مفهوم الحرب في الإسلام
محمد سيد حسين عبد الواحد
ومن مكاسب الحرب إفشاء السلام فلولا الحرب ما كان سلام ولا عهد ولا أمان {وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ}
- التصنيفات: قضايا إسلامية -
أيها الإخوة الكرام: إن الأصل في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان هو السلام، هو التعايش المشترك الذي تراعى فيه أواصر القرابة والإنسانية والمحبة والمودة والتراحم والتعاطف بين الناس ..
لكن لما كان الصراع بين الحق وبين الباطل قديم قدم الإنسان ، ولما كان أهل الشر يتربصون بأهل الخير ويقعدون لهم بكل مرصد ، وكان ذلك معلوما ومنظورا ..
كان ذلك سببا لخروج الناس عن سلميتهم إلى وضع آخر لا يحبونه ولا يريدونه وهو (الحرب) قال الله تعالى { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ }
إذا دقت الحرب طبولها في بقعة من الأرض فقل عنها ما شئت ..
سفك الدماء، انتهاك الأعراض، سلب ونهب للأموال، دمار وتخريب وتشريد للمستضعفين من الرجال والنساء والولدان والواقع اليوم شاهد لا يحتاج بيان..
المسلمون شائوا أو أبوا هم جزء من هذا العالم، يسري عليهم ما يسري على الناس، ويفرض عليهم ما يفرض على الناس..
من هنا خاض المسلمون حروبا في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، معظمها فرض على المسلمين فرضا وجاء العدو يعتدي حتى كاد أن يدخل عليهم بيوتهم في المدينة المنورة وغزوة بدر وغزوة أحد وغزوة الخندق كلها كانت بالمدينة وقريش هى التى دقت طبول الحرب..
وخاض المسلمون حروبا بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، وحاربوا في زمان الصحابة، وحاربوا من بعدهم وإلى وقت قريب، ولم يزل الباب مفتوحاً لحروب جديدة قد تفرض على المسلمين فرضا ما دام في الأرض حق وباطل، وما دام بين الناس أخيار وأشرار ..قال الله تعالى:
﴿ { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} ﴾
لكن ما يعنينا نحن المسلمين هو كيف ينظر المسلمون إلى قرار الحرب ؟
المسلمون قوم لا يتعطشون للدماء، ولا يسلون سيوفهم في وجه من سالمهم إنما يقاتلون فقط من قاتلهم ﴿ {وَقَٰتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } ﴾
المسلمون يكرهون الحرب حتى من اسمها قال النبي عليه الصلاة والسلام « تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ ، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ »
المسلمون يرغبون في حقن الدماء المعصومة، ولا يرون الحرب إلا ضرورة تقدر بقدرها { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَٰفِرِينَ}
المسلمون يرون الحرب آخر خيار ﴿ {فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا۟ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا } ﴾
المسلمون يصبرون على أذي عدوهم من غير ضعف، ويتسامحون مع عدوهم من غير خوف، ويعذرون خصومهم فإن أبى الخصوم إلا الحرب فلله الأمر من قبل ومن بعد..
﴿ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا۟ ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، ٱلَّذِينَ أُخْرِجُوا۟ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ } ﴾
الحرب في نظر المسلمين لا تراد لذاتها، الحرب ليست هواية وليست سياحة قال النبي عليه الصلاة والسلام «لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية»
ليس المسلمون دعاة حرب ، بل إن الحرب في نظر المسلمين ضرورة لها وقتها ولها شروطها ولها أهدافها وغاياتها..
شرع القتال أول ما شرع بعد سنوات بلغت أكثر من نصف زمان بعثة النبي عليه الصلاة والسلام..
سنوات عاشها المسلمون بمكة ومنهم من عاشها غريبا بالحبشة، سنوات كلها مطاردة، كلها أذي، كلها عذاب، بين حبس، وبين جلد، وبين سحل، وبين قتل، وبين تشتيت وتفريق.. ثم إن القتال شرع..
