حجاب المرأة وزينتها في القرآن الكريم
وقد أمر الله تعالى في آياته الكريمة بضرب "الخُمُر" على الصدور، وألاَّ تبدِي المرأة زينتَها إلا لمحارِمها..
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
للمؤمن دائمًا واجباتٌ تجاه اللهِ جلَّ وعلا، وتجاه الناس، وتجاه نفسِه؛ وهي غضُّ البصر، وحفظُ الفرج، وصيانةُ العِرض، والحفاظ على أموال الناس وحياتِهم، وأن يكون أمينًا في الالتزام بمبادئ الإسلام، وفي هذا المضمار يقول تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 30، 31].
وقد أمر الله تعالى في آياته الكريمة بضرب "الخُمُر" على الصدور، وألاَّ تبدِي المرأة زينتَها إلا لمحارِمها كما ذكرتهم الآية، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنتِ أبي بكر الصديق؛ حينما دخلَت عليه بثيابٍ رقيقة، فأعرَض عنها، قائلاً: «يا أسماء، إن المرأة إذا بلغَت المحيض لا يصحُّ أن يُرى منها إلاَّ هذا وهذا»، وأشار إلى وجهِه وكفَّيه[1] - ما يفسِّر لنا ما ينبغي أن ترتديه المرأةُ وما لا ترتديه.
ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59].
ففرَض الإسلامُ على المرأة أن تغطِّي رأسَها وصدرَها ونحرَها وسائر جسدها، وأن تكون ثيابها فَضْفاضة غير شفَّافة تُظهر مفاتنَ جسدِها، وقد التزمَت المرأةُ بهذا الأمر التزامًا شديدًا؛ كالتزامِها بأوامر الله جلَّ وعلا في الصلاة والصيام والزكاة، وغيرها من فروضِ الطاعة، في عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذُكر أكثر من حديث في هذا المضمار؛ منها ما أخرجه البخاري عن أم المؤمنين عائشة قالت: "يرحم اللهُ نساءَ المهاجرات الأُوَل؛ لما أنزل الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]، شَقَقْنَ مروطَهنَّ، فاختمرْنَ بها"[2].
ثم قالت عن نساءِ الأنصار - في روايةٍ لابن أبي حاتم روتها صفية بنت شيبة - قالت: "بينما نحن عند عائشة، قالت: فذكرن نساء قريش وفضلهن.
فقالت عائشة: إن لنساء قريش لفضلاً، وإني واللهِ ما رأيتُ أفضلَ من نساء الأنصار؛ أشدَّ تصديقًا لكتاب الله وإيمانًا بالتنزيل، لقد نزلَت سورة النور: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} انقلب رجالُهن إليهن يتلون عليهنَّ ما أنزل اللهُ إليهم فيها، ويتلو الرجلُ على امرأته وابنتِه وأختِه وعلى كلِّ ذي قرابة؛ فما منهنَّ امرأةٌ إلا قامت على مِرطها المرَحَّل، فاختمرَت به؛ تصديقًا وإيمانًا بما أنزل الله من كتابِه، فأصبحنَ وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رؤوسهنَّ الغربان"[3].
إلاَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المرأةَ بالتزيُّن لزوجها: فقال: «... وإذا نَظَر إليها سرَّتْه».
هذا، وللشريعة في ستر جسدِ المرأة هدفان:
أولهما: ستر العورة واتِّقاء الفتنة.
ثانيهما: تكريم المرأة المسلمة؛ اعتزازًا باحتشامِها وعفافِها؛ لذلك قرَّرَت الشريعةُ ثلاث درجات من الستر لثلاث طوائفَ من المؤمنات:
الدرجة الأولى: لأمَّهات المؤمنين خاصة؛ حيث ينبغي سترهنَّ عن نظر الرجال، عن طريق حجابٍ يحجز بين الطرفين داخل بيوتهن؛ ليفصل مجلس الرجال عن مجلس النساء؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]؛ لأن عليهن ضعفَ الثواب، وعليهن ضعف العقاب.
الدرجة الثانية: للحرائر من نساءِ المؤمنين؛ هؤلاء ينبغي ستر أبدانهنَّ عدا الوجه والكفين؛ بدليل قوله تعالى: { ...وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...} [النور: 31]، وعقوبة الحرائر ضعف عقوبة الإماء.
الدرجة الثالثة: الإماء المؤمنات؛ ولهن أن يكشفنَ أحيانًا عن بعض أطرافهن ورؤوسهنَّ للخدمة مع الاحتشام المطلوب، والإماء عليهن نصف ما على المحصنات من العذاب[4].
[1] أخرجه أبو داود عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بينما ذكر أن الحديث مرسلٌ عن خالد بن دريك عنه.
[2] المرط: كساءٌ من خزٍّ أو صوف أو كتان، يُؤتزر به وتتلفع به المرأة، والجمع مروط؛ انظر المعجم الوسيط.
[3] أخرجه ابن أبي حاتم، وأبو داود، وانظر أيضًا تفسير ابن كثير عند هذه الآية.
[4] يقول تعالى عن الإماء: ﴿ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ [النساء: 25].