جناية الاختلاط
المرْأة هي الركيزة الأساسيَّة في المجتمع، فإذا كانت صالحة وتفرَّغت لرسالتها في الحياة، صلحت الأمة وزاد فيها الخير وقلَّ فيها الشَّرّ، وإذا تنكَّبت المرأة الطَّريق واستجابت لدعْوة أعدائِها، فخرجتْ من بيْتِها وزاحمت الرَّجُل في ما خُلِق له - فلا تسألْ عن حال المرْأة ولا عن حال المجتمَع.
- التصنيفات: العلاقة بين الجنسين - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -
المرْأة هي الركيزة الأساسيَّة في المجتمع، فإذا كانت صالحة وتفرَّغت لرسالتها في الحياة، صلحت الأمة وزاد فيها الخير وقلَّ فيها الشَّرّ، وإذا تنكَّبت المرأة الطَّريق واستجابت لدعْوة أعدائِها، فخرجتْ من بيْتِها وزاحمت الرَّجُل في ما خُلِق له - فلا تسألْ عن حال المرْأة ولا عن حال المجتمَع.
فقد فطَر الله كلاًّ من الرَّجُل والمرأة على الميْل للآخَر؛ فلذا كانت عناية الشَّرع بالفصْل بين الرِّجال والنِّساء حتَّى في الأماكن الَّتي لا تتطرَّق إليها الرِّيبة في المساجد، فمكان المرأة خلف الرِّجال منفصلة عنهم في صلاتِها، فإذا كان الشَّرع منعها أن تَختلط بالرِّجال في أماكن الصَّلاة مع عدَم الخلوة، فكونُها لا تختلط بهم في الأماكن التي قد تجرُّ إلى الفاحشة أوْلى بالمنع.
فالأصل هو قرار المرأة في بيتها وتَخرج لحاجتها أو حاجة المجتمع لها؛ لأمر الله - عزَّ وجلَّ - المرأة بذلك في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]، فالخِطاب موجَّه لأمَّهات المؤمنين وتدخُل فيه سائر المؤمِنات، فما بعد القرار في البيْت واجبٌ على المؤمِنات، فكذلك القرار، فإذا قرَّت المرْأة في بيْتِها، تفرَّغت لممْلكتِها وربَّت أولادَها، وما نحن - معاشرَ الرجال - وما فينا من خير إلاَّ ثمرة لقرار أمَّهاتِنا في بيوتهنَّ وعدم اختلاطهنَّ بالرِّجال الأجانب.
وقد أمر الله الرِّجال والنساء بغضِّ البَصر؛ لأنَّه هو الشَّرارة الأولى التي تؤجِّج نار الشَّهوات في المجتمع، فحِفْظ الفرْج من الحرام لا يكون إلاَّ عن طريق غضّ البصر؛ يقول - تبارك وتعالى -: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]، فكيف يستطيع الرَّجل أن يغضَّ بصره عن امرأة تكون معه في مكانٍ واحد عدَّة ساعات، فهي عن يَمينه وعن شماله وأمامه؟!
فالمُشاهَد من حال هؤلاء إن كان فيه دينٌ أنَّه يُجاهد نفسه فتْرة معيَّنة، ثمَّ في الغالب يعجِز فيطلق بصره في الحرام، واللهُ حينما حرَّم الزنا حرَّم الطرُق الموصِّلة إليه، فحرَّم النَّظر إلى النساء الأجنبيَّات، وحرَّم الخلوة بهنَّ، وحرَّم خضوع المرْأة في القول، وهذه المناهي الشَّرعيَّة موجودة في مخالطة المرْأة الرَّجُل في عمله.
وممَّا يلبِّس به البعضُ على النَّاس أنَّه إذا كثُر الاختِلاط بين الرِّجال والنِّساء، لَم يلتفت كلٌّ من الجنسَين للآخر، وهذا مع كوْنِه يصادم النصوصَ الشَّرعيَّة والتوجيهات الربَّانية، يُخالف الواقع، فالغرب عمومًا يَعيش في فوضى إباحيَّة، فالزِّنا مباح بالقانون، واللِّواط والسّحاق مباحان بالقانون، فشرعت الأنظمة التي تُبيح زواج الذَّكر بالذَّكر والأنثى بالأنثى، وإذا أردنا أن نَخرج بتصوُّر واقعٍ لحال المجتمعات الغربيَّة فلننظُر إلى واقع مَن يعدّون من خيار القوم، فكبار السَّاسة هم صفوة المجتمَع، وصلوا لسدَّة الحكم والمراكز القياديَّة العليا بالانتِخاب لأنَّهم أفضل الموجودين، وبين فترة وأُخرى تطالِعُنا وسائل الإعلام بذِكْر فضائح القوم مع مرؤوساتِهم، تارة بطواعيتهنَّ وتارة بإكراههنّ، وتارة بِمطاردتهم المومسات وعقْد الصَّفقات المحرَّمة معهنَّ، وأطهِّر هذا المكان الطَّاهر عن ذكر القصص، لكن مَن له مطالعة لوسائل الإعلام يدرك ذلك.
