فوائد متفرقة في أمور متنوعة من مصنفات العلامة ابن عثيمين (6)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
كتب خالد بن الوليد إلى هرمز ملك فارس: " جئتك بقوم يحبُّون الموت كما تحبون الحياة "
- التصنيفات: طلب العلم -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين: فهذا هو الجزء السادس من فوائد متفرقة في أمور متنوعة انتقيتها من مصنفات العلامة ابن عثيمين رحمه الله, أسأل الله أن ينفعني والجميع بها.
كلام عظيم
** قال الشيخ رحمه الله: هذا الكلام العظيم من أبي بكر رضي الله عنه, " من كان منكم يعبدُ مُحمداً فإن محمد قد مات " ففيه قطع التعلق بالأشخاص مهما كانت منزلتهم عند الله عز وجل, وأن واحداً من الناس ليس أهلاً أن يُعبد من دون الله, ولا يعبد مع الله, ولو كان أشرف الخلق عند الله عز وجل.
وقال أيضاً: " ومن كان يعبُدُ الله فإن الله حي لا يمُوتُ " سبحانه وتعالى ! فهو باقٍ حي حياة كاملة, لا يطرأ عليها موت أبداً ثم تلا الآية, وأيقن الناس أن الأمر حقيقة, وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات, وجعلوا يقرؤونها وكأنها لم تنزل إلا تلك الساعة.
** قال الشيخ رحمه الله: يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه, أنه قال: " من بورك له شيء فليلزمه" كلمة عظيمة, يعني إذا بورك لك في أي شيء كائنا ما يكون فالزمه ولا تخرج عنه مرة هنا ومرة هنا, فيضيع عليك الوقت ولا تبنى شيئاً, وقال رحمه الله: كلمة عظيمة, يعني: إذا رأيت أنك مطمئن لهذا الشيء وأنك راض به, وأنك سائر فيه, فالزمه, ولا تبق مرة تشتغل بهذا ومرةً بهذا, ومرةً بهذا, فيضيع عليك الوقت, ولا تكن مركزاً في عملك.
** قال الشيخ رحمه الله: كتب خالد بن الوليد إلى هرمز ملك فارس: " جئتك بقوم يحبُّون الموت كما تحبون الحياة " فهذه كلمة عظيمة, يعني: نحن نحب الموت في سبيل الله كما تحبون الحياة, يعني: فلا نبالي.
** قال ابن القيم:
هربوا من الرق الذي خلقوا له فبُلُوا برقِّ النفسِ والشيطـان
قال الشيخ رحمه الله: كلام عظيم, الرقُّ الذي خلقنا له هو الرقُّ لله عز وجل نحن عبيد الله, {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [الذاريات:56] وبُلوا برِقِّ النفس والشيطان, استعبدتهم نفوسهم وشياطينهم, حتى اتبعوا الهوى واتبعوا الشيطان.
** قال أبو طالب:
لقد علموا أن ابننا لا مُكذب لدينا ولا يُعنى بقول الأباطل
قال الشيخ رحمه الله: كلام عظيم, يقول: ابننا ليس مُكذَّباً لدينا ولا نُكذِّبه, ولا يُعنى بقولِ الأباطل, يعني السحرة أو الهالكين, بل قوله حق وصدق, وهذا ثناء عظيم على النبي عليه الصلاة والسلام.
** قال الشيخ رحمه الله: يُذكر عن بعض العابدات أنها أصيبت في إصبعها وأنها لم تتأثر, وقالت :حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها, وهذه كلمة عظيمة.
** قال الشيخ رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ( «ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمالٍ» ) يعني: دعته إلى نفسها ليفعل بها الفاحشة, فقال: «(إني أخاف الله » ) وهي امرأة ذات منصب, يعني: ذات حسب شرف, ليست من الدنيئات, بل هي عزيزة شريفة, وليست أيضاً من القبيحات, بل هي جميلة, فهي ذات منصب وجمال, وهو أيضاً عنده شهوة النكاح, ( فقال: إني أخاف الله ) لم يذكر إلا هذا السبب, فلم يقل: لا رغبة لي في النساء, ولم يقل: أنت قبيحة, ولم يقل: أنت من أناس أهل دناءة, ولم يقل: حولنا أحد نخشى أن يشعر بنا, إنما الذي منعه شيء واحد وهو خوف الله عز وجل.
