آثار الإيمان باليوم الآخر
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
ومنهم من يمر كركاب الإبل, كالذين يركبون الدواب على الإبل, ومنهم من يمشي مشياً على الأقدام, ومنهم من يزحف زحفاً على يديه, أو على رجليه, أو على مقعدته.
- التصنيفات: الدار الآخرة -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فللعلامة عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين, رحمه الله, مصنفات كثيرة, منها: " التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية" وهي شرح للعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وقد تكلم الشيخ في ثنايا الشرح عن آثار الإيمان باليوم الآخر, وقد يسر الله الكريم فجمعت ما ذكر الشيخ, أسأل الله أن ينفع الجميع بها.
قال الشيخ رحمه الله: ذكر الله تعالى أنه يوم طويل, فقال تعالى: { وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون } [الحج:47] في هذه الآية ذكر أنه كألف سنة, أي طوله, وفي آية أخرى, { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} [المعارج:4] ولعل طوله أو قصره بالنسبة إلى تفاوت الناس, فمنهم من يطول عليه كثيراً, ومنهم من يطول عليه وسطاً, ومنهم من يخفف عليه, حتى قيل: إنه على المسلم كصلاة مكتوبة, لا يشعر بطوله.
[ 2/102]
أثر الإيمان بعذاب القبر ونعيمه:
الميت يعذب في البرزخ أو ينعم, سواء قُبر أم لم يُقبر, فإن كان من أهل الخير ناله النعيم والفرح والسرور, وإن كان من أهل الشر ناله العذاب والألم والحزن الشديد, ويبقى كذلك كل منهما في هذا البرزخ الذي هو بين الدنيا والآخرة.
ويؤمن المؤمنون بأن هذا البرزخ حاجز بين الدنيا والآخرة, وأن الإنسان بعد مفارقته للدنيا لا تنعدم روحه, أما بدنه فإنه ينعدم ويفنى, قد تأكله الأرض ويصير تراباً ورفاتاً, وقد يحرق ويذرى ولا يبقى له بقية, ولكن روحه تبقى, وهي التي يكون عليها العذاب والنعيم, ويقدر الله أن يوصل إلى بدنه _ ولو كان تراباً _ ما يتألم به أو ما يتنعم به.
والعبد متى آمن بهذا استعد له, فمتى صدقت بأن هذا القبر إما نعيم, وإما جحيم, حملك ذلك على أن تتأهب بالأعمال الصالحة وبالعقيدة السليمة, حتى تنجو من العذاب, وحتى تسلم منه, وحتى تظفر بالنعيم الذي هو مقدمة بين يدي نعيم الآخرة.[ 2/91_92_98]
أثر الإيمان بنصب الموازين, ووزن الأعمال:
إذا صدقت بأن هناك وزن حملك على أن تستعد لذلك لأن الله تعالى يقول: { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون} [المؤمنون:102_103] وهذا كله دليل على أن هناك وزناً حقيقياً, فالمسلم الذي يؤمن بذلك يستكثر من الأعمال الصالحة, التي يثقل بها ميزانه, وإذا استكثر منها حرص على أن تكون أعماله صالحة صادقة, صادرة من صميم قلبه, فإن ثقل الأعمال وخفتها يختلف بحسب إخلاص العامل وإخلاص نيته.[ 2/105]
أثر الإيمان بنشر الدواوين:
تنشر الدواوين, وهي صحائف الأعمال التي كتبت فيها, فآخذ كتابه بيمينه, وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره, فإذا آمن الإنسان أن أعماله مكتوبة ومحصاة عليه, وأنه سيعرض عليه كتابه وأنه لا يقدر على أن ينكر شيئاً وأنه إن أنكره شهدت عليه الملائكة الكرام الكاتبون الحافظون وكذلك شهدت عليه جوارحه. قال تعالى: ( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون )[يس:65] فتشهد عليهم هذه الجوارح بما كانوا يعملون: { شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون * وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون } [فصلت:20_21] {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} [النور:24]
فإذا آمن الإنسان بذلك كله, فإنه يستعد لذلك اليوم, فيعمل الأعمال التي تكون زاداً منجياً من هول ذلك اليوم.[ 2/105_ 106_107]
أثر الإيمان بالمرور على الصراط:
من جملة الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بالصراط, والصراط كما ذكر منصوب على متن جهنم, وهو جسر بين الجنة والنار, أو أنه على متن النار يمر الناس عليه في طريقهم وعبورهم, فيمرون على النار. فالمؤمن قوي الإيمان لا يحسُّ بحرارة النار, ولا كأنه مر عليها, حتى ورد في بعض الآثار أن النار تقول: جُزيا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي, وذلك في أثناء العبور فيمر الناس على هذا الصراط على قدر أعمالهم في الدنيا وعلى قدر تمسكهم بالصراط المستقيم في الدنيا, فإن هنا صراطاً مستقيماً في الدنيا, وصراطاً مستقيماً في الآخرة, إلا أن صراط الدنيا معنوي, وصراط الآخرة حسي, فالذي يتمسك بالصراط المعنوي, يوفق للسير والسلوك على الصراط الحسي.
