ابني يسألني في العقيدة - (2) مصادر المعرفة
ما يدركه الطفل بحواسه: السمع البصر اللمس وغيرها، وتكون من الأمور التي يدركها الطفل بقوة وهو صغير، لذا أحيانًا نجد أن الطفل يقيس ما هو مجهول بالنسبة إليه على ما هو محسوس لديه.
هنا نحن على أعتاب المقال الثاني من هذه السلسلة: (ابني يسألني في العقيدة)، وسأتناول فيها بفضل الله بعض الإضاءات أو القواعد التي أريد إيضاحها للوالدين عند الإجابة على الأسئلة العقائدية التي ستساعدنا في المقالات الأخرى إن شاء الله، فنستعين بالله ونبدأ، ولكن هناك أمر أود إيضاحه أولًا، وهو أني سأحاول تناول أسئلة الطفل بشكل مختلف، فلن أكتب المقالات بشكل أسئلة وأجوبة، بمعنى أني لن أقول: إذا سألك طفلك كذا، فقولي له كذا، لا، لا، ولكني سأذكر أهم المبادئ التي أرى أنها من المهم ترسيخها في ذهن الطفل عند سؤاله؛ لتكون خطوطًا عريضة للإجابة.
وبالطبع للوالدين الحرية التامة في اختيار الأسلوب والاستزادة من المعلومات على حسب فهم الطفل واستيعابه، نعود مره أخرى إلى الإضاءات والقواعد:
الإضاءة الأولى: الأمثلة التي سأضربها بإذن الله تكون لتوضيح العلاقات بين طرفين وتقريبها للطفل، فمثلًا أقول: إن العلاقة بين شيئين تشبه العلاقة بين كذا وكذا، وهذا من باب التسيير على الطفل.
الإضاءة الثانية: الكتاب والسنة هما المصدران الأساسيان.
للإجابة على أسئلة الطفل العقائدية، خاصة تلك الأسئلة الخاصة بذات الله وصفاته وأسمائه، ويجب أن يعلم الطفل ذلك، ويتعلم أن أساس تعاملنا مع الأخبار والأمور الغيبية التي لا نستطيع الوصول إليها إلا بالوحي، هو أن نثبت ما أُثبت فيهما، وننكر ما أُنكر فيهما، ونسكت عن الأمور المسكوت عنها، ولا يسمح أبدًا أن نخوض بعقولنا في مثل تلك الأمور.
الإضاءة الثالثة:
لا يمكن أن نتحدث عن أي شيء بدون معرفه صفاته، كذلك لا نستطيع أن نحدث الطفل عن الله إلا من خلال معرفه صفاته وأسمائه جل وعلا، وتقديمها له بشكل ميسَّر.
الإضاءة الرابعة:
مصادر المعرفة التي يستقي الإنسان منها معرفته هي ثلاث مصادر: المحسوسات، والمعقولات، والمنقولات، وبالحديث عن الطفل خصوصًا، تكون المحسوسات: هو ما يدركه الطفل بحواسه: السمع البصر اللمس وغيرها، وتكون من الأمور التي يدركها الطفل بقوة وهو صغير، لذا أحيانًا نجد أن الطفل يقيس ما هو مجهول بالنسبة إليه على ما هو محسوس لديه.
المعقولات: وهي الأشياء التي يدركها الطفل بالبديهة، وتسمى المعارف الضرورية الأولية، مثال ذلك:
إذا ضُرِبَ الطفل من قِبَلِ شخصٍ ما، فإننا نجد الطفل طبيعيًّا يلتفت إلى من ضربه، أو يبحث عنه دون أن يُعلِّمه أحدٌ ذلك.
المنقولات: وهي الأمور الغيبية التي لا وصول إليها إلا عن طريق الوحي، والمقصود القرآن والسنة.
الإضاءة الخامسة:
التكرار وهو مفتاح السر، فما نريد أن نرسخه في ذهن الطفل نكرِّره عليه مرارًا وتكرارًا؛ حتى تكون من الأساسيات لديه، وتكون مثل القواعد الثابتة التي يرجع اليها كلما دار في رأسه سؤال خاص بالله عز وجل أو بالغيبيات.
الإضاءة السادسة:
الله عز وجل وضع قواعد وحدودًا وأحكامًا ثابتة لا تتغير، لكن الذي يتغير هو نظرتنا تجاه الأمور، خاصة إذا كانت أمور شرعية، وأضرب مثلًا لإيضاح هذه النقطة: مَن ينظر إلى الأحكام والقواعد الشرعية على أنها قيود تُقيد حريته ومُتعته في الدنيا، في حين أننا لو نظرنا حولنا فإنه لا يوجد مكان يخلو من القواعد، من بداية قوانين الدول إلى ما هو أصغر من ذلك؛ مثل البيت والأماكن العامة، ونحن نلتزم بها بشكل طبيعي دون نفور أو اعتراضٍ منا، فنحن نتقبَّل إذًا فكرة وجود قوانين، أو قواعد نلتزم بها، فما بالنا بالحدود الشرعية والأحكام التي وضعها الله لنا لتستقيم الحياة؟! ونحن بشر مخلوق، والخالق أعلم بخلقه، وما يصلحه وما ينفعه؛ لذا وجب التسليم والرضا بشرع الله والتمسك به؛ قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
وغيرها من الأمثلة الكثير؛ لذا يجب أن يفهم هذا الأمر من خلال حديثنا معه عن الأحكام والحدود، إلى هنا ننتهي بفضل الله.