وعلى رأس هؤلاء يوسف عليه الصلاة والسلام, فإن يوسف دعته امرأة العزيز وهي سيدته, دعته إلى نفسها في موضع خال لا يطلع عليه إلا الله, وقالت: {هيت لك} {قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون } { [يوسف:23]
ومن ذلك فيما يظهر قصة الرجل الذي كان يراود ابنة عم له على فعل الفاحشة, ولكنها تأبي عليه, وفي سنة من السنوات ألمت بها حاجة, فجاءت إليه تستعينه, فأبى إلا أن تمكنه من نفسها, فلما رأت أنها في ضرورة مكنته من نفسها, ولما جلس منها ما يجلس الرجل من امرأته قالت: " اتق الله, ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقه " كلمة عظيمة يقشعر منها البدن !! فقام وهي أحب الناس إليه, لكنها ذكرتها بهذه الكلمة العظيمة: " اتق الله, ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقه " فقام عنها وهي أحبُّ الناس إليه, وترك ما أعطاها...قالت له: اتقِ الله, ولا تفُضَّ الخاتم إلا بحقه, وهي كلمة تُزلزلُ الجبال, فقام, ولم يحدث شيئاً, وهذا يدلَّ على كمال عفته.
كلمات تكتب بماء الذهب
** قال الشيخ رحمه الله: عثمان بن عفان رضي الله عنه, في الحج في منى, صار يصلي الظهر أربعاً والعصر أربعاً والعشاء أربعاً, والسنة أن تصلى ركعتين...فحًدث بذلك عبدالله بن مسعود, فقال: " إنا لله وإنا إليه راجعون" استرجع, رآها مصيبة, أن يصلى أربعاً, والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان في أول خلافته صلوا ركعتين, وكان يصلي خلفه أربعاً وهو ينكرها, وزيادة العدد في صلاةٍ واحدةٍ يُبطلها, فقيل له: يا أبا عبدالرحمن, كيف تنكر على عثمان أن يصلي أربعاً وأنت تصلى خلفه أربعاً ؟ قال: " الخلاف شر"
كلمة تستحق أن تكتب بماء الذهب على صفائح الفضة, كلمة عظيمة لها وزنها " الخلاف شر " فانظر كيف كان هدى الصحابة يوافقون الإمام في الزيادة في نفس الصلاة الواحدة, ويقولون: " الخلاف شر "
** قال الشيخ رحمه الله: لما سئل عمر بن عبدالعزيز رحمه الله الذي اعتبره بعض العلماء الخليفة الخامس عما وقع بين علي ومعاوية, قال كلمة هي جديرة أن تكتب بماء الذهب قال للذي سأله: هذه دماء طهر الله أسيافنا منها فيجب أن نطهر ألستنا منها
** قال الشيخ رحمه الله: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية: "من تدبر القرآن طالباً للهدى منه, تبين له طريق الحق " هذه في الحقيقة عبارة تكتب بماء الذهب, وإن كان الذهب لا يستعمل مداداً لكن قصدي هذه عبارة ممتازة, من تدبر القرآن طالباً الهدى منه تبين له طريق الحق, فلا بدَّ من هذين الأمرين.
** لما سئل مالك رحمه الله تعالى عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه:5] كيف استوى؟ أطرق رحمه الله برأسه حتى علاهُ الرُّخصاءُ (العرق) ثم قال: " الاستواء غير مجهول, والكيف غير معقول, والإيمان به واجب, والسؤال عنه بدعة.[متفق عليه] قال الشيخ رحمه الله: هذه الكلمات من الإمام مالك رحمه الله, تستحق أن تكتب بمداد من ذهبٍ على صحائف الفضة, لأنها كلمات عظيمة من إمام في السنة رحمه الله.
وقال رحمه الله : فتح الله عليه بهذه الكلمات العجيبة التي تستحق أن تكتب بمداد النور, ومداد الذهب.
وقال رحمه الله: كلمات تكتب بالذهب, وهي كلمات من نور.