فإذا كان هذا واقِع علْية القوم وصفوة المجتمع الغربي، فما الظَّنّ بعامَّة الناس وسفلتهم، وكذلك اختلاط الذكور بالإناث في المجتمعات الغربيَّة في المدارس منذ المرحلة الابتدائيَّة، ومع ذلك لم يمنع ذلك وقوع الزّنا بين الطلاب والطَّالبات، ومن شواهد تردّي القوم ما طالعتْنا به إحدى وسائل الإعلام الغربيَّة الأسبوع الماضي خبرًا تقول فيه: "يحقق مسؤولون في ولاية ماساتشوستس الأمريكيَّة لمعرفة كيف حملتْ 17 مراهقة من المدرسة الثَّانوية نفسها، وقد أفادت أنباء أنَّ بعض الطَّالبات - واللاتي يبلغ عمرهنَّ 16 عامًا بحدّ أقصى - قد تكون قد دخلت في نوع من اتّفاق بينهنَّ لإنجاب أطفالهنَّ بالتزامن، ويعتقد أنَّ بعض الآباء قد يكونون في سن تخطَّى الـ20 عامًا ممَّا يعرِّضهم للاتّهام بممارسة الجنس مع فتيات قاصرات، يُذكر أنَّه من غير القانوني ممارسة الجنْس مع فتيات لم يبلغن الـ 16 عامًا في ماساتشوستس". اهـ.
فالمشكلة عند القوم ليست في زِنا الطَّالبات - لأنه الأصل - بل في سبب امتِناع تلك الطَّالبات من استِعْمال موانع الحمْل.
إخوتي:
لنسرح بالفِكْر قليلاً فإذا كان في مدرسة واحدة في عام واحد سيُولد 17 طفلاً من الزنا، فكم عندهم من مدرسة، إضافة إلى حَمل غير الطَّالبات من السّفاح ومن الاغتِصاب؟! وما هو مصير أبْناء السّفاح؟ ما هو موقفهم من المجتمع حين ينشأ الطفل في ملجأ من الملاجئ، لا يعرف له أمًّا ولا أبًا، أو لا يعرف مَن هو أبوه؟!
فالجريمة التي تضرب بأطنابها في تلك المجتمعات والأمراض الجنسيَّة المستعْصِية هي ثمرة لاختِلاط الرِّجال بالنساء، وترْك المرأة بيتَها وانشغالها بأعمال لم تُخلق لها.
ابن القيم - رحمه الله - يشخِّص حال هؤلاء وبيْنه وبيْنهم عدَّة قرون، لكن سنن الله الكونيَّة لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، يقول الإمام ابن القيّم في "الطرق الحكميَّة" (ص: 407): "لا ريب أنَّ تَمكين النساء من اختلاطهنَّ بالرجال أصلُ كلِّ بليَّة وشرّ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامَّة، كما أنَّه من أسباب فساد أمور العامَّة والخاصَّة، واختِلاط الرجال بالنساء سببٌ لكثرة الفواحش والزّنا، وهو من أسباب الموت العامّ والطَّواعين المتَّصلة".
فمن أعظم أسباب الموت العامّ: كثْرة الزّنا بسبب تَمكين النّساء من اختلاطهنَّ بالرّجال، والمشْي بينهم متبرِّجات متجمِّلات، ولو علِم أولياء الأمر ما في ذلك من فسادِ الدُّنيا والرَّعيَّة قبل الدّين، لكانوا أشدَّ شيء منعًا لذلِك.
عقلاء الغرب ذكورًا وإناثًا أدركوا مرارة الواقِع الذي يعيشونه، وشخَّصوا السَّبب، وهو اختِلاط المرأة بالرَّجُل، فتعالت منهم الأصوات مطالبة بإصلاح هذا الواقع المرير بفصْل تعليم الذّكور عن الإناث، والمطالبة بعوْدة المرأة إلى البيت واهتِمامها بتربية أولادها.
قالت الكاتبة الإنجليزية اللادي كوك: "إنَّ الاختلاط يألفه الرجال؛ ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتَها، وعلى قدر كثْرة الاختلاط تكون كثْرة أولاد الزنا، وههُنا البلاء العظيم على المرأة" .. إلى أن قالت: "علِّموهنَّ الابتعاد عن الرِّجال، أخْبروهنَّ بعاقبة الكيْد الكامن لهنَّ بالمرصاد".
