البركة وأنواعها
فكل مسلم فيه بركة، وهذه البركة ليست بركة ذات، وإنما هي بركة عمل، وبركة ما معه من الإسلام والإيمان، وما في قلبه من الإيقان والتعظيم لله - جل وعلا - والإجلال له
بسم الله الرحمن الرحيم
البركة نوعان: بركة ذات، وبركة عمل وإيمان وصلاح.
** بركة ذات: بمعنى أن أجزاء الذات تكون مباركة، فإذا لمست هذا المبارك الذات انتقلت لك بركة، وحصل لك بركة وانتفاع من ذاته -من شعره من عرقه من بدنه-، وهذه البركة ليست إلا للأنبياء والمرسلين، فهم الذين يتبرك بذواتهم بعرقهم ببقية سؤرهم بدمهم إلى آخره، فهذا لا بأس به، كما جاء ذلك في السنة الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
** روى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عِنْدَنَا، فَعَرِقَ، وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تَسْلِتُ الْعَرَقَ فِيهَا، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ؟) قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا، وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ»
** وروى البخاري عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: ««أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِطَعًا، فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ» قَالَ: «فَإِذَا نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ، فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ، ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ» قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الوَفَاةُ، أَوْصَى إِلَيَّ أَنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ، قَالَ: فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ» .
** وفي البخاري في قصة صلح الحديبية: «ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنَيْهِ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا»
** وفي البخاري عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ « أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلَاثَ أَصَابِعَ مِنْ قُصَّةٍ فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ فَاطَّلَعْتُ فِي الْجُلْجُلِ فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا»
قال ابن حجر في الفتح: والمراد أنه كان من اشتكى أرسل إناء إلى أم سلمة فتجعل فيه تلك الشعرات وتغسلها فيه وتعيده فيشربه صاحب الإناء أو يغتسل به استشفاء بها فتحصل له بركتها
** عن عَامِرَ بْنَ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنه- يُحَدِّثُ: أَنَّ أبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- وَهُوَ يَحْتَجِمُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: « (يَا عَبْدَ الله، اذْهَبْ بِهَذَا الدَّمِ فَأَهْرِقْهُ حَيْثُ لاَ يَرَاكَ أَحَدٌ) فَلَمَّا بَرَزَ عَنْ رَسُولِ الله -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- عَمَدَ إِلَى الدَّمِ فَشَرِبَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: (يا عَبْد الله، مَا صنعت؟) قَالَ: جعلته في أخفى مكان علمت أَنَّهُ يخفى عَنْ النّاس، قَالَ: (لعلك شربته)، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (وَلِمَ شَرِبْتَ الدَّمَ وَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ، وَوْيُلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ)» .
** ولا تتعدى بركة الذات إلى من عدى الأنبياء إلا إذا كان مقتديا بهم ملتزما بما دعوا إليه وجاهدوا في سبيله، ولهذا لم تتعدى بركة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه يوم أحد لما وقع من الرماة يومئذ من مخالفة عن أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
** بركة عمل: وهذه لكل مؤمن بركة راجعة إلى عمله الصالح وذلك من جهة إيمانه وتقواه وصلاحه وعمله الصالح، فلكل مؤمن بركة بقدر ما عنده من الإيمان والعمل الصالح.
** روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ:
«خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ»
** وثبت أيضا في البخاري وفي غيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: «(إنّ منَ الشجَر لمَا بَرَكتُه كبركةِ المسلم)» فدل على أن كل مسلم فيه وله بركة
** ولما تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- صفية وأعتق قومها وجعل عتقهم صداقها قال: فلم تكن امرأة لها بركة على قومها أعظم من بركة صفية. فدل هذا على أن كل مؤمن له بركة؛ بركة عمل.
** فكل مسلم فيه بركة، وهذه البركة ليست بركة ذات، وإنما هي بركة عمل، وبركة ما معه من الإسلام والإيمان، وما في قلبه من الإيقان والتعظيم لله - جل وعلا - والإجلال له، والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه البركة التي في العلم، أو العمل، أو الصلاح : لا تنتقل من شخص إلى آخر وعليه فيكون معنى التبرك بأهل الصلاح هو الاقتداء بهم في صلاحهم، والتبرك بأهل العلم هو الأخذ من علمهم والاستفادة منه وهكذا، ولا يجوز أن يُتبرك بهم بمعنى أن يُتمسح بهم، أو يُتبرك بريقهم ؛ لأن أفضل الخلق من هذه الأمة وهم الصحابة لم يفعلوا ذلك مع خير هذه الأمة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وهذا أمر مقطوع به .
** فإذا أتى رجل صالح أو زارك أحد من إخوان المؤمنين وقال قائل: حلت البركة أو جاءت البركة يعني أن هذا الزيارة عمل صالح والعمل الصالح مبارك، وهذا العبد الصالح إذا جاء، وقال القائل: حلت البركة؛ يعني لأنه إذا جاء العبد الصالح فإنه سيشغل أهل البيت في زيارته لهم بما ينفعهم في آخرتهم فهذه من بركة إيمانه وعمله الصالح فلا بأس.
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: