كنوز نبوية - المقال الثاني
- فيه جواز السؤال عن الإسلام للتنبيه والتذكير بملزمه .. قال السندي: قوله: "أَلسْتَ بمسلم": فيه أن الجلوس بلا صلاة في مسجد يُصلَّى فيه ليس من خصال المسلمين.
{بسم الله الرحمن الرحيم }
** روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: ««أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا»»
- فيه أن النجاشي ملك الحبشة أسلم ومات مسلما لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي إلا على مسلم.
- وفيه التأكيد المستمر على أخوة الدين على اختلاف الألوان والقبائل والأعراف وكذا بُعد المكان.
- أهمية أن يتفاعل الأكثرية المسلمة مع الأقلية المسلمة بجميع صور التفاعل المعهودة المادية والوجدانية، من معاهدة الأخبار، والولاء والبراء، والتأييد والنصرة بالدعاء وبكل هو ممكن ومتاح.
- معرفة أهمية الرمز ومقوماته وسماته، وإعلام الله تعالى لنبيه منزلة النجاشي عند الله وملائكته ورسله من القبول والرضا.
- التقدير لهذا الملك العادل الذي وقف موقف البطولة مع المسلمين دفاعا وحماية.
- تعليم الجميع أن الرجل يصنع ذكراه وبطولته وخاتمته وسيرته التي تفوق الأرجاء بالعمل لهذا الدين.
- أن المرء ربما لم يجتمع برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيا ولم يره رؤية عين، ومع هذا ففعال النبي -صلى الله عليه وسلم- دليل على لقاء حتمي سيكون في مستقر الجنان معه، وهذه الصلاة عليه بداية السلام إليه.
- أهمية نقل شعور الفقد لأبناء الأمة، وما في ذلك من عظيم الإحساس ونبل المشاعر وسلامة الأخوة وقوة العقيدة.
- أول صلاة على الغائب كانت من نصيب هذا العلم الأسمر الذي حمل بياضا قلبي فاق بياض الصبح والثلج، وكأن التكريم الإلهي له والنبوي بتشريع جديد واستثناء جميل وجليل، نظير ما قدمه في خدمة دينه وإخوانه، فرفع شأنه وكان هذا بداية لما يكون بعده من مكرمات الله عليه.
- قال أهل العلم: لا يصلى على أحد غائبا إلا من مات في مكان ولم يصلى عليه. وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه وهو الراجح: أنه لا يصلى على أحد مهما بلغ في العلم ونفع المسلمين إلا إذا مات في مكان لم يصل عليه، فإنه يصلى عليه قياما بالواجب، ولهذا كان الصحابة -رضي الله عنهم- يموت فيهم الكبير في العلم والغني في المال بل والخلفاء ولم يعهد أن أحد منهم صلى على هؤلاء، فدل ذلك على أنه لا يشرع الصلاة على الغائب إلا من لم يصل عليه فقط، كما لو غرق في البحر ولم يصل عليه أو مات في زلال ولم يصل عليه .. وما أشبه ذلك، فهذه حالة يصلى عليه الصلاة على الغائب.
- قوله (نعى النجاشي للناس) يريد أخبرهم بموته، وقد أخبر بقتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة في غزوة مؤته، وهذا النعي غير محظور، فأما النعي الذي يكون معه الصياح والضجيج وتعداد مآثر الميت، فإنه محظور، ولذلك كره مالك أن تدار بالجنائز على أبواب المساجد والأسواق؛ لأنه من النعي. والنعي من أمر الجاهلية.
- قوله: (نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه)، فيه معجزة للنبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أخبر بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه مع البعد الكبير الذي بين المدينة والحبشة في ذلك الزمن الذي لم يكن فيه اتصال ولا برق ولا هاتف ولا طائرات ولا شيء.
** روى أحمد عَنْ بُسْرِ بْنِ مِحْجَنٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَجَلَسْتُ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ لِي: "أَلَسْتَ بِمُسْلِمٍ؟"، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: "فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ؟"، قُلْتُ: صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي، قَالَ: (فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَلَوْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ فِي أَهْلِكَ)»
- فيه جواز السؤال عن الإسلام للتنبيه والتذكير بملزمه .. قال السندي: قوله: "أَلسْتَ بمسلم": فيه أن الجلوس بلا صلاة في مسجد يُصلَّى فيه ليس من خصال المسلمين.
فربط الإسلام بالصلاة، مما يدل على التلازم بين الإيمان والصلاة، ومر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على رجل -كما في الصحيح- ينصح أخاه في الحياء، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دعه، فإن الحياء من الإيمان)، معنى ذلك أن إيمانه سيظهر عليه بحيائه من الله، وحيائه من الملائكة، وحيائه من الرسول، أو حيائه من الصالحين، فالنبي صلى الله عليه وسلم استدل على أنه لو وجد إيمان في القلب فلابد أن يظهر على أعمال الجوارح.
