السقوط الغامض لأفغانستان في يد طالبان!
لنظر إلى الواقع الأفغاني وما يحيط به نجد أن هناك ثلاثة عوامل ساهمت في تسريع استرداد طالبان واستعادة السيطرة على أفغانستان مرة أخرى: العامل الأول يرتبط بطالبان نفسها، والثاني يتعلق بالجيش الأفغاني الذي دربته وسلحته الولايات المتحدة، والعامل الأخير يرتبط
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
"لأنه أمر محزن، والغرب فعل ما فعله"
هكذا ردد وزير الدفاع البريطاني بن والاس وهو يغالب دموعه عند حديثه في مقابلة مع إذاعة "إل بي سي" تعليقا على مآل الأمور في أفغانستان واستعادة حركة طالبان السيطرة على كابول، وأضاف الوزير البريطاني لأنني جندي ... قدمنا الكثير من التضحيات...لا يمكن تجنب الشعور بالحزن والإحباط الذي ينتاب الجنود البريطانيين، ولكني أضع كامل ثقتي بهم.
هذا الذهول الذي عبر عنه الوزير البريطاني من الذهول، جاء كرد فعل تلقائي بعد تلقيه خبر سقوط كابول في أيدي حركة طالبان من جديد.
ولكن سقوط المدن السريع والخاطف كان الأكثر ألما، حيث لفتت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن سرعة تقدم المتمردين (تقصد طالبان) عبر الأرياف والمدن فاجأت الجيش الأمريكي والحكومة الأسبوع الماضي.
ويؤكد على هذا المعنى مستشار الأمن القومي الأميركي جيك ساليفان حيث صرح لقناة إن بي سي الأمريكية الاثنين الماضي إن "سرعة سقوط المدن الأفغانية كانت أكبر مما توقعه أي أحد بمن في ذلك الأفغان".
ومن الملاحظ أن عشرة أيام فقط، هو الزمن الذي فصل بين سقوط أول عاصمة أفغانية إقليمية (زارانج جنوب غرب) في يد طالبان وسقوط العاصمة كابول.
ولكن يبقى السؤال ما هو سر السقوط السريع المتوالي للمدن الأفغانية وخاصة الكبرى منها، فإذا اعتبرنا مدينة قندهار معقلا لطالبان فتفسير سقوطها سهلا، ولكن مدينة مزار شريف والتي تعتبر معقلا للمعارضة والتي تنظر إلى طالبان نظرة عدائية، وكابول العاصمة ومقر الرئاسة للحكومة الأفغانية السابقة حيث كانت توقعات الاستخبارات الأميركية تشير إلى أن حركة طالبان ستقوم بعزل العاصمة الأفغانية كابل عن بقية البلاد خلال ثلاثين يوما، والسيطرة عليها خلال ثلاثة أشهر، فما الأسباب التي أدت إلى هذا السقوط الغريب والسريع والمفاجئ؟
بالنظر إلى الواقع الأفغاني وما يحيط به نجد أن هناك ثلاثة عوامل ساهمت في تسريع استرداد طالبان واستعادة السيطرة على أفغانستان مرة أخرى: العامل الأول يرتبط بطالبان نفسها، والثاني يتعلق بالجيش الأفغاني الذي دربته وسلحته الولايات المتحدة، والعامل الأخير يرتبط بطبيعة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
أولا/ طالبان
منذ سقوط طالبان عام 2001، ثم لم شتات الحركة واستعادة المبادرة مرة أخرى، لم ينتبه إلا قليلون إلى ما يجري في المدن والقرى الأفغانية، وما تفعله طالبان على الأرض بهدوء وخلف ستار.
فالإعلام وأجهزته كان منصبا ومركزا على العمليات العسكرية المتبادلة بين طالبان والقوات الغربية، بينما كانت هناك استراتيجية تسير بتأني تمارسها طالبان بهدوء وبعيدا عن الأعين.
وحاولت أمريكا تدارك الأمر عن طريق أحد باحثيها الذي كان يحارب في أفغانستان من قبل فكتب الرقيب مارك سكستون بحثا عام 2019 بعنوان كيف تسيطر طالبان على قرية، تحدث فيه الكاتب عن أن طالبان قد قامت ببناء شبكات من خلال تجنيد العديد من المقاتلين والزعماء الدينيين وشيوخ القرى للحصول على المعلومات والمساعدة، وتستخدم طالبان في البداية كل من هؤلاء من أجل إقامة علاقات قبلية وعائلية مع الحركة، فالسياسات التي يديرها الشيوخ والتي يمثلها هؤلاء؛ هي أكثر الجوانب التي يمكن أن تؤثر في أي قرية.
كذلك اتبعت طالبان أساليب الحرب النفسية، فيذكر مسؤول أفغاني حكومي كبير أثناء حديثه لصحيفة نيويورك تايمز بأن هناك مناطق سقطت في أفغانستان جراء مقاطع فيديو بثت على مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن يكون لذلك واقع ورصيد على الأرض.
ويعلل جنرالات الجيش الأمريكي ما حدث من انهيار الجيش الأفغاني: أن مكر قادة طالبان جعلهم يقنعوا كثيرا من ضباط الجيش الأفغاني وجنوده بعدم جدوى مقاومة طالبان.
