كنوز نبوية - المقال الرابع..
قوله: (إذا مات صاحبكم) أي المؤمن الذي كنتم تصاحبونه لقرابة أو صهارة أو جوار أو صدقة أو نحوها (فدعوه) اتركوه من الكلام فيه بما يؤذيه لو كان حياً
{بسم الله الرحمن الرحيم }
كنوز نبوية (4)
** روى الترمذي أَبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ -يَعْنِي العَبْدَ مِنَ النَّعِيمِ- أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ، وَنُرْوِيَكَ مِنَ المَاءِ البَارِدِ» )
(أَنْ يُقَالَ لَهُ) أي من قبل الله تعالى (ألم نصح لك جسمك) أي جسدك وصحته أعظم النعم بعد الإيمان (ونرويك من الماء البارد) الذي هو من ضرورة بقائك ولولاه لفنيت بل العالم بأسره.
قال تعالى: { {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} } [التكاثر:8] روى الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لما نزلت هذه الآية { ث {م لَتُسْألُنَّ يومَئذٍ عن النَّعيم} } قال الناس: يا رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-، عن أيِّ النَّعِيم نُسْألُ، وإنما هما الأسودان، والعدوُّ حاضرٌ، وسيُوفُنا على عواِتقِنا؟ قال: (إنَّ ذلك سيكون)
هذا يحتم الوجهين أحدهما أن النعيم الذي تسألون عنه سيكون،، والثاني ان السؤال سيكون مع هذه الحالة التي أنتم عليه كما يدل عليه الحديث الذي روى الترمذي من أن يقال له ألم نصح لك ونرويك من الماء البارد.
** قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مثل المؤمن ومثل الموت كمثل رجل له ثلاثة أخلاء؛ أحدهم ماله قال: خذ ما شئت. وقال الآخر: أنا معك فإذا مت أنزلتك. وقال الآخر: أنا معك وأخرج معك. فأحدهم ماله، والآخر أهله وولده، والآخر عمله» . [حسن] وذكره الهيثمي من حديث أنس وزاد في آخره: فيقول: (إن كنت لأهون الثلاثة علي) [الصحيحة:2481]
** روى الإمام أحمد عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ كَأَنِّي اللَّيْلَةَ فِي دَارِ رَافِعِ بْنِ عُقْبَةَ فَأُوتِينَا بِتَمْرٍ مِنْ تَمْرِ ابْنِ طَابٍ [نوع من الرطب معروف مضاف إلى بن طاب رجل من أهل المدينة]، فَأَوَّلْتُ أَنَّ لَنَا الرِّفْعَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْعَاقِبَةَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ»
- قوله: (فأولت أن الرفعة) أي التي هي أصل رافع (لنا في الدنيا) لقوله تعالى {يرفع الله الذين آمنوا منكم} (والعاقبة) أي المأخوذ من عقبه (في الآخرة) أي العاقبة الحسنة لنا، لقوله تعالى: {والعاقبة للتقوى} (وأن ديننا قد طاب) أي كمل واستقرت أحكامه وتمهدت قواعده.
- في الحديث جواز تعبير الرؤيا، وقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول لأصحابه (من رأى منكم رؤيا) مما فيه الحث على علم الرؤيا والسؤال عنها وتأويلها.
- قال القاضي قيل لمالك: أيعبر الرجل الرؤيا على الخير وهي عنده على الشر؟ فقال: معاذ الله، أبالنبوة يتلعب؟!! هي من أجزاء النبوة.
- فيه الفأل الحسن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
** عن أسماء بنتِ يزيد -رضي الله عنها-: «أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ في المَسْجدِ يَوْماً، وَعُصْبَةٌ مِنَ النِّسَاءِ قُعُودٌ، فَألْوَى بِيَدِهِ بالتسْلِيمِ» [أي أشار بيده بالتسليم] .. [الترمذي، وَقالَ :حديث حسن]
لكن أخرج النسائي بسند جيد عن جابر رفعه (لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف الإشارة)
قال النووي لا يرد على هذا (يعني حديث جابر هذا) حديث أسماء بنت يزيد (فألوى بيده بالتسليم) فإنه محمول على أنه جمع بين اللفظ والإشارة وقد أخرجه أبو داود من حديثها بلفظ «فسلم علينا» انتهى
والنهي عن «السلام بالإشارة» مخصوص بمن قدر على اللفظ حسا وشرعا وإلا فهي مشروعة لمن يكون في شغل يمنعه من التلفظ بجواب السلام كالمصلي والبعيد والأخرس وكذا السلام على الأصم انتهى.
كما روى الترمذي أيضا في [باب ما جاء في كراهية إشارة اليد بالسلام] حديث ابن عمرو -رضي الله عنه- قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف).
فقد كانوا يكتفون في السلام أو رده أو فيهما بالإشارتين من غير نطق بلفظ السلام الذي هو سنة آدم وذريته من الأنبياء والأولياء.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: أما السلام على النساء فالسلام على المحارم من النساء والزوجات سنة، والمحارم يعني التي لا يحل لك أن تتزوج بها، تسلم عليها ولا حرج في ذلك، تسلم على زوجتك أختك عمتك بنت أخيك بنت أختك، ولا حرج في هذا، أما الأجانب فلا تسلم عليهن اللهم إلا العجائز الكبيرات إذا كنت آمنا على نفسك من الفتنة، وأما إذا خفت الفتنة فلا تسلم، ولهذا جرت عادة الناس اليوم أن الإنسان لا يسلم على المرأة إذا لاقاها في السوق وهذا هو الصواب، ولكن لو أتيت بيتك ووجدت فيه نساء من معارفك وسلمت فلا بأس ولا حرج بشرط أمن الفتنة، وكذلك المرأة تسلم على الرجل بشرط أمن الفتنة.
** عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ: «ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دينا لأداه الله عنك قل يا معاذ اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك » [رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد]
** روى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « (إِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ وَلَا تَقَعُوا فِيهِ)»
قوله: (إذا مات صاحبكم) أي المؤمن الذي كنتم تصاحبونه لقرابة أو صهارة أو جوار أو صدقة أو نحوها (فدعوه) اتركوه من الكلام فيه بما يؤذيه لو كان حياً، ولما كان الترك قد لا يستلزم ترك الوقيعة قال (ولا تقعوا فيه) أي لا تتكلموا في عرضه بسوء، ولا تتكلموا بعده بشيء من أخلاقه الذميمة، فإنه قد أفضى إلى ما قدم. وغيبة الميت أفظع من غيبة الحي لأنه يرجى استحلاله بخلافه.
وقد ورد في عدة أخبار الكف عن مساوئ الأموات مطلقاً فتخصيص الصاحب للاهتمام وبيان أنه بذلك أحق
وبالمناسبة: حديث (اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم) رواه أبو داود والترمذي عن ابن عمر وهو حديث ضعيف، فيه عمران أنس المكي قال الترمذي عن البخاري: منكر الحديث. وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه وقال في المهذب: قال البخاري عمران منكر الحديث.
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: