واسجد واقترب......
إن العبد لما كان معتقدًا لوجوب الفرائض عليه، وأنه أمر حتم يعاقب على تركها، كان ذلك بمجرده حاملًا له على المحافظة عليها
- التصنيفات: فقه الصلاة -
إنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102]
:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1].
: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد :
إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
ثم أما بعد
قال تعالى :" وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ "(العلق:19)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: « أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ».(1)
ويقول الإمام النووي – رحمه الله -: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [وَاسْجُدْ واقترب] وَلأنَّ السُّجُودَ غَايَةُ التَّوَاضُعِ وَالْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَفِيهِ تَمْكِينُ أَعَزِّ أَعْضَاءِ الإِنْسَانِ وَأَعْلاهَا وَهُوَ وَجْهُهُ، مِنَ التُّرَابِ الَّذِي يُدَاسُ وَيُمْتَهَنُ .وَاللَّهُ أعلم.(2)
وَقَوْلُهُ: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } [الشرح:8]
قال الإمام ابن كثير في " تفسيره " ، وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} أَيْ: إِذَا فَرغت مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَأَشْغَالِهَا وَقَطَعْتَ عَلائِقَهَا، فَانْصَبْ فِي الْعِبَادَةِ، وَقُمْ إِلَيْهَا نَشِيطًا فَارِغَ الْبَالِ، وَأَخْلِصْ لِرَبِّكَ النِّيَّةَ وَالرَّغْبَة ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ، قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:« لا صَلاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأخْبَثَانِ ». (3)
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم :« إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَحَضَرَ الْعَشَاءُ، فَابْدَءُوا بالعَشَاء».(4)
وقال تعالى : {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} [الحجر:98-99)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ ، حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ ، تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ».(5)
وقال الإمام الشوكاني - رحمه الله -: إن العبد لما كان معتقدًا لوجوب الفرائض عليه، وأنه أمر حتم يعاقب على تركها، كان ذلك بمجرده حاملًا له على المحافظة عليها ، والقيام بها، فهو يأتي بها بالإيجاب الشرعي ، والعزيمة الدينية ، أما النوافل فهو يعلم أنه لا عقاب في تركها ، فإذا فعلها كان ذلك لمجرد التقرب إلى الله ، خاليًا عن حتم ، عاطلاً عن حزم ، فجوزي على ذلك بمحبة الله له ، وإن كان أجر الفرض أكثر، فلا ينافي أن تكون المجازاة بما كان الحامل عليه ، هو محبة التقرب إلى الله ، أن يحب الله فاعله ، لأنه فعل ما لم يوجبه الله عليه، ولا عزم عليه بأن يفعله.(6)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : « يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ :« أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». (7)
الأمر بالإكثار من السجود لما فيه من الثواب والرفعة :
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ : « مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً ، إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً ، وَمَحَا عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَرَفَعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةً، فَاسْتَكْثِرُوا مِنْ السُّجُودِ».(8)
وَعَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيِّ ، قَالَ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ لَهُ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَنْفَعُنِي اللهُ بِهِ , وَيُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ , فَسَكَتَ ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ , ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ , فَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلهِ , فَإِنَّكَ لا تَسْجُدُ لِلهِ سَجْدَةً , إِلا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً , وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً » , قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ , فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ.(9)
وعَنِ الأحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَوَجَدْتُ فِيهِ رَجُلاً يُكْثِرُ السُّجُودَ، فَوَجَدْتُ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: أَتَدْرِي عَلَى شَفْعٍ انْصَرَفْتَ، أَمْ عَلَى وِتْرٍ؟ قَالَ: إِنْ أَكُ لا أَدْرِي، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حِبِّي أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حِبِّي أَبُو الْقَاسِمِ، ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حِبِّي أَبُو الْقَاسِمِ ، أَنَّهُ قَالَ: « مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً »، قَالَ: قُلْتُ: أَخْبِرْنِي مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللهُ؟، قَالَ: أَنَا أَبُو ذَرٍّ، صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَقَاصَرَتْ إِلَيَّ نَفْسِي .(10)
مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم لمن أكثر من السجود لله :
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ كَعْبٍ الأسْلَمِيَّ رضي الله عنه ، يَقُولُ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَبِحَاجَتِهِ، فَقَالَ: «سَلْنِي»، فَقُلْتُ: مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: «أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ؟» قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ».(11)
بيت في الجنة لمن حافظ على السنن الرواتب :
عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ: « مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا، غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، أَوْ إِلا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ" قَالَتْ أَمُّ حَبِيبَةَ: "فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ »(12)
من أكثر من الصلاة دُعي إلى الجنة من باب الصلاة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: « مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ "، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا، قَالَ: «نَعَمْ ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ»(13)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرٍ دُفِنَ حَدِيثًا فَقَالَ: « رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ مِمَّا تَحْقِرُونَ وَتَنْفِلُونَ، يَزِيدُهُمَا هَذَا فِي عَمَلِهِ ، أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ ».(14)
فضل النافلة لجبر النقص في الفريضة :
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:« أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلاتُهُ، فَإِنْ أَكْمَلَهَا كُتِبَتْ لَهُ نَافِلَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْمَلَهَا، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِمَلائِكَتِهِ: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَأَكْمِلُوا بِهَا مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَتِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ».(15)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: « أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلاتُهُ، فَإِنْ كَانَ أَكْمَلَهَا ، وَإِلا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ، فَإِنْ وُجِدَ لَهُ تَطَوُّعٌ. قَالَ: أَكْمِلُوا بِهِ الْفَرِيضَةَ ».(16)
يُكتب للمسافر والمريض من عمله ما كان مقيمًا صحيحًا :
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّكْسَكِيِّ، ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ رضي الله عنه ، وَاصْطَحَبَ هُوَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ، فَكَانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ رضي الله عنه: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ ، مُقِيمًا صَحِيحًا».(17)
استجابة الله لدعاء عبده وهو ساجد :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ: كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» .(18)
محبة الله للعمل أدومه وإن قل :
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ ، قَالَ:« أَدْوَمُهُ ، وَإِنْ قَلَّ ».(19)
وعنها رضي الله عتها، قَالَتْ:" وَكَانَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلاةً ، أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا .(20)
وفي رواية: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَمِلَ عَمَلاً أَثْبَتَهُ».(21)
ارتباط العبودية لله بالسجود له سبحانه :
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ ، قَالَ: «هَلْ تُمَارُونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ» قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ» قَالُوا: لاَ، قَالَ: " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ القَمَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلا الرُّسُلُ، وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلا اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ اللَّهُ المَلاَئِكَةَ: أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلا أَثَرَ السُّجُودِ، ...»الحديث.(22)
وأقول: وصف النبي صلى الله عليه وسلم الذين يخرجون من النار بعبادة الله بالسجود لله سبحانه وتعالى ، وحرم على النار أن تأكل آثار السجود ،بقوله صلى الله عليه وسلم: « حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ اللَّهُ المَلاَئِكَةَ: أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلا أَثَرَ السُّجُودِ».
فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم:« أَمَرَ اللَّهُ المَلاَئِكَةَ: أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ »
وفي رواية : «حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، أَمَرَ الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ، يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلا أَثَرَ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّارِ ، أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ،...».الحديث (23)
فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ كَانَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ، يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ».
فأقول بتوفيق الله : فمن لا يشرك بالله شيئًا ،ويقول : لا إله إلا الله ، لا يعرفهم الملائكة إلا بأثر السجود ، وليس ممن ينطقون بالشهادة ولا يصلون ، كما يزعم الزاعمون .
: فدل على ارتباط عبادة الله بالسجود لله ،وذلك لا يكون
إلا بالصلاة ، ولقوله تعالى : {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62) } [النجم:62]، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (77)[الحج:77]، وقوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) } [فصلت:37]
وقال تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) } [الحج :18] .
وفي تحريمه سبحانه وتعالى على النار أن تأكل آثر السجود بيان على ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم :«تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلا أَثَرَ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّارِ ، أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ،...»الحديث
فتأمل ذلك ولا تلتفت إلى خلافه، فإن الله تعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) } [الحجرات:1].
وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم بعد إدخال الكافرين النار :في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ ، أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا ، قَالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا، فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ، فَلا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ ، إِلا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ ، وَلا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلا جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ، فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّمْ ،....»الحديث
فأين هذه البداهة التي يزعمها من يقول وينتصر لها : أن أخر من يخرجون من النار بعد قبضة الرحمن بداهة بأنهم لا يصلون .ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وقد استدل الإمام أحمد وإسحاق رحمهما الله تعالى على كفر تارك الصلاة بكفر إبليس بتركه السجود لآدم, وترك السجود لله أعظم.(24)
وفي قول العبد في صلاته في قرأته لفاتحة الكتاب: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة: 5]
وخصت من دون العبادات بهذا الإقرار ، ليعلم جليًا ارتباط عبادة الله بفريضة الصلاة ، وعندما يقول العبد ذلك ، يقول الله تعالى :« هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، .. » الحديث (25) ، كما في حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام مسلم في " صحيحه "
وأيضًا حديثه رضي الله عنه في " الصحيحين ": أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: « يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» (26)
وفي رواية زاد: « فَاغْفِرْ لَهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ».(27)
فتدبر قوله تعالى لملائكته بوصفه سبحانه لمن يجتمعون في صلاة العصر والفجر بالعبودية له سبحانه : « فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ » لدلالة واضحة على استشهادي بالنصوص الصحيحة على ما أقول وأن اجتياز هذا الاختبار الآخروي للمؤمنين بالسجود لله دون غيرهم بالنسبة لمن كان يصلي اتقاء أو رياء، وهم الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة : « وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا» أو من لا يصلي تبعًا لذلك من باب أولي .
وأن هذا الاختبار ليس له معنى عند من يقولون ببداهة أن أخر من يدخلون الجنة لا يصلون . وإنا لله وإنا إليه راجعون
ومن تدير فقه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي معنا ، بسؤاله ،بقولهم : هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ ، وتدبر العمل الصالح الذي إذا فعله المسلم كان من ثمرته النظر إلى وجه الله الكريم في الآخرة ، لوجده أيضًا يتعلق بالصلاة والسجود لله ، وذلك بالحفاظ على صلاتي الفجر والعصر، فعَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: « أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ ،كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» - يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ -، ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } [طه: 130]. (28)
وليأتيني أي أحد من إخواني المسلمين من أهل العلم الفضلاء ، أو أي أحد من إخواني من طلبة العلم ، أو من عامة المسلمين جميعًا ، بدليل على من أتي بهذه البداهة من أهل العلم السابقين من قبل من حديث الشفاعة على أن أخر من يخرجون من النار لا يصلون .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم :« فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: « نَهَرُ الْحَيَاةِ ».
فيرد عليه الإمام أَبُو بَكْرٍ بن خزيمة ، بقوله : هَذِهِ اللَّفْظَةُ : « لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ " مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي يَقُولُ الْعَرَبُ: يُنْفَى الِاسْمُ عَنِ الشَّيْءِ لِنَقْصِهِ عَنِ الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ ،فَمَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى هَذَا الأصْلِ، لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ، عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ ، لا عَلَى مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ وَأَمَرَ بِهِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ مِنْ كُتُبِي.(29)
وقال الإمام القاسم بن سلام : هَذَا كَلامُ الْعَرَبِ الْمُسْتَفِيضُ عِنْدَنَا ، غَيْرُ الْمُسْتَنْكَرِ فِي إِزَالَةِ الْعَمَلِ عَنْ عَامِلِهِ, إِذَا كَانَ عملُه عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ ، أَلا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلصَّانِعِ إِذَا كَانَ لَيْسَ بمحكمٍ لِعَمَلِهِ: مَا صنعتَ شَيْئًا ، وَلا عَمِلْتَ عَمَلاً، وَإِنَّمَا وَقَعَ مَعْنَاهُمْ هَاهُنَا عَلَى نَفْيِ التَّجْوِيدِ، لا عَلَى الصَّنْعَةِ نَفْسِهَا، فَهُوَ عِنْدَهُمْ عَامِلٌ بِالاسْمِ، وَغَيْرُ عَامِلٍ فِي الإتْقَانِ .(30)
أكثر من السجود رجاء أن يختم لك به :
عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ" .(31)
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"....، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ».(32)
تم بحمد الله وتوفيقه
وجزاكم الله خيرًا
أخيكم في الله /صلاح عامر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- مسلم (482) ،وأحمد(9461)،والنسائي( 1137),وأبو داود (875) ، وابن حبان(1928).
2-"النووي شرح مسلم" (4/206)
3- مسلم (560) ،وأحمد(24449)،وابن حبان(2073)من حديث عائشة، رضي الله عنها.
4- البخاري(5465)،وأحمد(24246)،وابن ماجة(935) من حديث عائشة، رضي الله عنها.
5- البخاري(6502)، وابن حبان(347).
6- " ولاية الله والطريق إليها" للإمام الشوكاني (ص:401-402) بتصرف .ط.دار الكتب الحديثة –مصر-القاهرة .
7-البخاري(7405) ، ومسلم2 - (2675)،وأحمد(9351)، والترمذي(3603)، وابن ماجة(3822)،وابن حبان(811).
