قصص غير صحيحة
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
فوائد من مصنفات العلامة العثيمين: قصص غير صحيحة
- التصنيفات: التاريخ والقصص -
بسم الله الرحمن الرحيم
فوائد من مصنفات العلامة العثيمين: قصص غير صحيحة
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحبه أجمعين...أما بعد: فيوجد في بعض كتب التفسير, وبعض كتب السير والتراجم, فضلاً عن كتب الأدب, قصص غير صحيحة, رواها البعض عن البعض, بدون تمحيص أو تدقيق, وفي بعضها طعن بمن نُسبت إليه, وأُلصقت به, كما في بعض القصص المكذوبة على أنبياء الله ورسله, عليهم الصلاة والسلام, وعلى الصحابة رضي الله عنهم, ولهذا ينبغي التنبيه على عدم صحة تلك القصص, حتى لا تتسلسل إلى أذهان البعض فيصدقها, فيقع في سوء ظن بصفوة الخلق, وأفضل الأولياء, وقد ذكر العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله بعض القصص المكذوبة, في عدد من مصنفاته, فمما ذكره:
اضطجاع الرسول علية الصلاة والسلام في قبر فاطمة بنت أسد:
قال الشيخ رحمه الله : هذه القصة مكذوبة غير صحيحة, وهو أنه اضطجع في قبر فاطمة بنت أسدٍ, وقال : ( اللهم ارحمها بجاه نبيك ) هذا كذب, ولا يصحُّ, ولو رواه الطبراني وغيره, غير صحيح.
ما ذكره المفسرون من الرسول علية الصلاة والسلام وقع بصره على زينب فأحبها
قال الشيخ رحمه الله في تعليقه على سورة الأحزاب من تفسير الجلالين: وقوله تعالى : ] ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مُبيناً [ قال المفسر رحمه الله: فزوجها النبي صلى الله عليه وسلم لزيد, ثٌم وقع بصرهُ عليها بعد حين فبلغ في نفسه حبها, وفي نفس زيدٍ كراهتها, ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أُريدُ فُراقها, فقال: (أمسك عليك زوجك) كما قال تعالى: ] وإذ تقول للذي أنعم الله عليه [ هذا الذي ذكره المفسر رحمه الله ذُكر عن بعض المفسرين من السلف والخلف, لكنه كما قال ابن كثير رحمه الله: " أقوال ينبغي أن يضرب الإنسان عنها صفحاً " لأنها أقوال باطلة, لا تليق بمقام النبي صلى الله عليه وسلم, لأن القصة إذا قرأها الإنسان يتصور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عاشقاً من العُشَّاق.
فالرسول صلى الله عليه وسلم هل يمكن أن يتصور أحد أنه عشق هذه المرأة ؟ ويلاحظ الآن أن بعض الناس – حتى بعض المفسرين والعياذ بالله – صار يتلفظ بهذا اللفظ, يقول: الرسول عشق المرأة زينب ! ولكن هذا قول باطل...ولكن المشكل أن بعض المفسرين يأخذون من بعض من غير تمحيص, ومن غير أن يكون هناك تروٍّ في المسألة.
القصة المنسوبة لآدم وحواء في تسميتهما لابنهما عبدالحارث:
قال الشيخ رحمه الله: الشرك أعظم الذنوب, والأصغر منه: أشد من الكبائر, ولهذا استدللنا على بطلان القصة المنسوبة إلى آدم وحواء في أن الشيطان جاء إليهما وقال: سميا ولدكما عبدالحارث, فأبيا أن يطيعا, فخرج الحمل ميتاً, ثم حملت فجاءهما وتهددهما, وقال: لتطيعانني أو لأجعلنَّ له قرني أيِّل, فيخرج من بطنك فيشقها, فسمياه عبدالحارث.
فإن هذه القصة من أبطل القصص, وهي كذب وحرام, ولا يجوز أن يتحدث بها أحد إلا لبيان ضعفها, لأنه لو كان آدم عليه الصلاة والسلام أذنب هذا الذنب العظيم, حيث اعتقد أن الشيطان يستطيع أن يخلق قرني أيّل لما في بطنها ويشقها, ثم سماه عبد الحارث, لو فُرض أنه فعل ذلك لكان هذا أعظم من أكله الشجرة, التي نهي عن الأكل منها, ولكان هذا أحق بالاعتذار عن الشفاعة للخلق في يوم المعاد, فإنه كان يعتذر بأنه أكل من الشجرة, ولو وقع منه مثل هذا الذنب العظيم لكان أحق بأن يعتذر به.
وقال رحمه الله: الأنبياء معصومون من الشرك خفية وجلية, صغيره وكبيرة, لأن الشرك يناقض ما جاؤوا به, وهو التوحيد, ولهذا نرى أن الرواية التي رُويت عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة آدم وحواء وتسميتهما ابنهما عبد الحارث أن هذه موضوعة ليست صحيحة.
عشق نبي الله داود عليه السلام لزوجة أحد الجنود:
قال الشيخ رحمه الله : يقول الله عز وجل: ] وظن داود أنما فتناه [ أي أننا اختبرناه في هذه القصة, أن الله ساق إليه هذين الخصمين فاختصما على الصفة التي ذكرناه ) فاستغفر ربه [ أي طلب مغفرة الله عز وجل ) وخرَّ راكعاً وأناب [ راكعاً هنا بمعنى ساجداً, لأن الخرور إنما يكون من أعلى إلى أسفل, كخرور الماء في الساقية.
فهذه القصة, وهذا هو ظاهر القرآن, وأما ما ذُكر من أخبار بني إسرائيل في هذه القصة من أن داود علية الصلاة والسلام عَشِقَ امرأة أحد الجنود, وأرسل زوجها لصف القتال لعله يُقتلُ فيخلفه داود على هذه المرأة, فهذا والله كذب, وهذا من أكذب الكذب, وأبطل الباطل, وهذا لا يستساغ من رجل عامي من سائر الناس, فكيف بنبي من المرسلين, لكن تعلمون أن اليهود أصحاب بهتٍ وكذبٍ وتلفيقٍ, وهم يدعون أن داود نبي وليس رسولاً, ولذلك ألصقوا به هذه التهمة التي لا تصدر من أيَّ إنسان له عقل ولُب, فضلاً عن نبي من الأنبياء, فالقصة واضحة.
وأنا أقول لكم: احترسوا احتراساً تاماً من كلَّ قصة تخالف ظاهر القرآن, لأن الأمم السابقة من يعلمهم هم الله: ) ألم يأتكم نبوأ الذين من قبلكم قوم نوح وعادٍ وثمود والذين من بعدهم لا يعلمُهُم إلا الله [ [إبراهيم:9] فلا مصدر لعلم ما سبق إلا الوحي من الله عز وجل.
وإياكم أن تغتروا بما يُوجدُ في بعض كتب التفسير من القصص الإسرائيلية التي تخالف ظاهر القرآن, فإنها باطلة, ويجب علينا أن نبطلها, وألا نصدق بها.
العقدة التي في لسان موسى عليه السلام سببها أنه أخذ جمرة ووضعها في لسانه:
قال رحمه الله: قوله: ] يفقهوا قولي [ يدل على أن في لسانه عُقدةً, والعقدة إما ألا ينطق بكل الحروف, وإما أن يكون فيه فأفاة, أو تمتمة, أو وأوأوة, والفأفأة: أن يكرر الفاء, والتمتمة: أن يكرر التاء, والوأوة أن يكرر الواو, وعلى هذا فقس, وما ذكر في الإسرائيليات من أن سبب هذه العقدة أن فرعون أتاه بجمرة وبتمرة, وذلك بمشورة من زوجته آسية التي هي من الصالحات, لأنه أراد أن يقتل موسى خائفاً منه فقالت: هذا لا يعرف, ولا تمييز عنده, وأتِ له بجمرة وتمرة, واجعلهما أمامه وانظر ماذا يأخذ ؟ فأتى له بجمرة وتمرة, فأخذ الجمرة, ووضعها في لسانه, فتأثر بهذه الجمرة, هكذا ذكرت الرواية الإسرائيلية, وهذا ليس بصحيح, لأن الجمرة أول ما تباشر يده, فإذا باشرت يدهُ وأحسَّ بها فسوف يرميها.
فإن قال قائل: وهل حُلَّت هذه العقدة؟
قلنا: الله أعلم, هو دعا الله عز وجل بهذا, وقد قال الله له في آخر الجواب: ) قال قد أُوتيت سؤلك يا موسى [ و ] سؤلك [ مُفرد مضاف يعمُّ كلَّ ما سأل.
