القرآن الكريم وأثره في توطين النفس
القرآن الكريم قد أعطى هذا الجانب اهتماماً كبيراً، لما له من أثر في توطين النفس البشرية على الرضى والاستسلام، والترقب والاهتمام، وفق منطلق عقدي، جعل له التوجيه الإسلامي قاعدة متينة يرتكز عليها. وسنداً قوياً يدعمه، لتشد بذلك جوانب النفس حتى لا تنحرف أو تزيغ.
- التصنيفات: القرآن وعلومه - تزكية النفس -
فالقرآن الكريم قد أعطى هذا الجانب اهتماماً كبيراً، لما له من أثر في توطين النفس البشرية على الرضى والاستسلام، والترقب والاهتمام، وفق منطلق عقدي، جعل له التوجيه الإسلامي قاعدة متينة يرتكز عليها. وسنداً قوياً يدعمه، لتشد بذلك جوانب النفس حتى لا تنحرف أو تزيغ.
وإذا كانت النفس البشرية في عصرنا الحاضر الذي تقاربت فيه الشعوب، وتداخلت الثقافات، وقد دهمها الاضطراب، بحيث أصبح القلق يؤرقها في كل شيء: فهي تخاف من بعضها البعض، وهي تخاف من كوارث الحياة، ريحاً أو مطراً أو أعاصير أو ثلوج، وهي تخاف من الأمراض المتعددة والأوبئة، وخاصة ما يظهر جليًّا في وسائل الإعلام منذ عامين عن المرض القاتل ضعف المناعة المسمى ((الأيدز)) كما كانت تخاف من السرطان وغيره، وهي تخاف وتضطرب من أمور كثيرة ومتعددة لا يمكن حصرها، حتى أصبح الخوف والقلق سمة من سماتهم، وانتشر تبعاً لذلك الانتحار. والرغبة من الخلاص من هذه الحياة. وما ذلك إلا من نقص الإيمان في قلوبهم، وضعف الوازع العقدي المرتبط بالله وبدينه الذي رضيه لعباده، ذلك الوازع الذي يجعل النفس تؤمن بقضاء الله وقدره، بدون تسخط أو تأفف وتحتسب الأجر فيما تتحمله النفس عند الله مدّخراً في يوم الجزاء والنشور، عندما يحصَّل ما في الصدور، ويؤكد هذا المعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: {يا غلام!!. احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وأعلم أنما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك} (رواه الترمذي).
والله سبحانه وتعالى يسوق الكوارث على البشر في حياتهم الدنيا، لينبه النفوس من غفلتها، وليعيدها إلى خالقها، ويربطها بموجدها، ويذكرها به كلما بعدت، وهذا هو الإيمان بالله وبكتبه وبرسله، وهو معرفة الحق المطمئن. الذي جاء من عند الله، إيماناً به، واعتقاداً بأنه من عند الله قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِّنَ الخَوْفِ والْجُوعِ وَنَقْص مِّنَ الأَمْوَال وَالأَنفُس وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[8].
فإذا كانت هذه البلوى في نزول المصائب على النفوس المؤمنة. من أجل أن يقوى إيمانها، وتستعين به على الصبر والتحمل في مجابهة ما ينزل من بلوى، فإن هذا من ترسيخ الإيمان، والاطمئنان بتمكينه، ذلك أن تسليم الأمور لله، وعدم الجزع مما حلّ لا يتحمله بصبر وثبات، ورضى واطمئنان، إلا النفوس المؤمنة المحتسبة، وقد سماهم الله في آخر الآيات بالمهتدين السائرين على الدرب المستقيم.
والصبر يأتي على ضربين: صبر المؤمن الذي يرجو أجر الله ويخاف عقابه، فيتحمل في سبيله باطمئنان ورضا أموراً كثيرة وهذا هو الذي حث عليه القرآن الكريم في أكثر من ستين موضعاً، وهذا أول نوع من الجهاد فرض في الإسلام. فقد مكث صلى الله عليه وسلم في مكه ثلاث عشرة سنة، يرسخ في أصحابه عقيدة التوحيد، ويأمرهم بالصبر على أذى قريش حتى يجعل الله لهم مخرجاً، ويطمئنهم بنصر الله وتأييده، وأن الغلبة لله ولرسوله وللمؤمنين.
وصبر الكافر على ما ينزل عليه من مصائب وكوارث، فهو إن صبر فبغير احتساب وصبره كصبر البهائم لما يحمل عليها من أثقال، أو تلقى من أصحابها في مشقة، وهو إن جزع فإنما يجزع بتسخّط على الله الذي قدّر الأشياء لحكمة وعبرة، فحياته قلق وضجر.
