المروءة
المروءة هي: استعمال ما يجمل العبد ويزينه من الأعمال والأقوال والهيئات، وترك ما يدنسه ويشينه في كل ذلك، سواء مع الخالق أو مع المخلوق، وسواء تعلق ذلك به أو تعداه إلى غيره.
- التصنيفات: الآداب والأخلاق -
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن من الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة التي حث عليها الشرع العناية بالمروءة والبعد عن خوارمها.
والمروءة هي: استعمال ما يجمل العبد ويزينه من الأعمال والأقوال والهيئات، وترك ما يدنسه ويشينه في كل ذلك، سواء مع الخالق أو مع المخلوق، وسواء تعلق ذلك به أو تعداه إلى غيره.
قال ابن حبان رحمه الله: والمروءة عندي خصلتان: «اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال، واستعمال ما يحب الله والمسلمون من الخصال»[1].
درجات المروءة:
للمروءة ثلاث درجات:
الأولى: المروءة مع الحق تعالى، ويكون ذلك بالاستحياء من نظره إليك واطلاعه عليك في كل لحظة ونفس، وإصلاح عيوب نفسك جهد الإمكان، فإنه قد اشتراها منك وأنت ساع في تسليم المبيع، وليس من المروءة تسليمه على ما فيه من العيوب وتقاضي الثمن كاملًا.
الثانية: مروءة المرء مع نفسه، وهي أن يحملها قسرًا على فعل ما يجمل ويزين، وترك ما يقبح ويشين، ليصير لها ملكة في العلانية، ولا يفعل خاليًا ما يَستحْيِي من فعله في الملأ.
الثالثة: مروءة المرء مع الخلق بأن يستعمل معهم شروط الأدب والحياء والخلق الجميل، ولا يظهر لهم ما يكرهه هو من غيره لنفسه.
وليتخذ الناس مرآة لنفسه، فكل ما كرِهه ونفر عنه، من قول أو فعل أو خُلق فليجتنبه، وما أحبه من ذلك واستحسنه فليفعله»[2].
حقوق المروءة وشروطها:
قال بعض البلغاء: من شرائط المروءة:
1- أن يتعفف المرء عن الحرام.
2- أن ينصف في الحكم.
3- أن يكف عن الظلم.
4- ألا يطمع فيما لا يستحق.
5- ألا يعين قويًّا على ضعيف.
6- ألا يؤثر دنيء الأفعال على شريفها.
7- ألا يفعل ما يقبِّح الاسم والذكر.
قال الماوردي: إذا كانت مراعاة النفس على أفضل أحوالها هي المروءة، فليس ينقاد لها مع ثقل كلفها إلا من تسهلت عليه المشاق، رغبة في الحمد، وهانت عليه الملاذ حذرًا من الذم، ولذا قيل: سيد القوم أشقاهم، وقد لحظ المتنبي ذلك، فقال:
لَوْلَا المَشَقَةُ سَاَد النَّاسُ كُلُّهُمُ *** الجُودُ يُفقِرُ والإقْدَامُ قَتَّالُ
وله أيضًا:
وَإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبـارًا *** تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الأَجْسَامُ[3]
وقد وردت النصوص الكثيرة التي تحث على المروءة، روى البيهقي في السنن الكبرى من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «حَسَبُ الْمَرْءِ دِينُهُ، وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ، وَأَصْلُهُ عَقْلُهُ»[4].
وروى الطبراني في الكبير من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِن اللَّهَ تَعَالَى يُحِب مَعاليَ الأُمُورِ، وَأَشْرَافَهَا، وَيَكرَهُ سَفْسَافَهَا»[5].
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: « «مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا» »، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ [أَوْ عَجِبَ] مِنْ فَعَالِكُمَا»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9][6].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس مروءة، روى البخاري في صحيحه من حديث سهل رضي الله عنه: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النبي صلى الله عليه وسلم بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ، فِيهَا حَاشِيَتُهَا، أَتَدْرُونَ مَا البُرْدَةُ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا، فَأَخَذَهَا النبي صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَحَسَّنَهَا فُلاَنٌ، فَقَالَ: اكْسُنِيهَا، مَا أَحْسَنَهَا، قَالَ القَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النبي صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ، وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ، قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي، قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ[7].
