يوم الجمعة .. قضايا وأحكام 6

خالد سعد النجار

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

"من لم يحضر صلاة الجمعة مع المسلمين لعذر شرعي من مرض أو غيره أو لأسباب أخرى صلى ظهرا، وهكذا المرأة تصلي ظهرا، وهكذا المسافر

  • التصنيفات: فقه العبادات -

بسم الله الرحمن الرحيم

** روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ ( «فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا) وفي رواية: وَقَالَ بِيَدِهِ وَوَضَعَ أُنْمُلَتَهُ عَلَى بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصِرِ قُلْنَا يُزَهِّدُهَا.»

قوله: ( «وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي» ) أجيب عن هذا الإشكال بحمل الصلاة على الدعاء أو الانتظار وبحمل القيام على الملازمة أو المواظبة ومنه قوله تعالى: {إلا ما دمت عليه قائما}

// وفي مسند أحمد بسند صحيح عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: «كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً)، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قُلْتُ: وَاللهِ لَوْ جِئْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَسَأَلْتُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ فَسَأَلْتُ عَنْهَا فَقَالَ: خَلَقَ اللهُ آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَبَضَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، فَهِيَ آخِرُ سَاعَةٍ، وَقَالَ سُرَيْجٌ فَهِيَ آخِرُ سَاعَتِهِ فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (فِي صَلَاةٍ) وَلَيْسَتْ بِسَاعَةِ صَلَاةٍ قَالَ: أَوَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مُنْتَظِرُ الصَّلَاةِ فِي صَلَاةٍ) قُلْتُ: بَلَى قَالَ: هِيَ وَاللهِ هِيَ» .

// وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ «قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ» .

ولم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة الكرام الدعاء أو الذكر بكلام مُعَيَّنٍ بين خطبتي الجمعة، وإنما ذكر بعض أهل العلم استحباب الدعاء بين الخطبتين، تحريًّا لساعة الإجابة التي في يوم الجمعة، ومن أقوى الأقوال في تعيينها: أنها من أول خروج الإمام للخطبة إلى انتهاء الصلاة.

ولكن لما لم يكن هذا الدعاء واردا في السنة، فلا ينبغي تأكيده وجعله سنة لازمة.  

// عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( «يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ - يُرِيدُ - سَاعَةً، لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا، إِلَّا أَتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» ) [أبو داود]

 

** روى أبو داود وابن ماجه عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ -رضي الله عنه- قال: «جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ) » .

وفي رواية: (فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ) من الأين، وهو الوقت، أي: جئت متأخراً فآذيت

تخطي رقاب الجالسين لصلاة الجمعة يدور بين الكراهة والتحريم، قال ابن المنذر معللاً القول بالتحريم: لأن الأذى يحرم قليله وكثيره، وهذا أذى.

 

ترك صلاة الجمعة

// روى أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «(مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ)»

// وروى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «(مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ)»

قال المناوي رحمه الله: (طبع الله على قلبه) أي: ختم عليه وغشاه ومنعه ألطافه، وجعل فيه الجهل والجفاء والقسوة، أو صير قلبه قلب منافق"

// وقد جاء في بعض الروايات تقييد هذا الترك بالتوالي، ففي مسند الطيالسي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « (من ترك ثلاث جمع متواليات من غير عذر طبع الله على قلبه)، وفي حديث آخر (من ترك الجمعة ثلاث مرات متواليات من غير ضرورة طبع الله على قلبه)» .

 ويؤيد حديث أنس ما رواه أبو يعلى برجال الصحيح عن ابن عباس: "من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره".

// الطبع على القلب المذكور في الأحاديث السابقة لا يلزم منه كفر صاحب ذلك القلب، بل هو من الوعيد الذي جاء به الشارع في حق المسلم والكافر .

فقد روى الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «(إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ» { {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} })

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "عن مجاهد قال: كانوا يرون الرين هو الطبع".

وقال ابن القيم رحمه الله :" الذنوب إذا تكاثرت طُبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين، كما قال بعض السلف في قوله تعالى {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} قال: هو الذنب بعد الذنب "

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

"من لم يحضر صلاة الجمعة مع المسلمين لعذر شرعي من مرض أو غيره أو لأسباب أخرى صلى ظهرا، وهكذا المرأة تصلي ظهرا، وهكذا المسافر وسكان البادية يصلون ظهرا كما دلت على ذلك السنة، وهو قول عامة أهل العلم، ولا عبرة بمن شذ عنهم، وهكذا من تركها عمدا، يتوب إلى الله سبحانه، ويصليها ظهرا"

جمع وترتيب

د/ خالد سعد النجار

[email protected]