- في الحديث دلالة الإسلام شهود الجماعات وعدم تركها
- ليس كل ما تظن صحيح، فلا غنى عن معلم يوجهك ويصوب خطأك
- ما يعطى في الجماعة من الخير قد لا يصيب المشاهد والمنفرد
- فيه استزد من الخير ما فتح لك فيه باب، وإذا كان هذا في الصلاة فما بالك بإعادة قراءة كتاب أو مسألة أو ختمة أو ذكر
- التكرار يجبر بعضه بعضا، وربما يصيب المرء من الثاني ما لم يصبه من الأول
- التأكيد على ترك الزجر أو التقليل إن صلى الرجل مع أهله.
- مثله الحديث الذي رواه ابْن عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ، قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- أَعْرَابِيٌّ فَبَايَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَامَ فَفَشَجَ فَبَالَ فَهَمَّ النَّاسُ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم-: لاَ تَقْطَعُوا عَلَى الرَّجُلِ بَوْلَهُ، ثُمَّ دَعَا بِهِ، فَقَالَ: أَلَسْتَ بِمُسْلِمٍ؟! قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَمَا حَمْلَكَ عَلَى أَنْ بُلْتَ فِي الْمَسْجِدِ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا ظَنَنْتُ إِلاَّ أَنَّهُ صَعِيدٌ مِنَ الصَّعَدَاتِ فَبُلْتُ فِيهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم بَذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ، فَصُبَّ عَلَى بَوْلِهِ» «» .[المعجم الكبير للطبراني]
- قال الإمامُ النووىُّ: لو أن إنساناً غضِبَ على ولدِهِ أو غلامِهِ [أي عبدِه] فبسبب الغضب ضربه ضرباً شديداً فمرَّ به رجل فرءاه يضرِبُهُ هذا الضربَ الشديد فقال له: ألست بمسلم؟! كيف تضربُه هذا الضرب؟! فأجابه بقوله: لا-يعنى لست مسلماً-متعمداً أي بإرادته، قال النووي: يكفر ولو كان غاضباً.
فلا يشترط ليُحكَم على شخصٍ بالكفر أن يكون نطق بالكفر في حال الرِضَا أي في غيرِ حال الغضب. يَعنِى أنَّ مَنْ نَطَقَ بكلمةِ الكفر في حال الرضا أو في حال الغضب فهو كافر إلا إذا كان غَضَباً شديداً جداً بحيثُ غاب عقلُه بسَبَبِهِ فما عاد يَعِي ماذا يقول، فَقَدَ التمييز، فعند ذلك لا يكتب عليه اللفظ الكفرىّ.
أما في غير ذلك من أحوال الغضب فإنه يُكتب عليه مهما بلغ به الغضب طالما هو يَتَكلَّمُ بإرادته. بعضُ الناس يقولون: "إذا كان الشخصُ غاضباً فتكلم بكلمةِ الكفر لا تُكتب عليه"، فقولهم هذا ضلال لأن اللهَ ما استثنى هذه الحال في القرآن والنبِىَّ صلى الله عليه وسلم ما استثناها في الحديث. فهؤلاء الذين يستثنون حالَ الغضب يستدركون على الله تعالى وعلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذا أمر مشاهَد، فكثير من الناس يتكلمونَ بالكفر بسهولة كأنَّهم يشربون الماء. في الأزمان الماضية كان لو تَلَفَّظَ إنسانٌ باللفظِ الكُفْرِىّ علانيةً يحصُلُ من ذلك أمر عظيم. وأما في أيامِنَا فَيُشْتَمُ اللهُ عزَّ وجلّ علانيةً في مواضعَ كثيرةٍ جداً ومن أناس كثيرين يَدَّعُونَ الإِسْلام، وقليلٌ مَنْ يَنْصَحُ هؤلاءِ وينهاهُم عمّا يقولون. هذا وكثيرٌ منهم لا يعتقدون أن ما قالُوه كفرٌ يخرجُهُم من الإسلام، وهو حقيقةً مُخْرِجٌ لهم من الدين.
وذلك مصداقُ قولِهِ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بأساً يهوِى بها فِى النار سبعين خريفاً) أي مسافةَ سبعين عاماً في النزول وذلك منتهَى جهنم وهو خاصٌ بالكفار. والحديثُ رواه الترمذىُّ وحَسَّنَهُ، وفى معناهُ حديثٌ رواه البخارىُّ ومسلم.
وهذا الحديثُ دليلٌ على أنه لا يُشترَط في الوقوع في الكفر معرفةُ الحكم ولا انشراحُ الصدر ولا اعتقادُ معنى اللفظِ.
وأن من نطق بخلاف كلمة التوحيد -كمن قال عن نفسه معانداً لغيره إنه كافر، حين يأمره بالطاعة ويذكره بالإيمان كأن يقول له: ألا تؤمن بالله حتى تفعل كذا؟ فقال: لست مؤمناً، أو قال -والعياذ بالله- إنه كافر- فهذا لا يكون مؤمناً فعلاً، ونطقه بهذه الكلمة يخرجه من ملة الإسلام، حتى ولو قالها استهزاءً أو عناداً أو إغاظة لصاحبه.
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: