قصص فيها عبرة وعظة-4
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
قال الشيخ رحمه الله: لقد حدثني بعض الناس عن امرأة كان أبوها يرُدَّ عنها الخُطاب, فأصيبت بمرضٍ, وحضر أجلها, وكان عندها نساء, فقالت لهن : أبلغن أبي السلام, وقلن له: إن بيني وبينه الفصل يوم القيامة
- التصنيفات: التاريخ والقصص -
من لطف الله:
قال الشيخ رحمه الله: من أسماء الله اللطيف واللطيف له معنيان: المعنى الأول: اللطف بالعبد وهو إدراك أسراره وأحواله المعنى الثاني اللطف للعبد وهو أنه سبحانه وتعالى يُقدِّرُ له ما به تتيسرُ الأمور ويحصل المطلوب إما بجلب المحبوب أو بدفع المكروه...كم من إنسان حصل عليه حادث عظيم عظيم عظيم وإذا بالله ينجِّيه تجدُ في الطرقات حوادث سيارات لا تُصدِّقُ أن أحد ينجو منها ثُمَّ تُحدَّثُ أن أصحابها قد نجوا...أحياناً يردُ شيءً من أسباب النجاة لا يخطر على البال حدثنا من نثق به ولا بأس بالحديث في هذا يقول: التقت سيارة صغيرة وسيارة نقل كبير وكانت الكارثة طبعاً السيارة الكبيرة عجنت الصغيرة, فلما حصلت الصدمة انفتح الباب الذي عند السائق والسائق بدون اختيار طار وإذا هو بعيد عن الخط فَسَلِمَ لا شك أن هذا من لطف الله أنه جاءت الأمور الصعبة لا تدري إلا والله قد لطف بك
مؤذن أعمى يؤذن للفجر على الرائحة:
قال الشيخ رحمه الله: حدثني رجل: أنه كان في بلدهم مُؤذن أعمى, يعرف طُلُوع الفجر برائحته, نعم برائحته بدون أن يشاهد, فإذا شم رائحته قام فأذن, فإذا طالع الناس الفجر وجدوه قد طلع,... وقد سمعتُ, أو قرأتُ في بعض الكتب الطبية, أنه يندفع مع طلوع الفجر غازات أو شيء يشبه الغازات, ولهذا حثوا على أن تفتح نوافذ المنازل عند طلوع الفجر, لتدخل هذه الغازات التي توجب الحياة, فالله على كل شيءٍ قدير, لكن سبحان الله الذي أعطى هذا الرجل الأعمى هذه القوة, لكنه يمكن مع الممارسة وأنه إذا قرب طُلُوع الفجر جلس ينتظره فيعرف وقته بالعادة والممارسة.
لا يستطيع إكمال الأذان من البكاء:
قال الشيخ رحمه الله: البكَّاء أي كثير البكاء والناس في هذا الوصف يختلفون فمنهم من يكون كثير البكاء بحيث لو ذكر عنده أدنى شيء بكى وأنا أذكر مؤذناً رحمه الله عندنا إذا قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله بكى, ولا استطاع أن يكمل الأذان وبعض الناس يكون عكس ذلك فيكون قليل البكاء حتى لو وجدت المواعظ لا يبكي ولا شك أن البُكاء دليل على لين القلب في الغالب.
الجواب العجيب:
قال الشيخ رحمه الله: ابن عقيل رحمه الله, من مشاهير أصحاب الإمام أحمد... كان له أبناء, أكبرهم عقيل, طالب علم, وأبوه يعقدُ عليه آمالاً, توفى وحزن عليه أبوه, وكانوا في المقبرة, فقام رجل في الناس, ﴿ {يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً فخُذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين} ﴾ [يوسف:78] يريد هذا القائل أن يفدى عقيلاً بنفسه....فبكى كُلُّ الذين في المقبرة, فقال ابن عقيل: " إن القرآن لتسكين الأحزان, لا لتهيج الأحزان" انظر كيف الجواب العجيب؟!
نأخذ من هذا أن أولئك الذين يأتون للعزاء, ويُهيِّجون أهل الميت, أنهم ليسوا على صواب, لأن المقصود بالعزاء تقويةُ الإنسان على تحمُّل المصائب, لا أن يُهيِّج الحزن, ويُبقي الإنسان دائماً في همًّ وحزن.
تزوجت برجل مشلول تحتسب الأجر عند الله:
قال الشيخ رحمه الله: هناك فتاة أعرفُ عنها, أنها تزوجت برجل مشلولٍ, وهي امرأة شابة فقيل لها في ذلك, قالت: إني أحتسب الأجر عند الله في خدمة هذا الرجل المشلول, فربما تختار المرأة رجلاً كبيراً, من أجل أن تخدمه ابتغاء وجه الله عز وجل.
