التخطيط واختيار الكفاءة من دروس الهجرة
فليس من صفة المؤمن العبث ، وليست الفوضوية من صفة المؤمن .. المؤمن منظم المؤمن منمق المؤمن يرتب لكل صغيرة وكبيرة..
أيها الإخوة الكرام: قبل أيام كنا نتحدث عن درس مستفاد من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام وهو ( أن يكون المسلم متوازنا قويا في أمر دينه وفي أمر دنياه) وجاء ذلك واضحا جليا عندما وصل النبي إلي المدينة فأمر ببناء مسجد وإقامة سوق..
أما يومنا هذا فالحديث فيه عن درس آخر مستفاد من هجرة رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو ضرورة أن يخطط المؤمن لكل صغيرة وكبيرة في أمر دينه ودنياه..
فليس من صفة المؤمن العبث ، وليست الفوضوية من صفة المؤمن ..
المؤمن منظم المؤمن منمق المؤمن يرتب لكل صغيرة وكبيرة..
المؤمن يرتب كلامه قبل أن يتكلم به المؤمن يرتب لعبادته قبل أن ينخرط فيها المؤمن يرتب لعمله قبل أن يتحرك المؤمن يرتب أفكاره قبل أن يترجمها إلى واقع ..
أيها الإخوة الكرام: الترتيب والتنسيق وحسن الإعداد لأمر الدين والدنيا المؤمن له في ذلك قدوة هو فعل النبي محمد صلي الله عليه وسلم ..
أقرب مثال يعطينا دلالة على أن رسول الله كان يخطط ويدقق ويرتب الأمور كلها ما وقع قبل هجرته عليه الصلاة والسلام وما وقع خلال الهجرة وما وقع بعدها كل ذلك يدلل على أن رسول الله لا محل العبث في حياته ولا محل الفوضي في قراراته
قبل أن يهاجر رسول الله وقبل أن يفارق أم القري رتب أوراقه واتفق مع أهل المدينة مرتين في جلستين متفرقين ويقصد بهاتين الجلستين ( بيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية) وفيهما بايعه أهل دار الهجرة على الإيمان به وعلى أن يمنعوه إذا هاجر إليهم مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم وأن ينصروه ودينه مما ينصرون منه أنفسهم وأهليهم ..
أذن الرسول للمسلمين أن يسبقوه إلى المدينة فخرجوا إليها ولما جاءه أبو بكر يستأذن فى الخروج كما خرج الناس قال له النبي ارجع يا أبا بكر لعل الله أن يجعل لك صاحباً يقصد نفسه صلى الله عليه وسلم
أمر رسول الله أبا بكر أن يجهز للهجرة أموالاً ورحالاً , واتفق مع رجل أمين يقال له عبد الله بن أريقط وكان مشركاً ليدله على الطريق , ورسم لأبناء أبى بكر وخدمه كيف يزودونه بالطعام والشراب وكيف يتحسسون الأخبار وكيف يضللون المشركين عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقبل ذلك استبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً لينام فى فراشه ليلة الهجرة وأنه إذا أصبح رد الودائع والأمانات إلى أصحابها من المشركين والمشركات
رتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعدّ لكل صغيرة وكبيرة وخطط لكل دقيقة وجليلة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسباب وكأن الأسباب هي كل شيء ثم توكل على الله تعالى وكأن كل الأسباب لا شيء ..
فأيده الله وربط على قلبه ورعاه ووفقه ونصره وكف أيد الناس عنه ونجاه قال الله عز وجل : {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }
كان كيد المشركين محكماً ومتقناً لكن الأمر كما يقال وإذا العناية لاحظتك عيونها نمْ فالمخاوف كلهن أمانُ {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}
واصل المشركون سعيهم فى البحث عن رسول الله حتى وصلوا إلى الغار ورسول الله والصديق فيه وقتها قال أبو بكر يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا فقال النبى يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا
صرف الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم الضر والأذى ووصل إلى المدينة بسلامة الله فأسس للإسلام ونشر من المدينة نور الإسلام على ما حولها من الشعوب والأمم ويوم تقاعس ضعاف الإيمان عن نصرة رسول الله فى غزوة تبوك ذكرهم الله بنصرته لرسوله ليلة الهجرة وأنزل {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
اسمعوا مني أيها المؤمنون وانقلوها عني :
ليس في الحياة الدنيا شيئ بالمجان .. حتى التوفيق من الله تعالى حتى النجاح والفلاح لا يكون إلا لمن يعمل لمن يتحرك لمن يأخذ بالأسباب ويعمل كل ما فى وسعه ويعمل كل ما يقدر عليه وقلبه ممتلئ بالثقة وحسن الظن بالله تبارك وتعالى ( {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } )
نجحت هجرة رسول الله بفضل الله تعالى وبفضل الترتيب المسبق والتنظيم المسبق وبفضل علو الهمة فى نفس النبى عليه الصلاة والسلام
نسأل الله تعالى أن يرزقنا هجرة من الحزن إلى السعادة ومن البلاء إلى العافية إنه ولي ذلك والقادر عليه..
الخطبة الثانية
بقى لنا فى ختام الحديث أن نذكر أنفسنا بصيام عاشوراء ..
وما صيام عاشوراء ؟
صيام عاشوراء هو الصيام الأول الذي فرضه الله تعالى على النبي وعلي المسلمين ثم نسخ بصيام رمضان..
بعد أيام معدودات أيها المؤمنون وتحديدا يوم الأربعاء من الأسبوع القادم يهل علينا يوم من الأيام المباركة الميمونة وهو يوم عاشوراء..
ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود فيها يصومون عاشوراء..
فسألهم عن سبب الصيام ؟!
فقالوا فى هذا اليوم نجى الله موسى وبنى إسرائيل من فرعون وفيه أغرق الله فرعون وجنده فصام موسى هذا اليوم طاعة وشكراً لله تعالى قال اليهود ونحن نصومه تأسياً بموسى عليه السلام ..
فقال النبى نحن أولى بموسى منكم فصامه رسول الله وفرض صيامه على المسلمين وأمر مناديا أن ينادى فى الناس : من أصبح صائما فليتم صومه ومن أصبح مفطراً فليمسك بقية يومه ..
فلما فرض صيام رمضان نسخ صيام عاشوراء ليتحول من فريضة إلى سنة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ظل الحال علي هذا سنين عددا ..
اليهود يصومون يوم عاشوراء والمسلمون يصومون يوم عاشوراء وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يحب أن يوافق أهل الكتاب فيما لم ينه عنه ..
حتى كان فتح مكة وكانت آخر أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثر كلامه عن ضرورة أن يتميز المسلم عن غير المسلم وعن ضرورة أن نخالف اليهود في هيئاتنا وفي أعمالنا وفي سلوكنا فقيل يا رسول الله أمرتنا أن نخالف اليهود ونحن نصوم عاشوراء وهم يصومونه فكيف نخالفهم ؟
فقال صلى الله عليه وسلم صوموا يوما قبله أو يوماً بعده وخالفوا اليهود وقال عن نفسه لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر فلم يلبث أن توفى صلى الله عليه وسلم..
- التصنيف: