عمل المرأة في الإسلام

منذ 2021-09-20

عملت المرأة في صدر الإسلام في كل أنواع الأعمال التي ناسبت طبيعتها، فقد عملت بالتجارة ولنا أمثلة عديدة من ذلك:

عملت المرأة في صدر الإسلام في كل أنواع الأعمال التي ناسبت طبيعتها، فقد عملت بالتجارة ولنا أمثلة عديدة من ذلك السيدة أم المؤمنين خديجة «رضي الله عنها» كانت تاجرة تستأجر الرجال في تجارتها وتضاربهم عليها. وقبل زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتمنته على تجارتها إلى الشام فكان يتاجر لها ومعه غلامها ميسرة[1].

 

كذلك عملت أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم في بيوتهن فكن يعملن ويتصدقن من نتاج عملهن. من ذلك ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت عن زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها: «.. وكانت زينب امرأة صناع اليد فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله» روت الحديث عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية عن عائشة أم المؤمنين[2].

 

ومن النساء اللائي عملن في التجارة قيلة الأنمارية «أم بني أنمار» وقد ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن المساومة في التجارة فذكرت له أنها تاجرة تساوم في تجارتها التي تعمل بها حتى تشتري بالمبلغ الذي تريده، كذلك تفعل في تجارتها حين تبيع، فتعطي مبلغًا كبيرًا ثم تساوم حتى تبيع بالمبلغ الذي تريده فقال لها صلى الله عليه وسلم: «لا تفعلي يا قيلة إذا أردت أن تشتري شيئًا فأعطي به الذي تريدين أن تأخذي به» [3].

 

كما قدمت امرأتان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إحداهما تدعى زينب الثقفية، ومعها امرأة أبي مسعود الأنصاري وقيل عبد الله بن مسعود وتدعى زينب الأنصارية، تسألان رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النفقة على أزواجهما وأيتام في حجورهما من نتاج عملهما، وهل لهما أجر على ذلك فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم لكما أجران، أجر الصدقة وأجر القرابة». وقد ذكر أن الثقفية اسمها ريطة بنت عبد الله الثقفية، وأنه ليس لزوجها ولا لولدها أي شيء ينفقون منه إلا عملها.

 

قالت ريطة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني امرأة ذات صنعة أبيع منها وليس لي ولا لزوجي ولا لولدي شيء» ثم سألته النفقة عليهم وهل لها أجر في ذلك فقالت: «ويشغلونني فلا أتصدق، فهل لي في النفقة عليهم من أجر؟» فقال: «لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم فأنفقي عليهم» وقد ذكر أن ريطة هي امرأة عبد الله بن مسعود «زينب» وقيل هي زوجة أخرى له[4].

 

كما ذهبت امرأة من الصحابة، وهي خالة بن عبد الله الخزرجي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله هل تعمل في عدتها حيث مات عنها زوجها، وأرادت أن تخرج إلى نخل لها تجذه فقال لها رجل: «ليس ذلك لك» فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: «اخرجي فجذي نخلك عسى أن تصدقي أو تصنعي معروفًا» الحديث[5]. وبذلك حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمل المرأة إذا كان ضروريًا لحياتها وأسرتها ولو كان في فترة الحداد على زوجها.

 

بينما يجب على المرأة في فترة حدادها أن تظل محدة على زوجها في زينتها وثيابها فلا تتزين ولا تكتحل أو تمس طيبًا أربعة أشهر وعشرًا حفاظًا على سنوات العشرة التي كانت بينهما .. فقد ورد عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها أنه قد أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: يا رسول الله ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينيها أفأكحلهما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا» ، مرتين أو ثلاثًا، كل ذلك يقول: «لا» ، ثم قال: «إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول». كذلك لا تلبس المرأة شيئًا من الحلي خاتمًا ولا خلخالًا ولا غير ذلك[6].

 

كما روى البخاري عن كتاب النكاح باب الغيرة أن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما «تزوجني الزبير وما له في الأرض ولا مملوك ولا شيء غير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء وأخرز غربه، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز ،وكان يخبز لي جارات من الأنصار، وكن نسوة صدق. وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ. فجئت يومًا والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار. فدعاني. ثم قال: «إخ إخ» ليحملني خلفه. فاستحييت أن أسير مع الرجال. وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس. فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، أني استحييت، فمضى فجئت الزبير، فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب فاستحييت منه، وعرفت غيرتك. فقال: والله، لحملك النوى كان أشد عليّ من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إليّ أبو بكر، بعد ذلك، بخادم يكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني[7].