ومن أقوال السلف في المروءة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «كَرَمُ الْمُؤْمِنِ تَقْوَاهُ، وَدِينُهُ حَسَبُهُ، وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ، وَالْجُرْأَةُ، وَالْجُبْنُ غَرَائِزُ يَضَعُهَا اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ، فَالْجَبَانُ يَفِرُّ عَنْ أَبِيهِ، وَأُمِّهِ. وَالْجَرِيءُ يُقَاتِلُ عَمَّنْ لاَ يَؤُوبُ[8] بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، وَالْقَتْلُ حَتْفٌ مِنَ الْحُتُوفِ[9]، وَالشَّهِيدُ مَنِ احْتَسَبَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ[10].
وقال أيضًا: لَا تَصْغُرُنَّ هِمَّتَكُمْ فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَقْعَدَ عَنْ الْمَكْرُمَاتِ مِنْ صِغَرِ الْهِمَمِ[11].
وقال علي رضي الله عنه لابنه الحسن في وصيته له: يَا بُنَيَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللَّهُ حُرًّا، فإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللهِ تَعَالَى أَكْرَمُ وَأَعْظَمُ مَنَ الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ كُل مِنْهُ كَثيِرًا[12].
وقال أبو حاتم البستي: «الواجب على العاقل تفقُّد الأسباب المستحقرة عند العوام من نفسه حتى لا يثلم[13] مروءته، فإن المحقرات من ضد المروءات، تؤذي الكامل في الحال بالرجوع في القهقرى إلى مراتب العوام وأوباش[14]الناس»[15].
وقال الماوردي رحمه الله: «وأما الإسعاف في النوائب، فلأن الأيام غادرة والنوازل غائرة والحوادث عارضة، والنوائب راكضة، والإسعاف في النوائب نوعان، واجب وتبرع، فأما الواجب فيما اختص بثلاثة أصناف وهم الأهل، والإخوان، والجيران، فيجب من حقوق المروءة وشروط الكرم في هؤلاء الثلاثة تحمل أثقالهم وإسعافهم في نوائبهم، وأما التبرع ففيمن عدا هؤلاء الثلاثة من البعداء»[16].
قال الشاعر:
وَكُنْتُ إِذَا عَقَدْتُ حِبَالَ قَـــــــوْمٍ *** صَحِبْتُهُمُ وَشِيمَتِي الوَفَــــاءُ
فَأُحْسِنُ حِينَ يُحْسِنُ مُحْسِنُوهُمْ *** وَأَجْتَنِبُ الإِسَاءَةَ إِنْ أَسَاءُوا
وَأُبْصِرُ مَا يَعِيبُهُم بِعَـيْــــــــــــــنٍ *** عَلَيْهَا مِنْ عُيُوبِهِمْ غِطَــــــاءُ
أُرِيدُ رِضَاهُمْ أَبَدًا وَآتِــــــــــــــي *** مَشِيئَتِهِمْ وَأَتْرُكُ مَاَ أَشَــــــاُء
من فوائد المروءة:
1- تعلم الإنصاف والصدق والصبر.
2- تبعد المسلم عما يكره الله والمسلمون.
3- رفع الهمم للملمات وصعاب الأمور.
4- مساعدة الأهل والإخوان والجيران.
5- تدعو الإنسان إلى الأنفة من الخمول والكسل.
6- تُعطي المؤمن عزة وترفعًا عن رذائل الأمور وسفاسفها.
7- تكسب المؤمن مكارم الأخلاق.
8- تحث المؤمن على العمل والبعد عن الأماني[17].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص218).
[2] مدارج السالكين لابن القيم 2 بتصرف (2/ 366 - 368).
[3] أدب الدنيا والدين (ص515).
[4] (21/ 42) برقم (20848)، وقال البيهقي رحمه الله: هذا الموقوف إسناده صحيح.
[5] (3/ 131) برقم (2894)، وصححه الألباني رحمه الله في الصحيحة (4/ 168) برقم (1627).
[6] صحيح البخاري برقم (3798)، وصحيح مسلم برقم (2054) بلفظ مختلف.
[7] صحيح البخاري برقم (1277).
[8] آب من يئوب أوبًا ومآبًا رجع.
[9] الحتوف: جمع حتف وهو الموت.
[10] موطأ مالك (ص292) برقم (1389)، وقال محققه: صحيح لغيره موقوف.
[11] أدب الدنيا والدين (ص516).
[12] أدب الدنيا والدين (ص330).
[13] الثلم: هو الخلل.
[14] أوباش الناس: أخلاطهم وسفلهم.
[15] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص234).
[16] أدب الدنيا والدين (ص516).
[17] موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، لمجموعة من المشايخ (8/ 3373 - 3386 ).
_____________________________________________
الكاتب: د. أمين بن عبدالله الشقاوي