وقال رحمه الله: كلماته الشهيرة التي لو كتبت بماء الذهب والبلاتين لكان رخيصاً.
** قال الشيخ رحمه الله: وعظ أحد السلف عالماً موعظة نافعة جداً, قال: إن الله قد زين ظهرك بالعلم والعمل, وجعل لك منزلة بين الناس وشرفاً وجاهاً, فاحرص على أن تزين باطنك, ليكون لك عند الله منزلة وجاه.
هذه موعظة عظيمة جداً تُكتب بماء الذهب, لأن كثيراً من الناس يغترُّ بمنزلته بين الناس لأيِّ سبب من الأسباب, إما لعلم, أو دين, أو عبادة, أو غيرها, ثم ينسى عمارة الباطن, وهذه خطيرة جداً, ويجب على الإنسان أن يُلاحظ المنزلة الأخرى والشرف والجاه عند الله, فهذا هو المهم, أما عند الناس فلا يهمُّ, ورُب أشعث أغبر, مدفوع بالأبواب, لو أقسم على الله لأبره.
كلام مختصر فيه بلاغة عظيمة
قال الشيخ رحمه الله: قوله علية الصلاة والسلام : ( «أَسلِم تسلم » ) هذا الكلام المختصر فيه بلاغة عظيمة, وقد أُعطي الرسول علية الصلاة والسلام جوامع الكلم, واختُصر له الكلام اختصاراً, ولو أن أحداً قام بشرح هذه الكلمة بمُجلدات ما استطاع أن يصل إلى الغاية, فقوله : ( أسلم تسلم ) أي : تسلم من مسؤولية قومك, ومن مسؤولية نفسك, ومن الآفات في الدنيا, ومن الآفات في الآخرة, ومن السمعة السيئة, ومما لا يُحصيه إلا الله, فإن الإنسان مُعرض للشرور في الدنيا وفي الآخرة, وهذه الشرور من يحصيها ؟
كلمتان حاسمتان تطردان كل شكٍّ يرِد على القلب
قال الشيخ رحمه الله: انظر إلى قوله علية الصلاة والسلام فيمن يتساءلون : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ قال صلى الله عليه وسلم: ( « فليستعذ بالله ثُم لينته» ) كلمتان حاسمتان تطردان كل شكٍّ يرِد على القلب, ولو أن الفلاسفة وأهل الكلام أرادوا أن يدفعوا مثل هذه الوساوس لرأيتهم يكتبون صفحات, ولا يثمرون الثمرة التي أثمرتها هاتان الكلمتان.
كلام صحابي يعجز كثير من أهل المنطق أن يتكلموا بمثله.
** قال الشيخ: رسول الله صلى الله عليه وسلم...لما سلَّم في إحدى صلاتي العشي سلم من ركعتين...فقال له ذو اليدين : " «أنسيت أم قصرت الصلاة ؟» " ولله در الصحابة, فهذا واحد من عامة الصحابة يقول هذا الكلام, الذي لو اجتمعت عليه الفلاسفة السنين ما أتوا بمثله. وقال: فتكلم بكلام يعجز كثير من أهل المنطق أن يتكلموا بمثله
عبارة واضحة مختصرة
قال الشيخ رحمه الله: أصل العقل في القلب, لكن له اتِّصال بالدماغ, وإنك لتعجب أن تقع هذه الكلمة من الإمام أحمد رحمه الله حيث قال: "العقل في القلب, وله اتِّصال بالدماغ ", وهذه عبارة لو اجتمع الأطباء كلهم على أن يأتوا بمثل هذه العبارة الواضحة المختصرة ما استطاعوا إلى هذا سبيلاً, لكن الله سبحانه وتعالى يهب من يشاء من خلقه فيُوفقه لكلمات جامعةٍ واضحةٍ مختصرةٍ.
كلمات جيدة:
قال الشيخ رحمه الله: وقول الزهري رحمه الله: " من الله الرسالة, وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ, وعلينا التسليم "هذه كلمات جيدة.