ثانيا/ الجيش الأفغاني
في عام 2001 وعقب الغزو الأمريكي لأفغانستان الذي جاء ردا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، نجحت قوات الاحتلال الأمريكي في اسقاط حركة طالبان ومن ثم شرعت في بناء جيش أفغاني جديد يكون قادرا على التصدي لحرب العصابات التي شنتها طالبان على القوات الغازية،
ويمثل الجيش الأفغاني من أكبر الاستثمارات الأميركية في الخارجية، إذ أنفقت عليه ما يقارب 100 مليار دولار منذ سنة 2002، لكنه لم يصمد في أي معركة أمام حركة طالبان.
ولم يتوقف مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية خلال الأشهر الأخيرة، عن التأكيد والتطمين بكون القوات الأفغانية (جيشا وشرطة) والتي تضم أكثر من 300 ألف فرد، متفوقة على طالبان التي لا يتجاوز عدد مقاتليها عن سبعين ألف مقاتل.
ولكن آخر تقرير أصدرته الهيئة (سيغار) التي كلفها الكونغرس الأمريكي بالإشراف على العمليات الأمريكية في أفغانستان أشار إلى أن "أنظمة التسلح المتطورة، المركبات، والخدمات اللوجستية التي تستخدمها الجيوش الغربية تتجاوز قدرات الجنود الأفغان الذين يعاني أغلبهم من الأمية ومن ضعف المستوى التعليمي".
وتقول صحيفة بولتيكو الأمريكية نقلا عن تقارير عسكرية أمريكية إن الجيش الأفغاني يعاني فسادا متجذرا، فضلا عن كونه ضحية لتقييم مفرط في التفاؤل من قبل المسؤولين الأميركيين الذين أخفوا في بعض الأحيان أدلة تظهر الفساد المتجذر في هذا الجيش.
ولكن الأمر الأكثر أهمية يتمثل في أن الجيش الأفغاني لم تكن له عقيدة قتالية سوى قتال طالبان، لذلك كما يقول قائد القوات المسلحة البريطانية: إن انسحاب القوات الأمريكية مثل صدمة كبيرة وأدى لانهيار معنويات قوات الأمن الأفغانية
ثالثا/ طبيعة الانسحاب الأمريكي
منذ أخذت الإدارة الأمريكية السابقة بزعامة دونالد ترامب قرارها بالانسحاب من أفغانستان، لم يستطع الاستراتيجيون الأمريكيون صياغة استراتيجية ناجحة أو مناسبة للانسحاب.
وبالرغم من أن الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطابه منذ عدة أيام أقر بأن انهيار الحكومة الأفغانية كان أسرع من المتوقع، ولكنه حاول تبرير هذا السقوط المفاجئ بعدم وجود إرادة للحكومة الأفغانية السابقة قائلا: "تعهدت دائما للشعب الأميركي أن أكون صريحا معه. الحقيقة هي أن هذا حدث أسرع بكثير من تقديراتنا"، وأضاف "أعطيناهم كلّ فرصة لتقرير مستقبلهم. لا يمكننا إعطاؤهم الإرادة للقتال من أجل مستقبلهم".
ولكن السفير الأمريكي السابق في أفغانستان مايكل ماكينلي كتب مقالا في موقع دورية فورين أفيرز منذ عدة أيام وعنونها كلنا خاسرون في أفغانستان، ينتقد فيه ماكينلي الجدول الزمني القصير الذي وضعته إدارة بايدن للانسحاب ويصفه أنه كان خاطئا، ويرجع ماكينلي أن الوضع على الأرض هو نتيجة عقدين من الحسابات الخاطئة والسياسات الفاشلة والتي انتهجتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وفشل قيادات أفغانستان في تحقيق أحلام شعبهم.
ما لم يقله ماكينلي أن الغرور الغربي تصور أن مجرد إعلانه عن الانسحاب والبدء في سحب قواته سيجعل طالبان تقر بخطواته وحساباته الخاطئة، وهذا ما رصدته صحيفة فرانكفورتر ألغماينه الألمانية التي تقول بالحرف أن الغرب "تعامل باستعلاء" في أفغانستان.
وتعزو آني بفورتسهايمر نائبة رئيس البعثة الأمريكية في سفارة الولايات المتحدة في كابول من عام 2017 إلى عام 2018، الانهيار السريع أولا وقبل كل شيء إلى قرار بايدن قبول اتفاق الرئيس السابق دونالد ترامب مع طالبان حتى وإن كان تم ذلك مع تأخيره لمدة 4 أشهر.
وتلقي بفورتسهايمر اللوم على الإدارة الأميركية في أنها قد "قللت من تقدير التأثير النفسي لتصريحات بايدن، الذي غسل يديه من الحرب. وهذا ما سمعه الشعب الأفغاني، والجيش الأفغاني، فقبل 5 أسابيع فقط أصر بايدن على أن القوات الأفغانية مجهزة بشكل جيد مثل أي جيش في العالم.
حتى عندما دعا الرئيس الأمريكي الأفغان إلى القتال أخيرا من أجل أنفسهم، لكن الجميع كانوا يعرفون أن ذلك مجرد أمنية صعبة المنال.
ولكن الحقيقة أن الحسابات الأمريكية كانت مبنية أن البقاء في أفغانستان أصبح كارثيا: اقتصاديا واستراتيجيا، والانتظار لم يعد مجديا فالرحيل بصرف النظر عن من يحكم كابول هو الأولوية القصوى لتقليل الخسائر الأمريكية مع الاحتفاظ بحق العودة لضرب الإرهاب (بالتعريف الأمريكي) إذا رجع مرة أخرى إلى الأرض الأفغانية.
__________________________________
الكاتب: حسن الرشيدي