شرع القتال أول ما شرع من أجل رد عدوان المعتدي {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا۟ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، ٱلَّذِينَ أُخْرِجُوا۟ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُ ۗ }
شرع القتال أول ما شرع من أجل حماية المؤمن من أن يفتن في دينه {وَقَٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ ٱنتَهَوْا۟ فَلَا عُدْوَٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ}
شرع القتال أول ما شرع من أجل حماية الأموال المعصومة، ومن أجل صيانة الأعراض، ومن أجل الدفاع وحماية المقدسات الإسلامية وغير الإسلامية أن تهدم (وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيرًا ۗ )
شرع القتال أول ما شرع من أجل إظهار شوكة المسلمين وبيان شدة بأسهم {وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}
أما في وقت الحرب :
فالمسلمون كرماء شرفاء أوفياء أمرهم أن يكونوا كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة، ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ..
وقال أبو بكر لأحد قادته وقد خرج لقتال عدو :
قال: لا تقتلوا كبيراً هرما،ً ولا امرأة، ولا وليداً، ولا تخربوا عمراناً، ولا تقطعوا شجرة إلا لنفع، ولا تذبحن بهيمة إلا لنفع، ولا تحرقن نخلاً ولا تغرقنه، ولا تغدر، ولا تمثل، ولا تجبن، ولا تغلل، ثم قرأ {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}
أما بعد أن تضع الحرب أوزارها :
وتحت أيدي المسلمين قتلى وأسرى وجرحى ..
فالقتلى لا تهان أجسادهم ولا تشوه معالمهم ولا تقطع أطرافهم ولا يعلقون على الصلبان، ولم يردْ في تاريخ المعاك أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغت المآئة بين غزوة وسرية، لم ترد حادثةٌ واحدة تقول بأن المسلمين مثَّلوا بأَحَدٍ من أعدائهم.
أما عن الأسرى والجرحى:
فمن السنة مداواة الجرحى ورحمتهم، ومن السنة إكرام الأسير وإطعامه وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول: أحسن إليه" وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام ( استوصوا بالأسارى خيرا)
أقول ما أقول: ليعلم الناس أن الإسلام دين حياة لا دين موت ، دين حرية لا دين قهر، ثم ليعلم الناس أيضا براءة الإسلام من كيد الحاقدين ، وأنه نزيه عن إفك الكذابين ..
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن ينصر الإسلام وأن يرفع راية المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن مفهوم الحرب في الإسلام أن نقول:
ليس في الوجود شرا محضا ولا خيرا محضا ..
كل شيء في الحياة فيه الخير وفيه الشر ..والحرب لم تخرج عن هذا الإطار فكما يترتب على الحرب تخريب وتشريد وهذا شر، قد يترتب عليها أيضا خير، إذ يترتب على الحروب الشريفة صيانة الدين الذي كان يدنس، وصيانة الأوطان التي كانت تهان, وصيانة الأعراض التي كانت تنتهك، وصيانة الأموال والثروات التي كانت تستلب ..
ومن مكاسب الحرب إفشاء السلام فلولا الحرب ما كان سلام ولا عهد ولا أمان {وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ}
ومن مكاسب الحروب الشريفة أيضاً أنها باب للفوز بالشهادة في سبيل الله تعالى ففي ساحات الحرب يصطفي الله الشهداء ويختارهم اختيارا{ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُۥ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ }
ومن بركات الشهادة في سبيل الله تعالى
إدراك حسن الخاتمة، والعودة بغفران الذنوب، ثم إن الشهيد يجار من عذاب القبر' ويجار من الفزع الأكبر، ويؤتى يوم القيامة شفاعة، ويفوز بالجنة قال الله تعالى:
﴿ {وَٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَٰلَهُمْ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ،وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } ﴾
أسأل الله تعالى أن يبلغنا منازل الشهداء إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.