وقال سامويل سمايلس الإنجليزي: "إنَّ النّظام الَّذي يقضي بتشْغيل المرأة في المعامل، مهْما نشأ عنه من الثَّروة للبلاد، فإنَّ نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزليَّة؛ لأنَّه هاجم هيكل المنزِل، وقوَّض أركان الأسرة، ومزَّق الروابط الاجتماعيَّة، فإنَّه يسلب الزَّوجة من زوجها، والأولاد من أقاربِهم، صار بنوع خاص لا نتيجة له إلاَّ تسفيل أخلاق المرْأة؛ إذ وظيفة المرأة الحقيقيَّة هي القيام بالواجبات المنزليَّة مثل ترتيب مسكنها، وتربية أولادها والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام بالاحتياجات البيئيَّة، ولكن المعامل تسلخها من كلّ هذه الواجبات بحيثُ أصبحت المنازل غيرَ منازل، وأضحت الأولاد تشبّ على عدم التربية وتُلْقَى في زوايا الإهْمال، وأُطْفئت المحبَّة الزوجيَّة وخرجتِ المرأة عن كونِها الزَّوجة الظَّريفة والقرينة المحبَّة للرَّجل، وصارت زميلتَه في العمل والمشاقّ، وباتت معرَّضة للتأثيرات التي تَمحو غالبًا التَّواضُع الفكْري والأخلاقي الذي عليْه مدار حفظ الفضيلة".
هذا هو الجانِب السيِّئ للحضارة الغربيَّة، وهذا الذي يريد أن يصدّره الغرب إلى بلاد المسلمين، بل ربَّما حاولوا فرْضَه تحت مسمَّيات حقوق الإنسان أو غيرِها، وعندنا من كتاب ربِّنا وسنَّة نبيِّنا ما يكفل لنا السَّعادة والاستقرار.
عباد الله:
أمرنا ربُّنا بالعدل مع العدوّ؛ يقول ربُّنا - تبارك وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]، فمِن العدل الاعتراف بأنَّ الحضارة الغربية كما أنَّ لها جانبًا قبيحًا فلها جانب حسن، وهذا يتمثَّل في التطوّر العلمي في جوانب مختلِفة، وهذا الَّذي ينقص المسلمين ويحتاجونَه، إلاَّ أنَّه مع الأسف يشحّ الغرب بذلك ليستمرَّ المسلمون عالة على غيرهم.
عباد الله:
من الشبه التي تُثار أنَّ المرأة كانت تَخرج في الجهاد وتشارك الرّجال، وصاحب هذه الشُّبهة في أحسن الأحوال جاهلٌ بالحال، فلم تكن المرأة في عهد النَّبيِّ تَخرج إلاَّ مع مَحْرمها، وليس لها مشاركة فعليَّة في الجهاد، إنَّما كانت خلْف المجاهدين تصنع الطَّعام وتنقل الماء وتُداوي الجرحى، وهذه حال ضرورة، وتنقل الشُّهداء، فعمَلُها ليس عملاً رئيسًا في الجهاد إنَّما هو عمل مساند؛ فعن أمّ عطيَّة الأنصاريَّة قالت: "غزوتُ مع رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سبْعَ غزوات، أخْلفهم في رحالِهم، فأصنع لهم الطعام وأُداوي الجرْحى وأقوم على المرضى"؛ رواه مسلم (1812).
وعن الربيّع بنت معوّذ قالت: "كنَّا مع النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - نسقي ونداوي الجرْحى، ونردُّ القتلى إلى المدينة"؛ رواه البخاري (2882).
نعم، كانت بعض النّساء تحمل السّلاح عند الحاجة دفاعًا عن نفسها؛ فعن أنس: أنَّ أمَّ سليم اتَّخذت يوم حُنين خنجرًا فكان معها، فرآها أبو طلحة – زوْجُها - فقال: يا رسولَ الله، هذه أمُّ سليم معها خنجر، فقال لها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «ما هذا الخنجر»؟ قالت: اتَّخذتُه إن دنا مني أحد من المشركين بقرتُ به بطنه، فجعل رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يضحك؛ رواه مسلم (1809).
فأعظم خدمة تقدُّمها المرأة لمجتمعها: القرارُ في البيت؛ لتتفرَّغ لصناعة الرّجال والعناية باستِقْرار الأسرة، فهي سكنٌ للجميع وتقوم بخدمة بناتِ جنسِها من تعليم وتطْبيب وغير ذلك مِمَّا تحتاج إليْه النّساء.
______________________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد الزومان