8- صحيح : رواه ابن ماجة (1424),والطبراني في" الكبير" ،والضياء في " المختارة"، وصححه الألباني في "صَحِيح الْجَامِع"(5742), و" صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب"( 386).
9- مسلم(488)،وأحمد في" المسند"( 22377)،والترمذي(388)،والنسائي (1139).
10- رواه أحمد في" المسند"( 21452)، وقال شعيب الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط مسلم ، وأخرجه الدارمي (1502)، و عبد الرزاق في " مصنفه " (3561،4847) ،و البزار في "مسنده" مختصرًا (3903) ،وابن قانع في "معجم الصحابة" (1/135).
11- مسلم(489)،والنسائي(1138)،وأبو داود(1320).
12- مسلم 103 - (728)،وأحمد (26775)،وأبو داود(1250)،والترمذي (415)،وابن ماجة(1141)،والنسائي(1805) ،وابن حبان (2451).
13-البخاري(1897)،ومسلم85-(1027)،وأحمد(7633)،والترمذي(3674) ،والنسائي(3183)،وابن حبان(308).
14- رواه ابن المبارك في " الزهد "(31)وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3518)،و "الصَّحِيحَة"(1388)أبو نعيم .
15-صحيح : رواه أحمد(16959)، وابن ماجة(1426)، أبو داود (866)وصححه الألباني وشعيب الأرنؤوط.
قَالَ الْعِرَاقِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ: هَذَا الَّذِي وَرَدَ مِنْ إِكْمَال مَا يَنْتَقِصُ الْعَبْدُ مِنْ الْفَرِيضَةِ بِمَا لَهُ مِنْ التَّطَوُّع , يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا اِنْتَقَصَ مِنْ السُّنَنِ وَالْهَيْئَاتِ الْمَشْرُوعَةِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا , مِنْ الْخُشُوعِ وَالأَذْكَارِ وَالأدْعِيَةِ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَة , وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فِي الْفَرِيضَة , وَإِنَّمَا فَعَلَهُ فِي التَّطَوُّع.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَاد: مَا تَرَكَ مِنْ الْفَرَائِضِ رَأسًا , فَلَمْ يُصَلِّهِ , فَيُعَوَّضُ عَنْهُ مِنْ التَّطَوُّعِ , وَاللهُ تَعَالَى يَقْبَلُ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ الصَّحِيحَةِ عِوَضًا عَنْ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَة , وَلِلهِ سُبْحَانه أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ، فَلَهُ الْفَضْلُ وَالْمَنّ."عون المعبود"(2/ 359)
16- صحيح : رواه النسائي(467)صححه الألباني وشعيب الأرنؤوط في تعليقه على ابن ماجة (1426).
17- البخاري(2996)،وأحمد في " المسند"( 19679)،وأبو داود(3091)،وابن حبان(2929)
18-مسلم (479) , وأحمد(1900)،وأبو داود(876)،والنسائي(1045)،وابن حبان
(1896،1900).
19- البخاري(6465)،ومسلم78 - (2818)واللفظ له .
20- مسلم 139 - (746)مطولاً ، وأحمد(24269)مطولاً،والنسائي(1601)،وابن خزيمة(1177).
21- مسلم141 - (746)،وابن حبان(2642،2644)،وابن خزيمة(1178).
22- البخاري(6573،7437)،ومسلم (182)
23- البخاري(7437)، ومسلم299-(182) ،
24- "العقد الثمين في شرح أحاديث أصول الدين "حسين بن غنّام"
(1/86)ط.الأولى - فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية
25- رواه مسلم 38 - (395)،وأحمد في المسند(7291 )، وأبو داود(821 ) ،وابن ماجة(3784 )،وابن حبان(1784 ).
26- البخاري(555)،ومسلم210 - (632)،وأحمد(7491)،والنسائي
(486)،وابن حبان(1737 )
27- رواه ابن خزيمة(322)، وابن حبان(2061).
28- البخاري(4851 )،ومسلم 211 - (633)،وأحمد(19251 )،وأبو داود(4729) ،والترمذي(2551) ،وابن ماجة(177) ،وابن حبان(7443 )
29- " كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب" للإمام ابن خزيمة (465) (ص:250-251)ط.دار الحديث.مصر.
30- " الإيمان "أبو عبيد القاسم بن سلام (1/80)ط.الأولى الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع .
31- مسلم 83 - (2878) ،وأحمد(14941)،وابن حبان(7319).
32-البخاري(6607)،ومسلم 179 - (112)وليس فيه لفظه ،وأحمد(22835)،وابن حبان(6175)وليس فيه لفظه