نسج العنكبوت على الغار في جبل ثور :
قال الشيخ رحمه الله: نسج العنكبوت على الغار الذي حلَّ فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه حين هاجرا من مكة إلى المدينة, وهو غار في جبل ثور, فإنها قصة باطلة لا أصل لها, ولو كان خفاء الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن قريش بواسطة هذه العشِّ, لم يكن غريباً, ولم يكن من آيات الله الباهرة, لكن الغريب والذي من آيات الله الباهرة: أن قريشاً يقفون على الغار, ويقول أبوبكر: " لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا" فأين العشُّ الذي يمنع من الرؤيا ؟! لا يوجد شيء, ولكن الله تعالى حجب رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبه عن أعين هؤلاء القوم المعتدين, فالصواب أنه لا عش للعنكبوت, ولا وجود لحمامة واقعة على الشجرة في فم الغار, ولا شيء من هذا, إنما هو آية من آيات الله, حيث حجب الله أعين هؤلاء المشركين عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه.
خروج ريح من أحد الصحابة وأمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالوضوء:
سئل الشيخ: يوجد مدرس عندنا يقول: إن لحم الإبل لا ينقض الوضوء. قلنا له: لماذا؟ قال: إنه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتمعوا عند أحدهم فأكلوا الإبل فطلع من أحدهم رائحة كريهة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي لا يحرج صاحبه الذي أخرج الرائحة:(من أكل لحم الإبل فليتوضأ) فتوضأ الصحابة لكي لا يحرجوا صاحبهم فصارت عادة من أكل لحم الإبل فليتوضأ.
فأجاب رحمه الله : هذه القصة لا أصل لها إطلاقاً, وهي كذب على النبي صلى الله عليه وسلم...والصواب من أقوال أهل العلم وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل
نزول آية في الصحابي ثعلبة بن حاطب رضي الله عنه:
قال الشيخ رحمه الله: ينقسم نزول القرآن إلى قسمين:
القسم الأول: ابتدائي: وهو ما لم يتقدم نزوله سبب يقتضيه, وهو غالب آيات القرآن, ومنه قوله تعالى: ] ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين [ [التوبة:75] الآيات, فإنها نزلت ابتداء في بيان حال بعض المنافقين, وأما ما اشتهر من أنها نزلت في ثعلبة بن حاطب في قصة طويلة, ذكرها كثير من المفسرين, وروجها كثير من الوعَّاظ فضعيف لا صحة له.
وقال رحمه الله: ما اشتهر أنها نزلت في ثعلبة بن حاطب فإن هذا لا يصحُّ أبداً, وقد بيَّن ضعفه الزيعلي رحمه الله, في تخريج أحاديث الكشاف –تفسير الزمخشري-, وكتب بعض الإخوة أظنهم من طلاب الجامعة الإسلامية رسالة في بيان أن هذه الرواية مكذوبة موضوعة على ثعلبة بن حاطب رضي الله عنها.
وأُحبُّ يا إخواني أن تبينوا للناس أنها ليست بصحيحةٍ, وأنه لا يجوز اعتقادها في هذا الصحابي.
وقال رحمه الله: أنا أرجو ممن عنده تفسير ذكر هذه القصة أن يكتب عليه: إن هذا الحديث ضعيف, ولا يصحُّ.
وأد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابنته:
قال الشيخ رحمه الله : ك انوا في الجاهلية إذا ولد لهم أنثى وأدُوها, ويذكر: أن عمر بن الخطاب وأد ابنته, وهي قصة مشتهرة, لكن ليس لها أصل, لأن السند معضل غاية الإعضال, فبينه وبين عملا عشرات الواسطات, فلا تصح عنه.
المرأة التي لا تتكلم إلا بالقرآن الكريم مخافة أن تزلَّ:
قال الشيخ رحمه الله: ذكر صاحب " جواهر الأدب" قصة مُطولة عن امرأة لقيها عبدالله بن المبارك رحمه الله, فجعل يُكلمها, وكلما كلمَّها ردَّت عليه بآية من القرآن, حتى كان من جملة ذلك أنها لما وصلت إلى أولادها قالت: ) فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزقٍ منه [ [الكهف:19] تُريد: اذهبوا واشتروا لنا فطوراً أو غداءً, ونزَّلت الآية على هذا, فسأل عنها, فقيل: هذه أمُّنا, لها أربعون سنة لم تتكلم إلا بالقرآن, مخافة أن تزلَّ, فيغضب عليها الرحمن, والحقيقية أنها زلَّت بهذا, والجهل مشكلة, لكن القصة ليست صحيحة.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