زوج ابنته على صداق ريال:
قال الشيخ رحمه الله: أهيبُ بإخواني...أن تكون لديهم العزيمة والشجاعة في تقليل المهور ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً لأن ذلك أعظم بركة في النكاح, وإني أقصُّ عليكم قصة جرت على يديَّ, عقدتُ عقد النكاح لرجلٍ, فلما قرأت خطبة النكاح, قلتُ لأبي المرأة : زوِّج الرجل, فقال : زوجتُك ابنتي على صداق ريال ! فكنتُ أظن أن هذا مما يقوله العامة من قبل, حيث يرسلُ الزوج للزوجة حِمل سيارة ودراهم, ثم عند العقد يقول أبو الزوجة : زوجتُك ابنتي على ريال, والمهر حقيقة هو حِمل سيارة ومعه دراهم أيضاً...فقلتُ له : هذا لا أصل له, فالصداق ما دفعه الزوج, ولا يصح أن نقول : زوجتُك ابنتي على صداق ريال, لا قدر الله إلا الخير, فلو مات الزوج مثلاً في هذا الحال لم تستحق هذه الزوجة عليه إلا ريالاً واحداً, والباقي يُردُّ للزوج, لو طلقها قبل الدخول فلا تستحق الزوجة إلا نصف المهر, أي : نصف ريال, ونصف ريال يرجع للزوج وكذلك حمل السيارة يرجعُ إليه.
فقلت له: هذا لا أصل له, قال : والله ما أخذتُ منه مهراً إلا هذا الريال, ! فشكرته على ذلك, وقلت : الآن قل : زوجتُك ابنتي على مهر ريال.
ثم قلت له: الرجل يحتاج إلى غرفة نوم, وفراش, قال : هذا كلُّه تبرع مني, فقلت : جزآك الله خيراً, هؤلاء أناس فُضلاء طيبة نفوسهم, ليت الناس يسلكون هذا المسلك, لكن نسأل الله السلامة, الآن كما نسمع, مهور كثيرة مُشغلة للذمة, مقلقة للراحة, موجبة للغمِّ والهم؟
أبلغوا أبي أن بيني وبينه الفصل يوم القيامة:
قال الشيخ رحمه الله: لقد حدثني بعض الناس عن امرأة كان أبوها يرُدَّ عنها الخُطاب, فأصيبت بمرضٍ, وحضر أجلها, وكان عندها نساء, فقالت لهن : أبلغن أبي السلام, وقلن له: إن بيني وبينه الفصل يوم القيامة, حيث منعني مما أشتهي, حتى أدركني الموت, وأنا لم أتمتع بما أباح الله لي من الأزواج, أبلغن أبي بأن لي معه موقفاً يوم القيامة.
من يطيق هذا؟! إن على الأولياء أن يتقوا الله فيمن ولاهم الله عليهن, وإذا خطب الخاطب الكُفءُ فليستأذنوا منهم ويقولوا لهن: خطبكن فلان ابن فلان, ويذكروا لهن ما فيه من أخلاقٍ وصفات وديانةٍ وأموالٍ, لتقبل المخطوبة على بصيرة.
التعبير له أثر على النفس:
قال الشيخ رحمه الله: قال عز وجل: ﴿ { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس علم فلا تطعهما} ﴾ [سورة لقمان :15] تأمل قوله تعالى ﴿ فلا تطعهما ﴾ ولم يقل : فلا تبرهما, ولم يقل أيضاً فاعصهما, لأن كلمة ﴿ فلا تطعهما ﴾ أهون في النفس من كلمة فاعصهما, ويُذكر أنَّ أحد الملوك رأي في المنام أن أسنانه قد سقطت, فقل : ادعوا لي مُعبِّراً يُعبِّر هذه الرؤيا, فجاءوا برجل لِيعبرها فقصَّ عليه الرؤيا, فقال : يموت أهلك, فلما قال: يموت أهلك فزع الملك وهلع وقال: اجلدوه فجلدوه وانصرف, قال أعطوني غيره فجاءوا برجل آخر فقص عليه الرؤيا فقال : الملك يكون أطول أهله عُمُراً فأكرمه وأسبغ عليه النعم ومعنى ذلك مُتقارب فإذا كان أطولهم عمراً فمعناه أنهم يموتون قبله....وقال: ينبغي للإنسان إذا أراد أن يعبر أن يختار أجزل العبارات وأسهلها وأحبها إلى النفوس.
