بعيدًا عن المحاضرة وخارج القاعة، أخذت أفكر حول دبلوماسية بعض النساء في التعامل مع أزواجهنَّ واستخدام القوة الناعمة للوصول بها إلى مآربهن وكيف تستطيع تلك القوة التي لا تتنبه إليها الكثيرات في تحقيق الاستقرار والسعادة الزوجية، فقد تكون إحداهنَّ لا تحمل الشهادات العليا لكنها تتمتع بإحساس أنثوي عالٍ بفطرتها وتحب ذاتها الضعيفة وتدرك معها كل أيقونات القوة التي تمتلكها بضعفها فتنسج منها خيوطا دقيقة لا يستطيع زوجها إلا أن يقع في شباكها وباختياره..
تساءلت لسنوات عن سبب نجاح الكثيرات في كون بيوتهنَّ هادئة ومستقرة، وتبين السر بعد البحث الكثير بإتقانهنَّ للغات جديدة في التفاهم وتحقيق السلام المشترك بينهما، وغالبا ما يكون الحظ الأوفر من نصيب المرأة الدبلوماسية التي تقدر الأمور بحكمة وتتمتع بتوازن نفسي وحس فكاهي إلى جانب تقدير وقت الطلب والانسحاب التكتيكي عند المقاومة..
الدبلوماسية تعني اقناع الآخر بوجهة نظرك دون أن يدري هو بذلك، فالعمل يكون بطريقة المكاسب المجزأة وليس دفعة واحدة كالتي يقوم بها صناع الرأي العام في عالم السياسة فمثلا إذا أرادوا اقناعنا بضرورة انتخاب شخص معين فإنهم لا يأتون إلينا مباشرة بطلب انتخابه، بل يتدرجون في إفهامنا أولًا أنه لا بد من جعل المرأة شريكًا للرجل في كل ميدان ثم تصبح معظم المسلسلات بعد فترة تتمحور نحو أنواع الاضطهاد للمرأة وسبل التخلص من تسلط الرجل وقمعه، ثم تنتشر بعدها التغريدات والمنشورات بهذا الاتجاه ليخرج من قلب هذه العاصفة من يريد انقاذ المرأة من ذلك الجحيم بإعلان انتخاب شخص معين ليتحقق على يديه تطلعات الشعب ومتطلبات المرأة المسكينة ونحن بالطبع لا ندري أنها كانت حملة لصناعة رأي عام محدد منذ البداية تستهدف ذلك الشخص بعينه..
وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة فنحن نعيش في عالم مليء بالمصادر المعرفية، والغالبية من الناس غارقون في وسائل التواصل الاجتماعي التي تزداد وتتكاثر بشكل مخيف والتي يطل منها نساء لا يشبهن المرأة العربية في ثقافتها التي تعتمد الخوف والكبت فلماذا ننسى أن الأزواج يتأثرون بما يشاهدونه فيها ولماذا لا نعترف بقصور التربية للإناث في استخدام أيقونتها وذكائها للحصول على طلباتها ولماذا لا نعترف بأن معظم النساء لا يكتشفن قوة ضعفهن في صنع التناغم التام في البيت بل يكرهن ضعفهن ويعتبرنه ذريعة لتلقي قهر الرجل وجبروته وتسلطه مع أن الشريحة الأكبر من الرجال الأسوياء بحاجة ماسة للشعور بذلك الضعف ليتحقق منه التوازن النفسي لديهم بتواجد ذلك التضاد بين الرجل والمرأة وشعور كل منهما به، فالزواج عملية معقدة من تلاقي عقلين وقلبين ونفسين إلى جانب القدرة على تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات فقد تكون المرأة على قدر من المعرفة والتوازن بما تريده من الزواج والاقتران بذلك الرجل ولكن الطرف الآخر لا يمتلك القدرة على فهم ما تريده بالخطاب المباشر وهنا لا بد من المرونة لكلا الطرفين واستخدام الدبلوماسية والقوة الناعمة لإيصال الرسائل والمعلومات للطرف الآخر، فقد ينجح أحدهما في اقناع الآخر بأبسط الأمور وبشكل تدريجي بعيدًا عن التعقيدات والمواجهة المباشرة، بل حتى دون حوار طويل ممل، بل فقط بامتلاك القدرة على جعل الآخر يتبنى وجهة نظره دون التصريح بذلك، وهنا يلعب دور التثقيف والبحث عن تلك الطرق من الجانبين وغالبا ما تتم الاكتشافات بعد فترة طويلة من السلام النفسي لأحدهما وفهم ذاته ومحبتها بشكل حقيقي.
فلم تعد الدبلوماسية تختص بالذين يعملون في السياسة أو في صناعة الرأي العام بل أصبحت تتعداها للحياة اليومية العامة بين الناس فصاحب التأثير في الناس يعتبر دبلوماسيًا طالما أنه يؤمن بقضية ويسعى نحو غاية، فالقوة الناعمة أصبحت في متناول الجميع لمن يتقنها بأدواتها وتتقبله القلوب والعقول.
_________________________________________
الكاتب:دعاء بيطار