 

وعن مدى احترام رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمل المرأة، فقد ذكر أن امرأة سوداء تسمى «أم محجن» كانت تقمّ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم - أي تنظفه من القمامة. فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرها فلما سأل وعلم أنها تقم المسجد قال: «أفلا آذنتموني»؟ قالوا: كنت نائمًا فكرهنا أن نهيجك، قال: «فلا تفعلوا فإن صلاتي على موتاكم تنور لهم قبورهم» ثم خرج فصلى عليها وكبر أربعًا. الحديث[8].

 

استشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه والمرأة بصفة عامة:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقر المرأة - كما ذكرنا - ويعطيها مكانتها وقدرها في مجتمع كان يضطهد المرأة.

 

أما عن استشارته لأزواجه «رضي الله عنهن». فقد كان صلى الله عليه وسلم يستشير أم المؤمنين خديجة «رضي الله عنها» في كل أمور حياته حتى في أمر الوحي[9]، كذلك كان يستشير نساءه في الأحداث الجسام. ففي العام السادس من الهجرة حينما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج لعمرة الحديبية في ذي القعدة، وكانت قريش ما زالت تتربص به، رغم أنه خرج لا يريد حربًا، ولكنه خشي قريشًا فاستنفر العرب، ومن حوله من الأعراب من أهل البوادي خوفًا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت فأبطأ عليه الكثير من الأعراب، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب، وساق معه الهدي، وأخرجه بالعمرة ليعلم الناس أنه قدم زائرًا للبيت معظمًا له لا يريد حربًا. وقد ساق معه سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل لكل بدنة عشرة نفر[10].

 

إلا أن قريشًا جهزت نفسها بالسلاح لتمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة[11] فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حيث أحضر السلاح، فلما دنا من مكة منعوه من الدخول فعرج على منى، ثم علم أن عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليه في خمسائة رجل وكان خالد بن الوليد قد أسلم فبعثه صلى الله عليه وسلم إلى عكرمة بن أبي جهل فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم أعاد الكرة ثانية فهزم ثم عاد وهزمه ثالثة حتى أدخله حيطان مكة، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ سيف الله المسلول. فأنزل الله تعالى فيه {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} إلى قوله: {عَذَابًا أَلِيمًا} [12].

 

وقد كف الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا قد بقوا فيها كراهية أن تطأهم الخيل بغير علم[13].

 

ثم أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة إلى قريش مع عثمان بن عفان رضي الله عنه ليخبرهم أنه لم يأت للحرب، وإنما جاء زائرًا للبيت معظمًا لحرمته. فلما نزل عثمان مكة أجاره أبان بن سعيد بن العاص ثم قدم عثمان على بن أبي سفيان بن حرب وعظماء قريش وأبلغهم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فعرضوا عليه أن يطوف هو بالبيت، فرفض ألا يطوف حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحبسته قريش عندها، ثم توارد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قُتل، فدعا الناسَ إلى بيعته على مناجزة قريش فبايعه الناس تحت الشجرة بيعة الرضوان، ونزلت آيات الله تعالى تبارك هذه البيعة، قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ} [14].

 

ثم ما لبثت قريش أن أرسلت سهيل بن عمرو لمصالحة رسول الله صلى الله عليه وسلم على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس على أنفسهم ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشًا ممن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ترده عليه. وأنه من أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه، فدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خزاعة، بينما دخل في عهد قريش بنو بكر، على أن يرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا العام ولا يدخل مكة، ويأتيها في العام التالي بدون سلاح إلا سلاح الراكب والسيوف في القرب، ليعتمر بها ثلاثة أيام تخرج فيها قريش عنه، ثم أشهد على الصلح رجالًا من المسلمين، ورجالًا من المشركين[15].