الملائكة تنزلت بنور لهذا الميت:
قال الشيخ رحمه الله: روح المؤمن إذا بشرت بهذا خرجت من البدن بسهولة لأنها ستفارق المألوف لكن إلى ما هو خير منه فيسهل عليها أن تخرج بخلاف روح الكافر والعياذ بالله فإنها إذا بُشِّرت بالنار تفرقت في البدن فتؤخذ منه بشدة ولهذا يشاهدُ بعضُ الأموات حسِّياً استنارة وجهه. وحدثني شخص وهو ثقة لاسيما في هذا القول وقد حضر جنازة رجل مُحتضر أعرفه من عباد الله الصالحين ومن طلبة العلم يقول إنه في غرفة بالمستشفى فإذا بنور قد ملأ الغرفة ولا أستطيع أن أصفه لأنه شيء عظيم.. فبدأ الموت بهذا الرجل سبحان الله هذا يدلُّ على أن الملائكة تنزلت بنور لهذا الميت وهذا شيء أنا أشهدُ به عليه وأنا أعرفُ حال المشهود له بأنه رجل حرِي بذلك.
الوجه أسود مثل الفحم والبدن طبيعي:
قال الشيخ رحمه الله: الجنة يدركها الإنسان قبل أن يموت, فإذا حضر الأجلُ ودعت الملائكة النفس للخروج وقالت : اخرُجي أيتها النفسُ المطمئنةُ إلى رضوان الله, وتُبشرُ النفس بالجنة, قال الله تعالى : ﴿ { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم } ﴾ [النحل:32] يقولونه حين الوفاة, ﴿ { ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} ﴾ [النحل:32] فيُبشر بالجنة, فتخرُجُ رُوحُه راضية مُتيسرة سهلة.
ولهذا لما حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من أحب لقاء الله أحبَّ اللهُ لقاءهُ, ومن كره لقاء الله, كرِه الله لقاءه) قالت عائشة : يا رسول الله, كُلنُّا يكره الموت, قال : (ليس الأمر كذلك) فكلنا يكره الموت, وهذه طبيعة, ولكن المؤمن إذا بُشر بما يُبشر به عند الموت أحبَّ لقاء الله, وسهُل عليه, وأن الكافر إذا بُشِّر بما يسوءه - والعياذ بالله- عند الموت كره لقاء الله, وهربت نفسه, وتفرقت في جسده, حتى ينتزعها منه كما يُنتزعُ السفُّود من الشعر المبلول, والشعر المبلول إذا جُرَّ عليه السفُّود - وهو معروف عند الغزالين - يكادُ يُمزقُهُ من شدة سحبه عليه.
وهكذا روح الكافر - والعياذ بالله - تتفرق في جسده, لأنها نُبشِّرُ بالعذاب فتخاف ولهذا يوجد بعضُ الناس- والعياذ بالله- يُسوَّدُ وجهُهُ, ولونه في الحياة أحمر.
وحدثني من أثقُ به - وأقسم لي أكثر من مرة - وهو ممن يباشرون تغسيل الموتى, يقول : والله مرَّت عليَّ حالتان لا أنساهما أبداً, غسلت اثنين بينهما زمن, يقول: الوجه أسود مثل الفحم - والعياذ بالله - والبدنُ طبيعي, لأنه يُبشر بما يسوءه, والإنسان إذا بُشِّر بما يسُوءه تغير.
قال جامعه: اللهم اختم لنا ولجميع إخواننا المسلمين بخبر, يا كريم يا رحمن.
وفي الختام لعل من المفيد ونحن نتكلم عن القصص, أن يجاهد المسلم نفسه في تجنب القصص الأجنبية والاستغناء عنها بقصص السلف الصالح: قال الشيخ رحمه الله: رأي في القصص الأجنبية على سبيل العموم أنه ينبغي لنا – إن لم أقل يجب علينا – أن نجتنبها, لأن فيما ذُكر من قصص سلف هذه الأُمة كفاية ودراية وهداية.
أما ما يذكر من قصص الأجانب, فإن غالبها سُمّ, أو دسم أكثره سُم, وفيها من الشر والفساد, وتعلق القلب بهؤلاء الأجانب ما يوجب صرف الإنسان عن دينه وعن سلفه الصالح, فنصيحتي لكل إخواني...أن يتجنبوا مثل هذه القصص, وأن يستغنوا بقصص أسلافنا ذات المجد والعزة والكرامة والإيمان الصادق.
وسئل رحمه الله: بعض الأدباء يؤلفون قصصاً ذات مغزى, وبأسلوب جذاب, مما يكون له الأثر في نفوس القُرَّاء, ولكنها من نسج الخيال, فما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله: لا بأس بذلك إذا كان يعالج مشكلات دينية, أو خلقية, أو اجتماعية, لأن ضرب الأمثال بقصص مفروضة غير واقعة لا بأس به...لكن إن حصل عند الإنسان علم من الكتاب والسنة, ثم يعرض آيات فيها معالجة مشكلات ويشرحها ويفسرها, ويضرب المثل عليها, فهو خير, وكذلك يذكر أحاديث فيفسرها, ويضرب المثل عليها, فهذا أحسن بلا شك.
قال الشيخ رحمه الله: القصص الخيالية...إن كانت هادفة وفيها مصلحة كأن يصور حالةً من الأحوال تدعو إلى الأخلاق أو الآداب فهذا لا بأس به.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