كلمة موجزة نافعة
قال الشيخ رحمه الله: بعض العلماء, ذكر كلمة موجزة, نافعة, قال: قل: بِمَ أمر الله ؟ ولا تقل: لِمَ أمر الله ؟ لأنك إذا قلت: بِمَ أمر الله؟ فإنك تسأل عن المأمور به لتفعله, لكن إذا قلت: لِمَ ؟ فمعناه قد تكون مُتعنتاً تسأل عن الحكمة إن بدت لك, وإلا استكبرت.
كلمة لو وزنت بالجبال لرجحت
** قال الشيخ رحمه الله: قال ابن رجب رحمه الله في كتابه " القواعد الفقهية في المقدمة كلمة لو وزنت بالجبال لرجحت, يقول: " المُنصفُ من اغتفر قليل خطأ المرءِ في كثير صوابه" وهي كلمة عظيمة, فهذا هو المُنصفُ, وليس المُنصفُ الذي يأخذ السيئات وينسى الحسنات, فالمنصف من يقارن بين الحسنات والسيئات, فإذا رجحت الحسنات انغمرت السيئات بها.
وقال رحمه الله: المُنصفُ من ينظر إلى الصواب وإلى الخطأ, فإذا الصوابُ أكثر فليغتفر الخطأ, وإن كان الخطأ أكثر اضمحلَّ به الصواب, وإن كان سواء لا يحكم عليه بمدح ولا ثناء, فتجد واحداً يُصيبُ في مِئةِ مسألةٍ ويُخطئُ في مسألةٍ, ثم يقال : هذا الرجُل فيه وفيه إلى آخره, فهنا المؤلف يقول : إن أنا أخطأتُ فليعلم أن الله لم يعط العصمة لكتابٍ غير كتابه, فالمنصفُ من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه.
** قال الشيخ رحمه الله: سأل الإمام أحمد رحمه الله رجل وقال: يا أبا عبدالله, إن أبي أمرني أن أطلق زوجتي, فقال له الإمام: هل تعيب عليها في خلقٍ أو دينٍ ؟ قال: لا. فقال: لا تطعه, قال: يا أبا عبدالله, كيف لا أطيعه وعمر لما أمر ابنه عبدالله أن يطلق امرأته أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يطيع أباه عمر ويطلقها؟ لكن الإمام أحمد قال كلمة لو وزنت بجبال الذهب لرجحت بها, قال له: وهل أبوك عمر ؟! والإمام أحمد يدري أن أباه ليس عمر وأن الرجل يعرف أن أباه ليس عمر, لكن المعنى هل أن أباك أمرك بسببٍ مثل السبب الذي أمر عمر ابنه أن يطلق امرأته من أجله ؟ وهل يُتهمُ عمرُ بأنه يريدُ التفريق بين ابنه وزوجته! لا والله لا يُتهمُ, فهذا الرجل الذي أمر ابنه أن يُطلق زوجته ما ندري لعله حملهُ الحسد أو الغيرة.
كلمات عجيبة
قال الشيخ رحمه الله: قيل لأحد الصحابة رضي الله عنهم: إن اليهود يقولون: نحن لا نوسوس في صلاتنا؟ وأنتم أيها المسلمون توسوسون في الصلاة! فقال كلمة عجيبة: " وما يصنع الشيطان بقلب خراب! " فالقلب الخراب لا يأتيه الشيطان ليخربه, لأنه قد خرب, إنما يخرب القلب العامر السليم, حتى يدمره, فنسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الشيطان الرجيم.
وقال الشيخ رحمه الله: عمر بن الخطاب رضي الله, حينما سافر إلى الشام, وفي أثناء الطريق قيل له: إن الشام فيها طاعون, والطاعُون وباء معروف, فتاك- والعياذ بالله- فتوقف رضي الله عنها وشاور الصحابة: هل يرجع إلى المدينة خوفاً من هذا الوباء, أم يذهب إلى هذا الوباء, ويتوكل على الله ولا يهتمُّ؟...واستقر رأي الأكثر على أن يرجع إلى المدينة, فأمر بالرجوع, فجاء أو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه, وقال: يا أمير المؤمنين, كيف ترجع, "أفراراً من قدر الله ؟!" فقال له عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة...ثم قال: نعم نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله", سبحان الله! كلمة عجيبة, لو أن المُتأخِّرين تكلموا عليها لكتبوا فيها مجلدات, ولم يصلوا إلى هذا المعنى الذي قاله عمر, يقول: " نعم نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله " أي: إننا إن ذهبنا إلى الشام فبقدر الله, وإن رجعنا إلى المدينة فبقدر الله, فنحن لم نفرَّ, إن رجعنا فبتقدير الله, وإن مضينا فبتقدير الله.