فإذا وفق العبد لهذا الصراط, وتجنب طريق أهل الغضب وأهل الضلال, فإنه يسير في الآخرة على الصراط الحسي سيراً مستقيماً, لكن على قدر تمسك الناس.
وذلك أن تمسك الناس في هذه الدنيا بالصراط وسيرهم عليه مختلف, فمنهم من يكون سيره بطيئاً, بحيث إنهم في الدنيا يخلون بكثير من الواجبات, ويرتكبون كثيراً من المحرمات, ويقصرون ويخالفون في شيء من الاعتقادات, فيكون سيرهم في الدنيا سيراً ضعيفاً, ومنهم من يكون متوسطاً, فيكون محافظاً على الواجبات, وتاركاً للمحرمات, وإن لم يحافظ على السنن والمندوبات, وإن لم يترك المكروهات والمباحات ,ونحوها فهذا سيره الأخروي أقوى من الأول, وهكذا من كان أتم تمسكاً بالصراط الدنيوي المعنوي, بأن يكون مثلاً محافظاً على الواجبات, وآتياً للمستحبات, وتاركاً لجميع المحرمات, وتاركاً للمكروهات, ولبعض المباحات, فهذا هو الذي يكون سيره سريعاً غاية السرعة, على ذلك الصراط المستقيم, الذي ينصب على متن جهنم.
وقد ورد في أوصاف الصراط الأخروي أوصاف كثيرة, ولكن بعضها لم يثبت....لكن بعض الروايات التي ورد فيها أنه أدق من الشعر, وأحد من السيف, صححها بعض العلماء, وكذلك وصفه بأنه أحرُّ من الجمر قد رواه بعض العلماء.
...كل هذا يدل على أن هذا الصراط في غاية من الدقة والحرارة, ولكن يثبت الله أهل الإيمان, حيث ثبتوا على أعمالهم وعقائدهم في الدنيا, فثبتهم على الصراط في الآخرة, وهكذا أيضاً لما كانوا متمسكين بالأعمال الصالحة في الدنيا, كان تمسكهم سبباً في سرعة قطعهم لهذا الصراط بسرعة.
فمن الناس من يمر كهذه الريح في سرعتها وانطلاقها, ومنهم...من يمر كلمح البصر, ومنهم من يمر كالفرس الجواد, والفرس أيضاً سريع السير, لشدة جريه, يقطع المسافات الطويلة في زمن قصير.
ومنهم من يمر كركاب الإبل, كالذين يركبون الدواب على الإبل, ومنهم من يمشي مشياً على الأقدام, ومنهم من يزحف زحفاً على يديه, أو على رجليه, أو على مقعدته.
ومنهم المخطوف والملقى في النار.
فالذي يؤمن بهذا الصراط, ويعرف أنه إنما يسلكه ويوفق في السير عليه إذا كان مستوياً سيره على هذا الصراط, يستعد لذلك, ويفكر هل أنا مستقيم على الصراط الدنيوي أو لا ؟ فإذا رأى في نفسه خللاً أو نقصاً تفقد ذلك وتلافاه.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