المقال السادس ..
خالد سعد النجار
وذلك لأن الظالم هالك في الدارين، والمظلوم قد يسخط ولا يصبر لقضاء الله فيهلك، وقد كان من دعاء المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من بيته قال: (اللهم إني أعوذ بك أن أظلم أو أظلم)
- التصنيفات: الحديث وعلومه -
بسم الله الرحمن الرحيم
كنوز نبوية (6)
** روى أبو داود عَنْ الْعُرْسِ ابْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا عُمِلَتْ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا -وَقَالَ مَرَّةً أَنْكَرَهَا- كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا» [حسنه الألباني]
وذلك لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات، ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب، وهو فرض على كل مسلم لا يسقط عن أحد في كل حال من الأحوال، وأما الإنكار باليد واللسان فبحسب القدرة ... والصورة الأولى فيها إعطاء الموجود حكم المعدوم، والثانية عكسه.
** (تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه) [الدارقطنى عن قتادة عن أنس]
وفي رواية: (إن عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا منه)
وفي رواية: (عامة عذاب القبر من البول)
وفي رواية: (أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْبَوْلِ)
قوله: (تنزهوا من البول) أي تباعدوا عنه، واستبرأوا منه، والنزاهة البعد عن السوء، فمن بمعنى عن، وأصل التنزه البعد مما فيه الأدناس والقرب مما فيه الطهارة. لكن لا تنتهوا إلى الوسواس المذموم، ومما شدد على الأمم السابقة أنه كان على أحدهم إذا أصاب البول بدنه أن بقرضه بمقراض
(فإن عامة عذاب القبر منه) أي من ترك التنزه عنه، يعني أنكم وإن خفف عنكم في شرعنا ورفعت عنكم الآصار والأغلال التي كانت على الأولين من قطع ما أصابه البول من بدن أو أثر، فلا تتهاونوا بترك التحرز منه جملة، فإن من أهمل ذلك عذب في أول منازل الآخرة [أي القبر]، وهذه المنزلة إن كانت سهلة فما بعدها أسهل منه، أو صعبة فما بعدها أصعب، وفيه أن عدم التنزه من البول كبيرة.
وفي إضافة عذاب القبر إلى البول خصوصية محضة دون جميع المعاصي مع العذاب بسبب غيره.
وفي الحديث وجوب غسل البول إذا حصلت ملابسته، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة، لكن قال أبو حنيفة: يعفى عن قدر الدرهم منه، وعن بول ما يؤكل.
** روى الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: «دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ عَلَى مَيْمُونَةَ فَجَاءَتْنَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا عَلَى يَمِينِهِ وَخَالِدٌ عَلَى شِمَالِهِ، فَقَالَ لِي: (الشَّرْبَةُ لَكَ، فَإِنْ شِئْتَ آثَرْتَ بِهَا خَالِدًا)، فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ أُوثِرُ عَلَى سُؤْرِكَ أَحَدًا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ الطَّعَامَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَزِدْنَا مِنْهُ» .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «(لَيْسَ شَيْءٌ يَجْزِي مَكَانَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ غَيْرُ اللَّبَنِ) » قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
قال تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ} [النحل:66] أي سهل المرور في حلقهم لا يغص به
** روى ابن ماجة عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي. فَقَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ)»
والاجتياح من الجائحة: وهي الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها وكل مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة جائحة
ومعنى الحديث: أن أباك كان سبب وجودك، ووجودك سبب وجود مالك، فصار له بذلك حق كان به أولى منك بنفسك، فإذا احتاج فله أن يأخذ منه قدر الحاجة، فليس المراد إباحة ماله له حتى يستأصله بلا حاجة أو تبذيرا.
وقال آخرون: جمع بين الابن وماله فجعلهما لأبيه، ولم يكن جعله لأبيه على معنى تمليكه إياه، ولكن على أن لا يخرج عن قول أبيه، فكذلك ماله لا ينبغي له أن يخرج عن قول أبيه فيه، وهذا كقول أبي بكر للنبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنما أنا ومالي لك يا رسول الله» يعني أن أقوالك وأفعالك نافذة في وفي مالي.
وعَنْ عَائِشَة -رضي الله عنها- قَالَتْ: يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ، وَلاَ يَأْكُلُ الْوَلَدُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ إلاَّ بِإِذْنِهِ.
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: يَأْكُلُ الْوَالِدُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ، وَلاَ يَأْكُلُ الْوَلَدُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ إلاَّ بِطِيبِ نَفْسِهِ.
** روى ابن ماجة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «(تعوذوا بالله من الفقر والقلة والذلة وأن تظلم أو تظلم) » [السلسلة الصحيحة:1445]
وفي رواية أبي داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: «(اللهم! إني أعوذ بك من الفقر والقِلّةِ والذِّلَّةِ، وأعوذ بك من أن أظْلِمَ أو أُظْلَمَ)» .
(إني أعوذ بك من الفقر والقلة) أي قلة المال التي يخاف منها قلة الصبر على الإقلال وتسلط الشيطان بذكر تنعم الأغنياء، أو المراد القلة في أبواب البر وخصال الخير، أو قلة العدد والمدد أو الكل (وأعوذ بك من أن أظْلِمَ) أي أجور أو أعتدي (أو أُظْلَمَ) .. والظلم وضع الشيء بغير محله، وفي المثل من استرعى الذئب ظلم، وفيه ندب الاستعاذة من الظلمة.
وذلك لأن الظالم هالك في الدارين، والمظلوم قد يسخط ولا يصبر لقضاء الله فيهلك، وقد كان من دعاء المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من بيته قال: (اللهم إني أعوذ بك أن أظلم أو أظلم)