كلمة منكرة
سئل الشيخ : هناك أناشيد للأطفال : بسمة أُمِّي سر وجُودي " فما رأيكم فيها ؟ فأجاب رحمه الله: هذا كذب, ولا يجوز للإنسان أن يقولها, وليس لأحد صفة للوجود, وهذه كلمة صوفية منكرة, الذي أوجد الخلق هو الله.
ما أعظم هذا القول وأبطله وأكذبه
كلمة ظاهرها الحق وباطنها من قبله العذاب
قال الشيخ رحمه الله: الحقيقية أن الدين الإسلامي دين العدل, كما قال عز وجل : ] إن الله يأمرُ بالعدلِ والإحسان [ [النحل :90] وما قال الله عز وجل ولا في آية واحدة : إن الله يأمر بالمساواة.
وكلمة المساواة قد يكون ظاهرها الحق وباطنها من قبله العذاب, فقد يُراد بها التسوية في أمور فرَّق الشرع بينهما, فتُتخذ وسيلةً, ونحن إذا قلنا : إن الإسلام يأمر بالعدل لزم من ذلك التسوية بين المتفقين, والتفرقة بين المختلفين, ولا يرِدَ علينا أيُّ شيء, فلا يُقال مثلاً : لماذا فضل الإسلام الذكر, فأعطاه مثل حظ الأُنثيين في الميراث, مع أنك تقول : إن الإسلام دين المساواة...فإذا كنت تقول : إن الإسلام دين المساواة فساو بين الرجل والمرأة, لكن إذا قلت : إن الإسلام دين العدل خرجت من هذه المسألة ومن غيرها.
كلمة حق أريد بها باطل
** قال الشيخ رحمه الله: قد أبطل الله حٌجة المجادلين في ذلك في قوله : { سيقولُ الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيءٍ } [الأنعام:148] وهذه كلمة حقٍّ لكن يرادُ بها باطل, فإنهم يُريدون من هذه الكلمة الاستمرار على شركهم, ودفع الحُجّة عليهم, وإلا فهم لا يريدون الحق, ولو قالوا : لو شاء الله ما أشركنا, ولا آباؤنا, ولا حرمنا من شيء, ولكن ذلك وقع بمشيئة الله, ونحن نستغفر الله, ونتوب إليه, ونُوحد الله عز وجل, ونلتزم أحكامه الشرعية, فلا نُحلُّ إلا ما أحلَّ, ولا نُحرم إلا ما حرم, لقلنا لهم : هذا كلام صحيح, وتشكرون عليه.
** قال الشيخ رحمه الله : القلوب لو صلحت لصلحت الجوارح, لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب» وهذا الحديث يُبطل كل دعوى يدَّعيها بعض الناس, إذا نصحته في أمر من الأمور مما عصى الله به قال لك : " التقوى ها هنا " ويشير إلى صدره, وهي كلمة حق أريد بها بطل, والكلمة قد تكون في مدلولها العام, لكن يريد بها القائل أو المتكلم معنى باطلاً...فالذي قال : " التقوى ها هنا " هو النبي صلى الله عليه وسلم....الذي قال : ( « ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله» ) فإذا كان في القلب تقوى, لزم أن يكون في الجوارح تقوى, والعمل الظاهر عنوان على العمل الباطن.
** قال الله تعالى : {وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعمُ من لو يشاء اللهُ أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين } [يس:47] قال الشيخ رحمه الله في [يس:171] : من فوائد هذه الآية الكريمة : أن الإنسان قد يقول كلمة الحق يريد بها الباطل, ] أنطعمُ من لو يشاء اللهُ أطعمه [ فنحن نؤمن بأنه لو شاء الله لأطعم هؤلاء لكن حكمته عز وجل اقتضت أن يجعل هؤلاء فقراء وهؤلاء أغنياء.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