والقاسم المشترك ما بين المؤمن والكافر في تحمل المصائب والكوارث، والاستسلام للأمر وتطبيقه أو النكوص عنه، هو العامل الإيماني، الذي تتفتح عنه النفوس، وتتقبله القلوب كما توضحه الآية الكريمة: {وَلََنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ}[9].
والقرآن الكريم يربط كل عامل من عوامل الدنيا التي تجعل الإنسان قلقاً بشأنها، بقوة العقيدة، وسلامة الإيمان ونقاوته، وبذلك تخف الوطأة، وتهون المصيبة. فهو يخاطب النفس بما يطمئنها ويريحها، ويهدئ ثائرتها، ولن يمر بالقارئ لكتاب الله آية إلا ويلمس فيها سراً عجيباً، وعلاجاً مريحاً، يزيل عن النفس كابوس القلق ومؤثر الاضطراب.
وهذا هو أقوى علاج نفسي للخروج من ذلك المحيط، الذي لم يعرف وجوده لدى المسلمين، إلا بعد ضعف الوازع الإيماني، والتساهل في أمور الدين، والبعد عن كتاب الله الذي هو أكبر مؤثر يريح النفوس، وتطمئن به لما فيه من عظات وعبر، ووعد ووعيد، وهدي المصطفى الذي يعطي حديثاً لكل حادثة، ويجعل لكل حالة مخرجاً.
وليس هذا المفهوم منا معاشر المسلمين الذين نجد العلاج ماثلاً قولاً وعملاً فقط، ولكن رجال الغرب المهتمين بالنفس البشرية، وما تعانيه في مجتمعاتهم في قرننا الحاضر من قلق واضطراب، وأزمات عديدة، قد جاءت دراسات منهم تقول: إن المسلمين لا يعرفون الانتحار المنتشر في بلاد الغرب، وإن المسلمين لا يعيشون الاضطرابات المتعددة التي وقع فيها أبناء الغرب. وبعضهم يطلق على أجيال ما بعد الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية أجيال القلق والضياع الفكري.
ومن هنا نلمس في ديارهم كثرة المصحّات النفسية، وانتشار شركات التأمين على كل شيء يخشون ضياعه أو حلول كارثة فيه.
فاستغلت شركات التأمين التي أسسها ودعا إليها بوسائل إعلامه المختلفة مصاصوا دماء الشعوب وهم اليهود، عندما استغلوا القلق الذي يعيشه أولئك الذين فرغت قلوبهم من الإيمان بالله، فسهل عليهم جذبهم إلى مصائدهم، واستغلال نقطة الضعف فيهم، ومن هنا ندرك بعضاً من سر عداوة اليهود للإسلام وأهله حسبما أوضح الله عنهم في القرآن الكريم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنّهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ، وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا ءَامَنَّا فَاكتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ، وَمَا لَنا لاَ نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقُوْمِ الصَّالِحِينَ}[10].
فاليهود وصفهم الله بشدة العداوة لأهل الإيمان، لأنهم يعرفون الله، ويعرفون الحق الذي أنزل على عباده، ويتركون العمل به وأتباعه قصداً، وبسابق إصرار وعن علم ودراية، فلذلك كانوا أعداء لله، ولأهل الإيمان، وأخذوا الأسبقية في هذا قبل المشركين عبدة الأصنام للمعاندة والمخالفة مع العلم، فقلوبهم قاسية وحاقدة.
أما النصارى ففيهم رقة تقرّبهم من المؤمنين فإذا وضح لهم الحق استجابوا لندائه، فهم أقرب للإيمان بأيات الله كما وصفتهم الآية الكريمة.
وما يحصل من قساوة قادة النصارى، ورجال الكنيسة ضد الإسلام فهو لأحد سببين:
– إما مصالح قيادية يخشى عليها.
– وإما بتحريض من اليهود الذين يوالون النصارى ليجتمعوا سوياً في محاربة الإسلام.
ولذا امّتن الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بطريقة وسط بين غلوّ النصارى، وجحود اليهود فالمؤمنون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمصدقون بشرع الله الذي جاءهم من عند الله، والمطمئنة قلوبهم بمصدري التشريع في الإسلام عن عقيدة ويقين، يدعون الله بالاستقامة على الطريق المستقيم الذي يمثل عقيدة وسطاً، وعملاً لا مشقة فيه فلا تكليف للنفس فوق طاقتها فتملّ. يقول الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [11].
فالمغضوب عليهم هم اليهود الذين عصوا الله عن علم ومعرفة، والضالون هم النصارى الذين يعبدون الله عن جهل وضلال.
وقد قال سفيان الثوري رحمه الله: من فسد من عباد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ففيه شبه بالنصارى، ومن فسد من علمائهم ففيه شبه باليهود.
__________________________________
الكاتب: د. محمد بن سعد الشويعر
الكاتب: د. محمد بن سعد الشويعر