 

فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من قضيته قال لأصحابه: «قوموا فانحروا ثم احلقوا» فلم يقم أحد منهم ثم أعاد القول ثلاث مرات. فلما لم يقم أحد قام صلى الله عليه وسلم ودخل على أم المؤمنين أم سلمة «رضي الله عنها» فذكر لها ما لقي من أصحابه فقالت له أم سلمة «رضي الله عنها»: «يا نبي الله، أتحب ذلك، اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنتك، وتدعو حالقك فيحلقك»، فقام صلى الله عليه وسلم فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، وبذلك كان لرأي أم سلمة أثر كبير في هذا الحدث الذي غير مسار التاريخ الإسلامي من ضعف للمسلمين إلى قوة بعد صبر وعناء وابتلاء انتهى بفتح مكة، بشرهم بالله تعالى وهم في أحلك أيام صبرهم. فأي رأي صائب لأم سلمة أم المؤمنين «رضي الله عنها» أخذ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف الخطير.

 

وكما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير أزواجه كان أيضًا يستشير النساء بصفة عامة وكان يجتمع بهن - كما ذكرنا - كما كان يجتمع بالرجال في المساجد، وكانت المرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجيبها وكذلك كان يستشيرها.

 


[1] انظر الفصل الخاص بمحمد صلى الله عليه وسلم الزوج.

[2] انظر طبقات ابن سعد ج 8 ص 77، ابن الأثير: أسد الغابة مج 7 ص 126، صحيح مسلم كتاب الفضائل الصحابية، باب من فضائل زينب أم المؤمنين رضي الله عنها.

[3] ابن سعد: الطبقات ج 8 ص 228، ابن عبد البر: الاستيعاب ج 4 ص 381، ابن الأثير: أسد الغابة مج 7 ص 245، ابن حجر الإصابة ج 4 ص 381، ابن الجوزي: فهوم الأثر ص 258. انظر حديثها عند ابن ماجة في كتاب التجارات، باب السوم، الحديث 2204: 2/743، وانظر الكاشف للذهبي ج 3 ص 479.

[4] ابن سعد: الطبقات ج 8 ص 212، ابن عبد البر: الاستيعاب ج 4 ص 299 – ص 300 ص 310، ص 311، ص 312، أسد الغابة ابن حجر: الإصابة ج 4 ص 292، ص 303، ص 304، ص 311 ص 313، حلية الأولياء لأبي نعيم ج 2 ص 69 – ص 70 انظر أيضًا صحيح مسلم كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والوالدين ولو كانوا مشركين، صحيح البخاري: كتاب الزكاة، باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر، ابن ماجة كتاب الزكاة باب الصدقة على ذي القرابة.

[5] انظر ابن الأثير: أسد الغابة مج 7 ص 424، انظر أيضًا صحيح مسلم، كتاب الطلاق باب جواز خروج المعتدة البائن.

[6] انظر موطأ مالك، كتاب الطلاق، ما جاء في الإحداد ص 494 – 497 (على أن مالك ذكر أنه إذا خشيت المرأة المحدة على زوجها على بصرها فلها أن تتداوى بالكحل عند الضرورة فإن دين الله يسر).

[7] انظر أيضًا صحيح مسلم، كتاب السلام باب جواز إرداف المرأة الأجنبية إذا أعيت في الطريق، ابن سعد الطبقات ج 8 ص 182 – 186، ابن عبد البر: الاستيعاب ج 4 ص 228 – ص 230، ابن نعيم: حلية الأولياء ج 2 ص 55 – 57، ابن حجر: الإصابة ج 4 ص 223 – 224.

[8] انظر: صحيح البخاري الجنائز باب الصلاة على القبر بعدما يدفن، ابن الأثير: أسد الغابة مج 7 ص 263، 391 – 392، الإصابة لابن حجر ج 4 ص 393. وانظر أيضًا اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر.

[9] انظر الفصل الخاص بمحمد صلى الله عليه وسلم الزوج، ترجمة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها في كتاب محمد صلى الله عليه وسلم والمرأة ط المكتبة الأكاديمية بالقاهرة/ الدقي.

[10] انظر الطبري: تاريخ الطبري ج 2 ص 620، ط دار المعارف.

[11] مكان قرب المدينة.

[12] الفتح/ 24، وانظر أيضًا الطبري: المصدر السابق ص 622.

[13] تاريخ الطبري: نفس المصدر ص 622، تفسير الطبري عند هذه الآية «الفتح».

[14] سورة الفتح/ 18، وانظر تاريخ الطبري ج 2 ص 631، ص 632.

[15] المصدر السابق للطبري ص 633 – ص 636.

_________________________________________
الكاتب: د. سامية منيسي

  • 3
  • 0
  • 17,086

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً